الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤى وأساليب في «تواصل»

رؤى وأساليب في «تواصل»
16 يونيو 2010 21:19
أقامت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة مؤخرا معرضاً فنياً مهماً سلطت من خلاله الضوء على آخر نتاجات الفنانين المحليين المخضرمين، الذين لونوا المشهد التشكيلي المحلي بأطياف متنوعة من التجارب القوية والإسهامات الحافلة بالرؤى والانتباهات النقدية، وشاركتهم في المعرض مجموعة من الأسماء الجديدة التي تملك عدة كافية من الموهبة والطموح والحساسية الفنية القادرة على تثبيت هذه الأسماء على الخارطة المستقبلية للفن التشكيلي في الإمارات. حمل المعرض عنوان “تواصل”، وهو عنوان يهيئ مقاصده منذ البداية لترجمة روحية التواصل بين الفنان المحلي وبين جمعية الإمارات للفنون التشكيلية التي تعتبر بمثابة بيت قديم وحاضن كبير لجل الأسماء والتجارب التشكيلية الإماراتية وبمختلف مدارسها واتجاهاتها المتمازجة مع الهوى التقليدي أو الكلاسيكي، وكذلك مع الاشتغالات المعاصرة في سماء الفنون الحديثة. شارك في المعرض عشرة فنانين قطع بعضهم شوطاً ملحوظاً في المشهد التشكيلي المحلي من خلال الإسهامات التي قدمها في المعارض المحلية الكبرى وكذلك في المعارض الدولية والخارجية، منهم: ابتسام عبدالعزيز، وهدى سيف وليلى جمعة وعلي العبدان وخالد البنا، الأسماء الأخرى المشاركة في المعرض تحسست طريقها إلى المشهد المحلي بثقة وقابلية كبيرة لخوض المغامرة التشكيلية بوعي وتمكن رغم “القلق التجريبي” الذي يأخذها هبوطاً وصعوداً بين مدارات “الأسلوب الفني” الذي لم يتوضح أو يستقر بعد، ومن هذه الأسماء: ناصر نصر الله وراشد الملا وعامر الصفار وفاطمة عبدالكريم وإيمان الرئيسي. المعرض نفسه كان بمثابة مختبر فني للتعرف على قدرة كل فنان على حدة في ملاحقة “التكوين الفني” وما يستتبعه من تكنيك ومن خامات مستخدمة لخدمة هذا التكنيك، كما أن المعرض اختبر حساسية كل فنان في التعبير عن “الموضوع الفني” الذي اختاره كمحتوى وكإطار لخطة الإنتاج والشغل التشكيلي. وهذا الشغل كان هدف ومسار ومبتغى الورشة التي أقامتها جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وحملت عنوان (تواصل 1) من أجل الخروج بهذا المعرض كخلاصة للمحاضرات والتطبيقات العملية التي احتضنتها الورشة خلال شهرين كاملين وأشرف عليها الفنان محمد القصاب أمين سر الجمعية من أجل استقطاب الأسماء المخضرمة والشابة تحت سقف واحد من الألفة والحوار والجدل والتجريب والارتجال، فكان هذا المحترف النظري والتطبيقي أشبه بلقاءات وتقاطعات فكرية مثمرة ومتوهجة بين المشرفين والمحاضرين في الورشة وبين الفنانين أنفسهم. والفعاليات التي أقيمت ضمن برنامج الورشة حملت أساسيات ومضامين مهمة في سياق الخروج بأعمال تستحق المشاركة في معرض (تواصل) الجماعي، وفي سياق التمهيد لإقامة معارض فردية في المستقبل تعتمد على حجم ونوعية الأعمال التي يقدمها كل فنان على حدة، ونذكر من هذه الفعاليات التي سبقت ومهدت للمعرض: ورشة “الكولاج” التي نفذها الفنان حسين شريف، ورشة “الإيكو آرت” التي نفذها الفنان باسم الساير، ورشة “التقنية في استخدام الألوان” تحت إشراف الفنان حمادي الهاشمي، بالإضافة إلى ورشة “استخدامات الألوان المائية” التي نفذها الفنان عبدالقادر المبارك، وأخيراً ورشة “المنمنمات الإسلامية” التي قدمها الناقد محمد مهدي حميدة. لمسة الضوء قدم الفنانون في المعرض مجموعة متنوعة من اللوحات المتناغمة مع الأساليب الفنية التي طرحتها الورشة مع احتفاظ كل فنان ببصمته وخصوصيته الفنية المستندة على ثقافة تفسير المنتج الفني وما يحمله هذا المنتج من دلالات وإسقاطات ذاتية وعامة، وجاءت هذه الأعمال لتترجم أهداف الورشة من حيث تعميق فكرة التواصل والمشاركة بين الفنانين المحليين وبين الجمعية كمكان حاضن للأفكار والتجارب الفنية والإبداعية، وكوسيلة أيضاً لتطوير هذه التجارب وصقلها وتعريفها بمدارات وتقاطعات الفنون التقليدية والمعاصرة على السواء. وأشارت كلمة الجمعية الخاصة بالمعرض إلى أن إدارة الجمعية تسعى إلى تقديم إبداعات متجددة انطلاقاً من كونها المؤسسة الرائدة في مجال الفن منذ تأسيسها في العام 1980، حيث مثّلت الجمعية ــ حسب ما ورد في الكلمة ــ نواة لتجارب فنية خرجت إلى الساحة المحلية بإبداعاتها المختلفة بداية بالمعرض السنوي العام، وكذلك الدورات التدريبية الصيفية والمعارض الشخصية وليس انتهاء بمشاركة الجمعية في المعارض المحلية والخارجية. وفي قراءة لبعض الأعمال التي احتضنها المعرض نجد أن الفنان خالد البنا قام بعملية تدوير وإعادة استخدام للمواد المستعملة في لوحاته من أجل الاستفادة من العناصر التراثية لخلق قالب عصري يعتمد على أوراق الطباعة المستفيدة من تقنية الكولاج المكثف والتراكمي الذي يجتذب عين المتفرج ويحيله في ذات الوقت إلى مساحة من الحنين المفتقد الذي تمثله الأقمشة النسائية القديمة التي تحمل تفاصيل ودلالات تزيينية تشع بالألوان وبلمسات الضوء الذي يتخطفها برقة وحنو. أما لوحات الفنان الشاب عامر الصفار فنسجت من كبرياء وجماليات الخيول العربية ما يمكن وصفه : “الجمع بين نقيضين” حيث الخلفية السوداء للوحة تمنح الجسد الأبيض للحصان ما يستحقه من وهج لوني يشع بالتكوينات البارزة والرهيفة في آن واحد، استخدم الصفار ألوان الإكليريك على الكانفاس من أجل التركيز على التقاطيع والتفاصيل والانثناءات التي يختزنها قوام الحصان وكذلك جموحه الكامن وحركته الافتراضية في مخيلة المتلقي. الفنانة هدى سيف سعيد ركزت في لوحاتها على القيمة التأويلية للألوان، لأن الألوان الفاقعة مثل اللون الذهبي والألوان الصناعية الحديثة التي استخدمتها في لوحاتها هي تعبير عن الضجيج والزيف الخارجي الذي يطغى على حياة المدينة وكذلك الأضواء الاصطناعية والكاذبة التي تسوّرها وتضعها في سياق متوحش ودخيل مقارنة ببراءة الطبيعة وبراءة الإنسان الذي وجد نفسه مقذوفاً فجأة وسط هذه الأحراش والأقفاص الإسمنتية والمعدنية. بينما سعت الفنانة ابتسام عبدالعزيز من خلال أعمالها إلى تطبيق مفهومها الشخصي حول الإبدالات الحسية واللونية بين الأرقام والحروف، كما قدمت مجموعة من المناظر الصامتة التي احتل فيها اللون الأزرق على كامل التفاصيل التي بدأت وكأنها منتشلة من ذاكرة ضبابية وبعيدة تقترب من الأمكنة ولكن لا تلامسها، وتدنو من الإيضاح ولكنها تتبخر قبل أن تقول أين هي ولا على أي مرفأ أسقطت كل هذه الحمولة من الجمال المستتر والغريب. فردوس الطفولة أما الفنان علي العبدان الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة المعرض فيعود بعد فترة طويلة من الانقطاع للتعامل مجدداً مع الرسم الزيتي مستفيداً في لوحاته التي قدمها من تقنية الكولاج ومزج المواد والخامات من أجل التركيز على المهن الشعبية القديمة وما يمثلها من حضور خفي لآبائنا الكادحين ومن حضور واضح وملموس للمواد والخامات التي قامت عليها صناعاتهم الشعبية البسيطة، ولجوء العبدان لتغييب الشخصيات والإبقاء على آثارهم في اللوحة تطلب منه الاستعانة بخامات حقيقية مثل نشارة الخشب التي تدل علمنة النجار، وقطع من الأكياس والأقمشة التي تدل على بائع السلع الشعبية، كما استعان بقطع من غطاء الرأس أو”الشماغ” الأحمر التي تدل على شخصية بائع التبغ الذي ما عاد موجوداً ولكن حضوره الشبحي في اللوحة كان أشبه بحضور الزمن الفردوسي للطفولة وما يخلفه هذا الزمن من تهيؤات غاربة وشهية في ذات الوقت. أما الفنان الشاب ناصر نصر الله الذي حاز المركز الثاني في مسابقة المعرض فقام من خلال لوحاته باستدعاء الألوان الصاخبة والحركة المتسارعة في الأسواق الشعبية من خلال الاستعانة بألوان الإكليريك البارزة والصارخة التي تترجم شكل ومناخ هذه الأسواق. وفي لوحاته الأخرى التي حملت عنوان: “تفكير” قام نصر الله باستخدام تقنية الكولاج واللونين الأسود والأبيض من أجل تحفيز واستدعاء الذكريات الهاربة التي تمثلت في الإسكتشات والعبارات المنسية والمكتوبة بعناية وبتسرع أحياناً في كراسات المدرسة وفي دفاتر الطفولة التي تملأ تفاصيل حياة كاملة، ولكنها هنا تناور وتشاغب وتتنمر حتى لا يجرفها سيل الزمن وحتى لا تنمحي تحت وطأة الجبروت المهيمن للزمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©