الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أذربيجان.. فجر الصباح

أذربيجان.. فجر الصباح
23 ابريل 2014 19:24
يمثل الطابع القومي القيم الروحية الراسخة التي تعكس الإحساس بالعالم والنظرة إليه، والأسس الفكرية للشعب. ويتأثر تشكُّل طابع الشعوب بالعوامل الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وخصائص التطور التاريخي، والروابط الاقتصادية والعرقية الثقافية. إن الصورة الروحية النفسية للأذربيجانيين، مثلهم في ذلك مثل جميع الشعوب، قد تشكلت تحت تأثير الخبرات السابقة والميول الجديدة. ينتمي الأذربيجانيون من حيث الأصل إلى قدامى السكان في القوقاز. ويشهد على هذا الأمر الكثير من المواد الآركيولوجية التي تم الكشف عنها، وفي مقدمتها الحفرية التي تمثل الفك السفلي لإنسان العصر الحجري القديم والتي عثر عليها في كهف أزيخ في قاراباغ. وحول الروابط العرقية الثقافية بين قدماء المصريين والأذربيجانيين، توجد معلومات مهمة في (كتاب الموتى) المصري القديم، حيث يذكر أكثر من مرة: (Bakhau: الجبل الكبير الذي تقف السماء من فوقه)، وعلى رأس الجزء رقم (?LXII) يدور الحديث حول (جبل الشمس المشرقة Bakhay)، مكرراً الاسم نفسه. وطبقاً لوجهة نظر العالم الإنجليزي بيوتر فلين ديرس، فإن الإشارة تحديداً إلى ذلك الاسم المذكور يمكن أن تعود إلى كلمة (باكا) أي فجر الصباح (1). الخان قهرمان* تقع باكو عاصمة أذربيجان عند الطرف الشرقي لسلسلة جبال القوقاز، وينطبق عليها هذا التحديد الموصوف بقدر كافٍ. وهناك العديد من الرحالة الأوروبيين المشهورين، والعلماء والكتاب الذين يعودون إلى القرون الماضية، قد سردوا الكثير حول الأذربيجانيين وصفاتهم الأخلاقية وثقافتهم الأصيلة. فقد كتب أ.أ.بيستوجيف مارلينسكى (1797- 1837) في عام 1831 يقول: “إن التتار (أي الأذربيجانيون) يحبونني كثيراً لأنني لا أستغرب عاداتهم، وأتحدث لغتهم (2)”. كما أشار إلى أن اللغة الأذربيجانية “تختلف قليلاً عن التركية، ويمكن التعامل معها مثل اللغة الفرنسية في أوروبا، والتحدث بها من بقعة إلى أخرى في كل أرجاء آسيا” (3). قوة حضارية دافعة أطلق المعاصرون لفترة أ.أ.مارلينسكي، على ديربنت اسم “الأثينيون (4) التتار (الأذربيجانيون)”. ولم يكن هذا الأمر من قبيل الصدفة، حيث أن هذه المدينة من الناحية التأريخية تعد واحدة من مراكز الثقافة الأذربيجانية. وتحمل كلمات الرحالة الفرنسي والجغرافي الشهير إليزيه ريكليو (1830-1905)، أهمية كبيرة، وهو الذي وصف الأذربيجانيين على النحو التالي: “إن التتار (الأذربيجانيون) يعدون من بعض النواحي القوة الدافعة للحضارة في القوقاز، كما أن لغتهم، اللغة الخاصة بأذربيجان، توفر وتخدم العلاقات المتبادلة بين مختلف شعوب القوقاز.(5) ويرى ريكليو أن السمة الرائعة للشعوب التيوركية في بلاد ما وراء القوقاز، تتمثل في أقصى درجات التسامح (ص 195). لقد قامت اللغة الأذربيجانية عبر العديد من القرون بوظيفة الوسيط بين شعوب القوقاز. وغالبية كتاب القرن التاسع عشر أشاروا إلى “الطابع الموسيقي الكبير والمريح” لهذه اللغة وانتشارها في الشرق. فاللغة الأذربيجانية “التي تستخدم هناك، مثلها مثل اللغة الفرنسية في أوروبا” (6). ويتبلور الأصل العرقي الجيني للأذربيجانيين مع العالم التيوركي من خلال تقاليد ثقافتهم الروحية والمادية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأذربيجانيين يمثلون سلالة مستقلة ذات ملامح خاصة لطابعهم القومي، وعالم روحي ثري، ووحدة عرقية ثقافية وعرقية لغوية. كما أن الجذور التأريخية للروح الشعبية للأذربيجانيين، ينبغي البحث عنها في سمات الفكر الميثولوجي، وفي القوانين التقليدية البسيطة، والمعارف التجريبية، والطقوس، والعادات، والمعايير الأخلاقية الإسلامية. وكان الأذربيجانيون عبر القرون يقيَمون عالياً تلك الصفات الأخلاقية مثل الطيبة، والصدق، والصبر، والأمانة، والإخلاص للأرض الأم، والشجاعة، وحب العمل، والشعور بالمسئولية، والرقة، والصلابة، والعطف، وحب الصداقة. وتضرب منابع هذه الصفات عميقاً بجذورها داخل طبيعة الأذربيجانيين، وترقد بذورها في ثقافة الزرادشتية والإسلام. كما أن الأذربيجانيين يتسمون بتلك الصفات مثل احترام الأكبر سناً، وكرم الضيافة، والعون المتبادل، واحترام النساء والأمهات، والإخلاص للشرف الرجولي، والجدارة، والحرص على المجتمع الأسري، والعفة النسائية، والإخلاص للزوجة. ويقول المثل الأذربيجاني: “المرأة ليست قفازا يمكن أن تنزعه من يدك، أو تلقى به خلف السور”. روحيّات السجاد إن زخارف السجاد الأذربيجاني تصلح تماماً للتعبير عن الثقافة الثرية غير المادية، ونظرة الشعب نحو العالم الخارجي باعتباره عنصراً راسخاً ومؤشراً على هذا الأمر. والسجاد حتى وقتنا هذا يلعب دوراً حيوياً، ليس فقط في الحياة المادية، بل أيضاً في الحياة الروحية. وهكذا، فإن اللون الأحمر في السجاد يرمز إلى البداية المستقرة للحياة. وهناك دور هام في الحياة الاجتماعية والأسرية للأذربيجانيين تلعبه المبادئ الاجتماعية، مثل كرم الضيافة، والأخوة في المجتمع الريفي الواحد، وتقديم العون المتبادل، والحقوق البسيطة. وقد تغنى الشعراء الكلاسيكيون بكرم الضيافة، وكتب عنها الرحالة، كما وجدت انعكاساً لها في الإبداع الشعبي الشفاهي، وفي الحكم والأمثلة الشعبية مثل: “الضيف هو زهرة المنزل”، ورغم أن عادات الضيافة القديمة قد تعرضت، اليوم، للتغييرات واكتسبت أشكالاً جديدة ووظائف اجتماعية، إلا أن واحدة من هذه العادات احتفظت بوجودها أكثر من غيرها، تلك العادة الموجودة في الأماكن الريفية حيث ــ كما في الماضي ــ ما زالوا يخصصون أفضل حجرة في كل بيت للضيوف. وكانوا سابقا عند حضور الضيوف من علية القوم، يقوم الكبار بإحضار أطيب الحلوى لهم، ويفرشون الأبسطة تحت أقدام الضيوف لدى دخولهم البيت. وكانوا ينقلون خبر وصول الضيوف المبجلين أو المقربين إلى كل الدائرة من حولهم. والمثل الساطع على كرم الضيافة لدى الأذربيجانيين يمكن أن تمثله مدونات الترحال للمبشر الإنجليزي أنطوني جينكينسون في القرن 16، والذي أقام ــ على شرفه ــ بيجليار بك في شيماخى استقبالاً حافلاً ومأدبة فاخرة، قُدم فيها 290 صنفاً من الأطعمة. وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه في الماضي كانت المدن الأذربيجانية تضم شخصاً مسئولاً عن استقبال الضيوف المهمين، وهو ميخمندر. وحول هذا الأمر يحدثنا الرحالة التركي إفليا تشيليبي في القرن السابع عشر. (أنظر: ج. أ. قولييف. حول الضيافة التقليدية للأذربيجانيين، أخبار الأذربيجانيين، سلسلة التاريخ والفلسفة والحقوق رقم 1، 1987، ص 66، انظر كذلك الرحالة حول أذربيجان، الجزء 1، باكو، 1966، ص 95). أخوة الدم إن أحد الجوانب الهامة في طبيعة الأذربيجانيين، تتمثل في احترام ممثلي الشعوب الأخرى. وفي هذا الإطار، ومما يؤكد على هذا الأمر عادة المصاهرة (الحماية، الأخوة)، وذلك عندما يقوم اثنان بجرح أياديهما، ويخلطان دمهما معا، ثم يتبادلان الأسلحة، وذلك رمز لإخلاص كل منهما للآخر وللوطن، ويصبحان منذ تلك اللحظة شقيقين بالدم (7). وإذا كانت العلاقة بين الضيف ورب البيت تتسم بطابع الصدفة، فإن الأخوة التي يمكن أن تعود إلى مختلف القبائل والشعوب، حتى ولو كانت تلك القبائل تعتنق ديانات مختلفة، كانت ترتبط بوشائج قوية من الصداقة والإخلاص. فيساعدان بعضهما الآخر في الأوقات العصيبة. وكانت طقوس النسب المتبادل كثيراً ما تجري على سبيل المثال بين الأذربيجانيين والمهاجرين الروس مبعوثي الطوائف، وخاصة في الأماكن الريفية. ويقول الباحث في شئون يهود القوقاز إ.ش.أنيسموف، أنه في عام 1888: “كثيراً ما كان اليهود الجبليون يعقدون الصداقة مع المسلمين، ويقبلونهم بحرارة، ويجعل اليهودي من المسلم “شقيقاً” له. وعند ذلك يتبادلان الأسلحة، ويقطع كل منهما “عهداً مقدساً” على الآخر ألا يبخل عليه بحياته عند ضرورة تقديمها لإنقاذ صديقه” (8). وكان الشيوخ أو كبار الأذربيجانيين هم الذين يقررون حل عدد كبير من القضايا ذات الطابع الاجتماعي على أساس العرف السائد والشريعة، وفي اجتماعات الأحياء والمناطق الريفية، كانوا يقومون بحل النزاعات القائمة بين القبائل، كما يقومون في تلك الاجتماعات بإعلان اسم المولود الجديد. إن علم التربية الأذربيجاني ثري بتقاليده التربوية. فالأذربيجانيون يغرسون داخل أطفالهم منذ نعومة أظفارهم الاحترام نحو الآباء والكبار بصورة عامة. وتحتل مكانة خاصة، وما زالت تحتلها، وما يزال الحرص على تربية حب العمل المستقرة منذ القرون العديدة الماضية موضع عناية الوالدين اللذين يحرصان على أن يتمتع أطفالهما في السنوات المبكرة بحرفة معينة والإلمام بمهاراتها. ومن العادات الراسخة لدى الأذربيجانيين، احترام كبار السن. وقد أشار إستاربون، إلى أن الألبان “يحترمون كل الاحترام شيخوخة ليس فقط والديهم، بل والغرباء المسنين كذلك (9)”. ومنذ السنوات المبكرة يقوم الأطفال عند تواصلهم مع العجائز، بمراعاة معايير الرقة والحنان. وفي حضور الكبار وخاصة العجائز منهم، من المحظور رفع نبرة الصوت، والمبادرة بتقديم التحية. ومن العادات الحميدة لدى الشعب الأذربيجاني تقديم العون المتبادل بين أفراد القرية الواحدة، وإلى الأقرباء والجيران وفي الأعمال المنتشرة في كافة مجالات الحياة، من الزراعة ورعي الماشية والإمداد بالمياه، وبناء الطرق والجسور، ومراسم الاحتفالات والأحزان إلخ.. وتقريباً، فإن كل المعايير المذكورة تحمل طابعاً عاماً. ولكنها تتجسد لدى كل شعب على نحو خاص به، ولا تتسم بنفس الدرجة. وفي ظل الظروف المعاصرة من العولمة، وثورة الاتصالات، فمن الملحوظ في العالم بأسره تصاعد الوعي الذاتي القومي، والسعي نحو تأكيد الأصالة العرقية والتأكيد على الهوية. وفي أذربيجان يشتدّ الانجذاب ويتزايد نحو بعث الكثير من الملامح الثقافية الأصيلة، والتي أُغفلت عبر سنوات السلطة السوفيتية. ويلقى هذا الأمر بالمسؤولية علينا جميعاً أن نسعى للحفاظ على تلك السمات الرائعة لشعبنا، وننقلها إلى الأجيال الشابة. المراجع 1 ـ إ.إ ميشامينوف، مصر والقوقاز، «أخبار جمعية بحث ودراسة أذربيجان» رقم 4، باكو، 1927، ص 37 (يدور الحديث حول التقرير المقدم في قسم ليننجراد لجمعية بحث ودراسة أذربيجان، المخصص للتحليل العلمي لمقال بيتر فليندرس «Origin of the Deand»، المنشور في جريدة: (Ancient Egypt, 1926, June, Part II,( p. 41-45). 2 ـ أ. مارلينسكي. الأعمال الكاملة، الجزء 3، سان بطرسبورج، 1837، ص 179- 180. 3 ـ أ. مارلينسكي. نفس المصدر السابق، الجزء 2، ص 186. 4 ـ إ. باريسوف. أذربيجان في إبداعات الكاتب الديسمبري مارلينسكي. غاز. “عامل باكو”، 11 فبراير 1950. 5 ـ إليزيه ريكليو. الأرض والناس، الجزء 6، سان بطرسبورج، 1898، ص 195. 6 ـ عرض للأملاك الروسية فيما وراء القوقاز. سان بطرسبورج، 1836، الجزء 3، ص 275. 7 ـ ز. إ. يامبولسكي. حول الشهادات التاريخية القديمة على عادة الأخوة بالدم والسلاح فى القوقاز// أخبار أذربيجان، فرع أكاديمية علوم الاتحاد السوفيتي، رقم 1-2، باكو، 1944، ص 91. 8 ـ إ. ش. أنيسيموف. يهود القوقاز الجبليون. مختارات من المواد حول علم السلالات، الصادرة عن متحف داشك. موسكو. 1888. 9 ـ لاتيشيف ف. ف.. أخبار الكتاب اليونانيين واللاتين القدماء حول الإسكيف والقوقاز، الجزء 1، سان بطرسبورج، 1890، ، ص 143. * السفير الأذربيجاني لدى دولة الإمارات العربية المتحدة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©