الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعليب عالمي للنساء

تعليب عالمي للنساء
23 ابريل 2014 20:03
متمثلة لمقولة سيمون دي بوفوار «إن المرأة كالرجل كلاهما له جسد لكن المفارقة الغريبة هي أن الجسد الأنثوي غالباً ما يتم تمثله في استقلال عن المرأة كإنسان»، تضعنا الفنانة مريم بوخمسين في قاعة مليئة بالأسئلة مع نسائها، اللواتي تركتهن ممتلئات بالزينة، وذلك العقد المتدلي هنا وهناك. بتلك الزينة الرقيقة ذات الشكل الجميل والأنيق والنساء اللواتي يملأن اللوحة بألوان فاتحة وزاهية. لكن النسوة وزينتهن لم يكنَّ يشرن فقط إلى جماليات عامة، كما أنها ليست دعوة إلى حفلة أزياء وعوالم أنثوية، بل هي دعوة لإعادة قراءة هذا الكائن الجميل مرة أخرى ضمن مجموعة من الأسئلة تغربل وتحرك وتحفر في رؤيتنا حولها.. فالمرأة التي تظهرها الأعمال، ليست المرأة المستهلكة فقط أو التي ارتبط وجودها بأدوار محددة سلفاً ومظاهر لا يمكن الحياد عنها، أو محاولة تشكيلها في طاقة وعقلية مؤطرة. محمد خضر تمارس مريم في لوحاتها نوعاً من استحضار عال يفتتح المفارقات وكأنها استعراض للجسد والأنثى والأزياء والأجواء والفضاءات الناعمة، تلك الفضاءات التي سرعان ما تضعنا أمام مجموعة من القضايا الاجتماعية والسائدة والأسئلة الفلسفية؛ بدءاً من الهوية الأنثوية؛ ماهيتها وتشويهها وانتهاء بتجريدها من كينونتها غالباً..حتى استحال ما هو طبيعي وبديهي في حياتها إلى دوامة من التساؤلات أمام سطوة تحدّ من هذا الأفق. تجميل العبودية نساء «صحبة العقد» قادمات بكامل زينتهن وجمالهن وأحوالهن يرفضن أن يكون هذا فقط هو عنوانهن، وهذا فقط هو موسمهن.. وأن يصبحن محض أيقونات وأشكال وقوالب جمالية يقبلها الآخر ويرفضها على هذا الأساس. لسن كذلك فقط بل هو فقط رمز ارتبط بالمرأة.. قرينة وليست حقاً.. طبيعة وليست ما يمكن حكرها وحصرها فيها.. سيقودنا ذلك إلى أسئلة مثيرة أخرى مرتبطة بالفلسفي ويبطن كذلك نقداً للزائف من المظاهر والشكليات. في ظل ثقافة تعلب المرأة، كما يذكر بيان العمل، «يتم تعليب المرأة عالمياً ووضعها في أكياس للاستخدام المؤقت أو صناديق سريعة التلف ثم ترصيعها بأحجار الزركون والماس النقي ثم تقديمها بمجانية لعابري الشوارع..»، وهذا النقد اللاذع لن يبدو واضحاً وجلياً لأول وهلة وأنت تقرأ وتتجول بين لوحات ونساء مريم بوخمسين.. عوالم تلمس من بعيد.. تسأل كنايةً لا تصريحاً عن كل معارفنا عن المرأة... تشير بخفة.. وتحاور باختصار وإيجاز ومن خلال مفردات الأنثى المعتادة.. تبوح ولكن ليس بكل شيء تماماً بل تترك للمتلقي ذلك الحيز ليقترب بالشكل الذي يكفي لوصول رسالة ما تعوّل فيها على متلق يجيد قراءة ما خلف فتنة اللون، خصوصاً العقد الذي حولته إلى رمز يمكن قراءة تأويله على أكثر من وجه.. الطويل والقصير والمتأرجح والرقيق والموضة.. العقد والعنق.. والعقد والأغلال.. والعقد الذي يحوله الآخر إلى قيد كما تقول في البيان: «هو رمز لمتطلبات الأنوثة الباهظة التي تؤديها النساء بملء إرادتهن رغم أنها تستنزف طاقاتهن وعقولهن وأحياناً حياتهن بأكملها ويبقين ملتزمات بها بل يتوارثنها كوصية عابرة للأجيال». هذا ما سنقرأه بعد ذلك في لوحة «وصية» كناية عما يفرضه الرجل ويقننه لتكون الأنثى مقبولة لديه، مما ليس جوهرياً ولا عميقاً، لكنه صار متوارثاً تنقله فتاه تبدو أكبر في اللوحة إلى فتاه أخرى، ومثلها لوحة «بداية»، حيث العقد مثل القدر والحيلة لابد أن يربط في نهاية الأمر، وهو ما تقوم به فتاتان تقفان خلف الفتاة التي يربط في عنقها العقد وتحجب عينيها(!). نقد لاذع ثمة لوحات أخرى وأقرب في دلالتها اللونية وإيحاءاتها لخطاب مريم الضمني مثل لوحة «بالعكس» التي ترتدي فيها الفتاه عقداً طويلا لكن مقلوباً من جهة الظهر.. ولوحة «كلام الناس» التي تلخص مجموعة من الأمور التي يقررها المجتمع سلفاً عن زي محدد أو طريقه ارتداء الملابس.. ولوحة «الملكة» التي تشير ضمنياً إلى مفهوم متداول اجتماعياً يؤكد على أن المرأة ملكة في بيتها أو في مطبخها فيما هو في الحقيقة يلغي امتيازات وحقوق بسيطة للمرأة أساساً.. لكنها أمام إغراء التاج تسمح بذلك..وهناك لوحات «امرأة في حلوى» و«امرأة في حذاء» و«حلم كبير في بيت صغير» و«امرأة في مزهرية» و«الحياة على حبل» في لوحتين: واحدة على حبل الغسيل والأخرى لفتاة تقود دراجتها على حبل دقيق، ولوحة عنوانها «شنب» وأخرى عنوانها «سكر». لأول وهلة ستبدو هؤلاء النسوة بكامل زينتهن نساء يتخذن من كل هذا طريقة لقول شيء عن هويتهن ولكنهن خلف ذلك يخبئن الأسئلة ويضعن حياتهن وهواجسهن ومتاعبهن وجراحهن في مرمى العابرين.. ليقلن ها نحن نفتح فضاء للمسكوت عنه، للمغيب، للذي طالته الأحكام والأعراف والحواجز. وفي بيان العمل: «المرأة ليست جوهرة لتنام في صندوق ولا شوكولا تغلف بالقراطيس ولا وردة في مزهرية هذه النزعة الاستهلاكية التشييئية في وصف المرأة والنظر إليها أحالت الأنوثة إلى أشياء بلا كينونه أو فرادة تستمد كل سماتها من سطوحها الخارجية». ويضيف البيان: «ما يمكن أن يكون مصاحباً مع كل لوحة عرضتها «صحبة العقد» هو أن ما تحتاج إليه هو أن تشعر بإنسانيتها، أن تمنح الثقة لتمارس حياتها كجزء من الطبيعة». «صحبة العقد»، العنوان المأخوذ من بيت شعر شهير للشاعر العربي المتنبي يقول: «أطالت يدي في جيدها صحبة العقد»، هو عنوان معرض بوخمسين الذي يغوص في عوالم مثيرة ويثير إشكاليات وقضايا لا تزال مدار أسئلة تختار أن تقدمها نساؤها الأنيقات بشكل لاذع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©