الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القارئ.. الشريك الحقيقي والوحيد للمثقف العربي

القارئ.. الشريك الحقيقي والوحيد للمثقف العربي
23 ابريل 2014 20:03
يظل المثقف العربي جسر تواصل فاعل في الإيصال والوصول، وإن تراجع دوره لأسباب صرنا نعرفها وندرك أبعادها المتداخلة، فالمثقف كائن له ما لغيره وعليه ما على الآخرين من بني جنسه، فالحاجة تفرض عليه، مثلما تفرض على غيره، أن يتواصل مع جهات أخرى قد تكون من خارج مكانه واهتماماته ليتعرف إلى تجارب جديدة، ولكي يكون مؤثرا فاعلا بما يحمل من خبرات وخلفيات موروثة ومكتسبة. فما هو الذي يحتاج إليه المثقف لشراكة تكون مثمرة ومنتجة؟ هل هي مؤسسات أم أفراد أم مشاريع؟ سؤال يمتد إلى دواخل المثقف نفسه، ولهذا عبرنا بالسؤال إلى عدة أسماء عربية مختلفة. محمد القذافي مسعود تتنوع الآراء الواردة حول هذه القضية، تتفق وتختلف، تتقارب وتتنافر، ولا تخلو من سخرية أو نقمة أو أسى على الحال البائسة التي يعيشها المثقف العربي، سواء لجهة دوره وفاعليته أو لجهة فاعلية الثقافة نفسها... فثمة من يرى أن المثقف العربي بلا سند، وأن مناخ الشراكة الحقيقية غير متوفر، والأكثر تفاؤلاً يرى أن مؤسسات المجتمع المدني هي هذا الشريك... وثمة من يشكك أصلاً في المثقف العربي نفسه وفاعليته وقدرته على الإبداع.. وهنا إجاباتهم: المثقف شريك المثقف بسخرية مبطنة يجيب الشاعر الكردي لقمان محمود: «الشريك الحقيقي للمثقف هو المثقف. تماشياً مع (موضة) اليوم. فشريك السياسي هو السياسي. وشريك المدمن هو المدمن. وشريك الحرامي هو الحرامي. وشريك العالم هو العالم. وشريك المخترع هو المخترع. وشريك المتشرد هو المتشرد. وشريك اللاجئ هو اللاجئ. وشريك الميت في قبره هو الميت في القبر المجاور». أما الكاتبة السعودية سمر المقرن فترى أن «العالم العربي بشكل عام يفتقر للمؤسسات الثقافية الفاعلة، التي أن نعول على شراكتها»، وتضيف: «لو تحدثت عن نفسي فأنا أرى شريكي الحقيقي هم قرائي». والقارئ هو الشريك الحقيقي للمثقف بالنسبة إلى الكاتب والناقد الأردني موسى أبو رياش، الذي يقول: “القارئ هو الشريك الحقيقي الوحيد للمثقف العربي اليوم، وما عداه وهم وهباء وزبد. فإذا كانت الثقافة سلعة، والمثقف هو من ينتجها بصورتها الأولية، فإنَّ القارئ هو مستهلكها الوحيد، وقد يعيد إنتاجها من جديد ليمنحها شكلاً آخر، من خلال التفاعل مع ما يكتب. والمثقف الحقيقي عندما يكتب عادة، يضع نصب عينيه قارئاً ذكياً. فيكتب عن آلامه وآماله، وعن قضاياه ومشاكله، وعن تطلعاته وأشواقه، وعن حاضره وماضيه ومستقبله، بحيث يجد كل قارئ أن ما يُكتب: يخصه، يخاطبه، يترجمه بشكل أو بآخر”. ويتابع أبو رياش: “أما السلطة فهي عدو أزلي للمثقف العربي، تحسب كل صيحة عليها، تحاول أن تكتم الأنفاس، وتكسر الأقلام، وتمزق الأوراق، إلا من سبّح بحمدها ومجّدها. والمثقف إن فعل ما تريده السلطة لم يعد مثقفاً، بل يتحول إلى مهرج أو طبال، فلا التقاء بين سلطة عربية ومثقف عربي إلا في غرف التحقيق. في المقابل فإن المؤسسات الثقافية المدنية على أشكالها تتخذ من المثقف زينة لها، وإكسسوارات لتجميل صورتها. وقد تحتفي به تكاثراً وتفاخراً ومغالبة للغير، ولكنها في الحقيقة تلتقي مع السلطة في القمع والإقصاء والتهميش والإهمال. أما دور النشر والصحف والمجلات والمنابر الثقافية الورقية والإلكترونية فما هي إلا طفيليات تمتص دم المثقف، وتتعكز عليه، بل وتشحد عليه أحياناً، ولا تقدم له شيئاً، وإن فعلت فالفتات الذي هو أقرب للإهانة والإذلال. ولذا على المثقف أن يدرك جيداً أن لا سند له ولا شريك حقيقياً إلا القارئ، فلا يضيع وقته في البحث عن سراب هنا وهناك، أو مكاسب ومغانم إلا أن يتنازل أو يتغازل أو يتراقص!”. مناخ إبداعي يعلق الناقد المصري الدكتور عادل ضرغام قائلاً: «إن أردت السؤال عن جزئيات فاعلة في مساندة المثقف، فإن هذه الجزئيات في ثقافتنا العربية ما زال دورها محدودا، وتحتاج إلى تفعيل. خذ - مثلاً - جزئية الجوائز الحكومية، فإننا بعد إعلان هذه الجوائز نسمع عن تمتمات، تشير إلى طريقة ومشروعية الاختيار. وتوجه بعض أصحاب الأموال في طرح جوائز تحمل أسماء هؤلاء الأشخاص، فإن هذه الجوائز خاصة مع بعض رجال الأعمال المصريين ما زال يشوبها الشك والريبة. خذ، أيضا، المؤسسات الثقافية، التي ينتمي إليها المثقف، فبعض هذه المؤسسات يصبح دورها فاعلا، إن وجد ما يمكن أن نسميه تطابقا في الأفكار، وزاوية الرؤية ووجهة النظر، ولكن هذه المؤسسات حين نغربل ما تقوم به، يصبح محدودا جدا، لأنها – انطلاقا من نظرتها الشمولية – تنظر إلى المثقفين نظرة واحدة، ولا تفرق بين الغث والثمين”. ويتابع ضرغام: “أما إذا كنت تقصد الشراكة مع المثقف الأجنبي، في إطار اتفاقيات المؤسسة الثقافية، فهي تقوم بدور مقبول، شريطة أن تفعل بشكل حيوي، ولا تصبح إطارا شكليا فقط، وهنا يجب أن نشير إلى أن بوصلة الثقافة العربية في التعامل مع الثقافة الأجنبية كانت فردية في الأساس، وترتبط بقيمة المثقف الذي أوجد هذا الربط. خذ العقاد أو طه حسين، على سبيل المثال، بوصفهما نموذجين، فالأول – ومعه رفاقه – أوجد أرضية حية للثقافة الإنجليزية، والثاني – بالاتكاء على ما قدمه الطهطاوي – شكل أرضية حية وميلا للثقافة الفرنسية، ولكن في الفترة الآنية، ومع نمو المشروع القومي للترجمة بوصفه مؤسسة منفصلة عن المجلس الأعلى للثقافة، فأظن أن هذا الدور لم يعد فرديا بشكل كامل، وإنما أصبح هناك ما يمكن أن نسميه سياسة ثقافية تحدد إلى حد ما طبيعة التوجه، مع الانفتاح في الوقت ذاته على كل الثقافات”. ويخلص ضرغام إلى أن “الشراكة الحقيقية بالنسبة للمثقف العربي مرتبطة – في الأساس – بتوفير المناخ المحفز على الإبداع، وهذا المناخ ليس سياسيا فقط، وليس اجتماعيا فقط، وإنما يتشكل وفق سياق خاص، يعيد للمثقف دوره الريادي المفقود”. طلاق غير رجعي ترى الأكاديمية الجزائرية غزالة طاهر أن “الشريك الحقيقي للمثقف العربي اليوم هو الواقع، فكلما كان المثقف وفيا لواقعه عارفا به كلما كان لرؤاه وأطروحاته معنى. فالسلبية والركود الذي يطبع المشهد الثقافي العربي اليوم سببه الانفصال الحاد، والطلاق الذي يبدو لا رجعيا بين المثقف وواقعه، بعضه بسبب حالة الغربة والاغتراب والتغييب الذي يعيشه في واقع لا يجد لنفسه فيه مكان، وبعضه الآخر عائد لتلك الاستعلائية والنخبوية الزائدة التي يتصرف بها المثقف العربي تجاه مجتمعه. فالتمسك بالواقع والعودة إليه هو ما يصنع فاعلية أية رؤية فكرية وإن كان الالتصاق بالواقع هنا لا يعني التصويرية والتقريرية الساذجة الطافية على السطح. فالإبداع بقدر ما هو معرف بما كان وناطق بلسان الكائن إلا أنه باحث عن الممكن ومتمثل له، والواقع العربي اليوم مثخن بالأحداث والأطروحات والتغيرات التي تشكل موضوعا للبحث ومنبعا للإبداع”. عن أي شريك تسأل؟ يجيب المفكر والأكاديمي العراقي الدكتور سيّار الجميل على السؤال بسؤال: “وهل هناك ثمة شريك حقيقي لهذا الذي يسمونه (المثقف العربي)؟ ابحث لي عن شريكه الحقيقي.. سوف لا تجده، لأنه هجر الثقافة الحقيقية منذ زمن طويل. المثقف العربي كما يسمونه أو كما يسمّي نفسه في حالة بائسة، فهو إما مسحوق أو مقهور أو مبتلى أو مسجون أو مأسور أو مهاجر أو صعلوك أو بوق سلطة!! المثقف العربي لا يتمتع بأية حريات في أسوار منظومته العربية. المثقف العربي لم يعد يدرك ما الثقافة في العالم؟ لم يعد يبدع ويساهم في رفد ثقافته نفسها. المثقف الحقيقي هو المبدع الحقيقي الذي يخلق الأشياء الجديدة ويبدع المعاني الجديدة.. هل يستقيم عدد المبدعين الحقيقيين مع هذا الركام السكاني اليوم في كل عالمنا؟ كانت للمثقف العربي قبل خمسين سنة شراكته من خارج بيئته.. كان متابعا لما يجري هنا وهناك. كان يتواصل مع الأدب الروسي والفلسفات الفرنسية والأفكار السكسونية والمؤدلجات الاشتراكية والفن الإيطالي... الخ. كانت الترجمات ممتازة لروايات عالمية مشهود لها بالصنعة الثقافية. كان يتابع الفلسفات الجديدة.. كان يقرأ الشعر الحديث. كان يعتني بأفكار العصر”. ويتابع الجميل متساءلاً ومجيباً في الوقت نفسه: “ماذا ترى اليوم؟ اليوم أخذته الموجات الطاغية وهو في لجات العتمة سرقه الماضي وأصبح لا يفكر إلا بالأوهام والماضويات العتيقة باسم الأصالة! انزل إلى أقرب معرض للكتاب العربي فستجد حالة بائسة ومزرية. سنة كاملة تمضي ولن تجد إلا غثاء السيل من دون أن تقع على تشيؤات إبداعية حقيقية. انظر إلى المسرح العربي إنه في حالة بائسة باستثناء أصوات من هنا وهناك. المهرجانات الفوضوية لأغنيات سمجة تسحق الذوق. إن أي أمة لا تقرأ لا تنتج أي مبدع، والأمة التي تتيبّس ولا تلد المبدعين من بينها.. فسيندر مثقفوها.. والأمة التي يندر المثقفين من بين ملايينها، لا يعرها أحد في العالم أي اهتمام”. ويعتقد الكاتب والناقد العراقي وجدان عبدالعزيز أن المثقف العربي بحاجة إلى شراكات من خارج بيئته، ويوضح قائلاً: “دائماً، كان الشريك للمثقف هي همومه وآراؤه وما أكثرها عند المثقف العربي. ومن التغييرات في العالم عامة والعالم العربي خاصة تأثر المثقف العربي وبدأ يرنو إلى إشراك الآخر في هذه الهموم للبحث عن الهوية العربية في خضم المد الثقافي للعولمة في كل مدياتها ومنها المد الثقافي. وبدأ المثقف العربي يتطلع لبناء دولة مدنية يكون فيها قانون الحقوق والواجبات هو السائد والابتعاد عن العنف والثأرية والبحث عن جمال الحب والمواطنة والهم المشترك.. وهنا يحتاج المثقف العربي إلى الشراكات من خارج بيئته”. المجتمع المدني إلى المجتمع المدني تذهب الكاتبة والأكاديمية التونسية الدكتورة آمال قرامي، فهي تعتقد أن “الشريك الرئيس اليوم هو المجتمع المدني بجميع مكوّناته فلابدّ من ربط الصلة بين المثقّف وجميع الأطراف التي تسعى إلى خدمة الناس والبلاد وتحقيق إصلاحات جريئة في القطاعات كافة. كما أنّ المثقف اليوم مدعوّ إلى إعادة النظر في علاقته بممثلّي السلطة السياسية، وبخاصّة السلطة الرابعة إذ ينبغي ألا تكون العلاقة (براغماتية) غايتها تحقيق الشهرة بل إنّ على المثقّفين والإعلاميين أن ينسجوا نمطا جديدا تواصليا غايته توحيد الجهود من أجل الخروج من النفق وإيجاد الحلول الملائمة للمشاكل المتعدّدة التي تتخبّط فيها مجتمعاتنا. أمّا الشراكة الأجنبيّة فينبغي أن تكون على أساس النديّة إذ أثبتت الثورات أنّ الاتّكال على القدرات الذاتية والخبرات الوطنية صار قاعدة لا يمكن تجاهلها. يكفي أن يثق الفرد بأنّه صار سيّد الموقف وصاحب القرار والفعل ولا مجال للتعويل على حماية الغرب أو دعمه الكليّ”. وتأخذ الشاعرة الكردية خلات أحمد القضية إلى بعدها الأممي، تقول: “كل مثقفي العالم شركاء حقيقيون لبعضهم. نقرأ ونحاور الجميع ونأخذ ما يناسبنا ونرى أنه قادر على أن يشكل غنىً لنا، دون أن نضمر سوء النية مسبقاً. الثقافة تفترض أن نكون منفتحين على كل الثقافات الأخرى لننهل منها ونعطيها”. الثالوث المقدس تعتقد الكاتبة والروائية المصرية حرية سليمان أن الشريك الحقيقي للمثقف هو “الكتاب بشتى موضوعاته وعبر كل عصوره، وهو أيضا القارئ على اختلاف توجهاته وأيديولوجياته، ولو استقام الأمر بكاتب من دون كتاب فبالضرورة سيستقيم بالنسبة لكاتب من دون قارئ، الأمر أشبه بسلسلة متصلة متشابكة، حلقة تفضي لأخرى ولا يمكن فصلها وإلا اضطرب البناء العام، هو ثالوث مقدس (كاتب، كتاب، قارئ) ومؤسسة ثقافية معنية بخلق علاقة متوازنة وعلى قدر من الاتساق بين ثلاثتهم”. وتضيف: “المثقفُ هو الإنسان الواعي الملتزمُ بقضايا أمَّتهِ يُعبِّرُ عن آمالها، ويخرجها من آلامها ولذا فهو نبضُ وجدانها. وهذا الإنسان الحيُّ هو المتطورُ أبداً وليس الثابتُ أبداً. وبما أنه من أهم أهدافنا في التربية: بناء جيلٍ عربيِّ مستنيرٍ مدافعٍ عن قضايا الأمة، يتقنُ لغة الضاد الخالدة... ويتقن ما أمكنهُ من اللغات الأجنبيةِ الحيّة» أدرك أن اللغة شريك مهم ولا يمكن فصلها أيضا، فكيف نؤصل لثقافة عربية من دون هوية مثلاً؟ بل وكيف وعلى الرَّغمِ من عراقةِ أدبنا العربيِّ وقدرة لغتنا على التجدِّدِ والتفاعل والاشتقاقات العبقريةِ نجد أنَّ الطبَّ وهو من أعلى الدراسات في العالم الثالث.. ما زال يدرس في جامعاتِ الوطن العربيِّ، باللغات الأجنبيَّة كلها عدا العربية. أؤمن أن لغتنا بمثابة رأس مال لا يمكن أن نسمح بنفاده واستنزافه ولها دور لا يقل أهمية عن دور مثقف يتكلم بلسانها وباسمها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©