الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سلفاكير» ودعوة الانفصال

6 نوفمبر 2009 22:52
لا همّ ولا تداول لأهل السودان حالياً، في المدن والريف، إلا الحديث الذي أدلي به "سلفاكير"، رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان" ورئيس حكومة الجنوب، ودعا فيه أهل الجنوب إلى أن يصوتوا لخيار الاستقلال والانفصال عن الشمال عندما يحين يوم الاستفتاء إن هم أرادوا أن يعيشوا أحراراً في بلادهم وليس كمواطنين من الدرجة الثانية. وهكذا فإن القائد الجنوبي قد استبق الأحداث وبادر قبل الأوان بإعلان وقوفه مع الانفصال ودعوة الآخرين لذات الموقف. وإذا تغاضينا عن حقيقة أن هذا الموقف يخرق شرطاً في اتفاقية السلام يلزم الجانبين بالعمل على الوحدة وليس الانفصال، فإنه لا بد من التساؤل: لماذا فعل سلفاكير ذلك؟ وهل هناك مبررات لهذا الموقف؟ وهل هو موقف مقبول وطنياً؟ وجهة نظري الخاصة هي أن الرجل وصل حداً من اليأس من شركائه في الحكم دفع به إلى هذا المستوى من الخروج على المألوف، وهو بالطبع أمر غير مقبول، لا في الشمال حيث هناك أغلبية تحبذ الوحدة، ولا في الجنوب حيث نعلم أن هناك قلة كانت وما زالت تأمل في أن تستمر وحدة السودان، جنوبه وشماله. والحقيقة أن العلاقة بين الشريكين طوال الفترة التي امتدت لسنوات بعد إعلان الشراكة، لم تكن سلسة في أي وقت، بل كان طابعها الواضح هو الاختلاف والتباين؛ فما اتفقا على أمر في يوم حتى اختلفا عليه في اليوم التالي، وما تعاهدا على قضية هذا الشهر حتى اتضح في الشهر التالي أن لكل منهما تفسيرا مختلفا للقضية موضع الاتفاق عن تفسير الشريك الآخر. وواقع الحال اليوم دليل على ذلك؛ فنواب "الحركة الشعبية" يقاطعون الدورة البرلمانية الحالية منذ انعقادها قبل نحو ثلاثة أسابيع، وأعضاء مجلس الوزراء الجنوبيون يقاطعون جلسات المجلس التي تناقش بنود الميزانية العامة للدولة منذ أسبوع تقريباً. والرد على السؤال: لماذا فعلوا ذلك؟ هو أن شريكهم، "حزب المؤتمر الوطني"، رفض الاستجابة لمطالب الحركة في قضايا مفصلية، مثل وضع قانون جديد لجهاز أمن الدولة، وكذلك تعديل كل القوانين المقيدة للحريات إعداداً لانتخابات يرى الجنوبيون ضرورة أن تكون حرة ونزيهة تحقق الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية وحكم الشعب حسب رغبة الأغلبية. وأعود بالذاكرة إلي الأيام الأولى لتولي الجنرال سلفاكير منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، وتحضرني قصة أول خلاف بينه وبين قادة الشريك الآخر. كان هناك اتفاق مبدئي بين الشريكين عند الحديث عن تقاسم السلطة، من أهم بنوده أن تكون وزارتا الطاقة والمالية مقاسمتين بين الشريكين، أي أن لا يجمع أي منهما بين الوزارتين. وعند الوصول إلى حسم الأمر تمسك قادة "المؤتمر الوطني" بحيازة الوزارتين معاً، مما يعد نقضاً للاتفاق المسبق. وقبل سلفاكير الوضع، ليس عن قناعة ورضا، بل لأنه ملّ الجدل وآثر اللجوء إلى نوع من التعالي. وأعتقد من خلال متابعتي للأحداث، أن سلفاكير لا بد أن يكون قد واجه مواقف مماثلة من شركائه في الحكم، وأفترضُ أنه لجأ إلى ذات الطريقة التي حدثت في أمر الوزارتين. وقد يكون هذا النوع من التراكم النفسي هو الذي جعل القائد الجنوبي يفعل ما فعل هذا الأسبوع بدعوته للانفصال قبل أكثر من عام على موعد الاستفتاء. خلاصة الأمر هي أن انفصال الجنوب الذي تنبأنا باحتمال وقوعه عند الاستفتاء، قد أصبح الآن حقيقة أو قريبا من ذلك، وتلك هي المأساة التي تواجه السودان وأكبر وأعظم الكوارث التي حلت به في تاريخه. وآثار كل ذلك على العلاقات العربية والإسلامية مع إفريقيا السوداء، ستظهر تباعاً بعد وقوع ذلك الانفصال. ودعونا نتوسل إلى الله أن لا يؤدي انفصال الجنوب إلى أن يتبعه انفصال جبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق، وكلا المنطقتين علاقتها هشة بالحكم القائم في الخرطوم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©