الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق ثالث لتعافي اليابان

15 ابريل 2011 21:43
بعد مرور شهر على الهزات الأرضية وكارثة التسونامي المدمرة التي ضربت اليابان في الحادي عشر من شهر مارس الماضي، ازداد القلق والخوف وعدم اليقين بين المواطنين. وفي الوقت نفسه بلغ انفجار أربعة من مفاعلات محطة فوكوشيما دايتشي حداً من الخطر، دفع الكثير من المراقبين والمحللين إلى مقارنته بكارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل الروسي عام 1986. وفي هذه الأثناء يسكن الكثير من المواطنين الذين شردتهم الكارثة من بيوتهم، ويقدر عددهم بـ 160 ألف شخص، بشكل مؤقت في المدارس والمراكز الرياضية. أما المصانع والسكك الحديدية فتعطلت تماماً، وتضرر الاقتصاد الوطني كثيراً من هذه الكارثة الطبيعية. فكيف لهذه الأمة الفخورة بنفسها والغنية بالموارد الاقتصادية أن تتعافى من تأثيرات الكارثة؟ الحقيقة أن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالتعافي قد أثيرت سلفاً في أوساط صانعي السياسات والقرارات في طوكيو مثل: أي أجزاء من المناطق التي أصابها الدمار يجب أن تحظى بأولوية الإصلاح قبل غيرها؟ وما مدى الأمان الذي يجب أن تكون عليه الحواجز البحرية والمفاعلات النووية؟ وكيف لعامة الجمهور أن يسهم في هذا الحوار؟ وبالنظر إلى تاريخ التعافي القريب من الكوارث، فإن أمام القادة والمخططين اليابانيين نموذجين متضاربين للطريقة التي تنفذ بها إعادة الإعمار؛ أولهما الطريقة المتعسفة التي أعيد بها إعمار كوبي حسب رؤية عمدة المنطقة كازوتوشي ساساياما لما يمكن فعله عقب زلزال هانشين القوي الذي ضرب مدينة كوبي في عام 1995. وثانيهما الطريقة المتهاونة التي اتبعها عمدة مدينة نيو أروليانز راي نيجن، إثر تعرض المدينة لإعصار كاترينا. والسؤال الآن: هل على القادة أن يتبعوا أسلوب التعسف في عملية التعافي هذه، أم الأسلوب المتهاون الذي اتبعه العمدة الأميركي المذكور؟ يذكر أن خبراء الكوارث يشيرون في بعض الأحيان إلى مرحلة التعافي على أنها المرحلة "الثالثة"، بمعنى أن المرحلة الأولى هي تلك التي تحدث فيها الكارثة نفسها، بينما تشير المرحلة الثانية إلى الاستجابة الطارئة لما خلفته الكارثة بالمواطنين المتضررين. وعلى أي حال، فإن من شأن المرحلة الثالثة، التي تعد الأطول مدى والأقل درامية وإثارة بالمقارنة مع المرحلتين الأولى والثانية، أي الطريقة التي يواجه بها اليابانيون واجبات إعادة الإعمار، أن تحدد مدى فهمهم لهذه المأساة في نهاية الأمر. ولننظر فيما يلي إلى التباين الكبير بين النموذجين الياباني والأميركي في القيام بمهمة إعادة الإعمار بعد الكارثة. ولنبدأ هذه المقارنة بالنموذج الياباني. وبالنتيجة، فقد تحولت رؤية ساساياما المتعلقة بإعادة الإعمار والإنماء، مصحوبة بعزمه الحديدي على تنفيذ ما قرره، إلى أسطورة في أوساط خبراء التعافي من الكوارث. ولما كان ساساياما حريصاً أشد الحرص على تفادي لجوء سكان المدينة المنكوبين إلى بناء منازل عشوائية سريعة تلبي حاجتهم الماسة إلى السكن، بمواصفات لا تليق بالمدن والمراكز الحضرية، فقد سارع إلى إصدار قرار بتجميد أعمال البناء والإنشاءات، بينما كثف تعاونه مع الساسة الوطنيين، ما أسفر عن تخصيص مليارات الدولارات من الخزانة العامة لإعادة إعمار المدينة. وخلال عشر سنوات فحسب، تحولت مدينة كوبي التي كانت تعرف بأزقتها الضيقة الملتوية، وأكواخها الهزيلة البائسة، إلى إحدى أجمل المدن اليابانية وأكثرها تحضراً ورفاهية، بفضل عزم عمدتها ورؤيته لإعادة الإعمار. بيد أن إعادة إعمار "كوبي" بتلك الطريقة كانت لها خسائرها الباهظة في جوانب اجتماعية وإنسانية عديدة. فقد صودرت بسببها ممتلكات الكثير من أبناء الطبقة الوسطى والفقراء من سكان المدينة، جراء رفض "مكتب إدارة الطوارئ" رسمياً السماح بوصول المساعدات الحكومية مباشرة إلى سكان المدينة. وكانت النتيجة زيادة معاناة كبار السن والمعاقين، إضافة إلى العاملين الفقراء. وبمناسبة مرور الذكرى السنوية الأولى لزلزال هانشين، انتحر نائب ساسايانا احتجاجاً على ما حل بسكان "كوبي" جراء السياسات التي اتبعت في تنفيذ خطة إعادة الإعمار. وعلى الرغم من أن السلطات المحلية راجعت سياساتها السابقة، وسمحت بمشاركة أعداد أكبر من المواطنين في إعادة إعمار مدينتهم وتنميتها فيما بعد، فإن مشاعر السخط التي عمت بين السكان منذ ذلك الوقت، لا تزال موجودة إلى اليوم بين قطاعات من أهل المدينة الذين حضروا تعسف السياسات التي اتبعها العمدة ساساياما ومعاونوه من المسؤولين المحليين بالمدينة. وهنا ننتقل إلى مقارنة ذلك النموذج، بما كانت عليه عملية إعادة إعمار مدينة نيو أورليانز عقب كارثة إعصار كاترينا. ويتلخص هذا النموج باختصار شديد في أن عمدة المدينة، راي نيجن، كان نقيضاً تاماً للتدخل المباشر الذي قام به نظيره الياباني ساساياما عمدة مدينة كوبي. فحتى عندما استجاب لنداءات وضغوط الجيران والناشطين البيئيين وغيرهم، قرر العمدة نيجن، العمل وفقاً لطريقة عدم التدخل الحكومي في إدارة الكارثة وإعادة الإعمار. ومثلما حدث في مدينة كوبي، فقد أثارت هذه الطريقة اللامبالية في مواجهة الكارثة من قبل عمدة نيو أورليانز سخط سكان المدينة عليه. وبهذا نصل إلى مناقشة ما تحتاجه اليابان اليوم في التصدي لمهمة إعمار المدن التي دمرتها كارثة الزلزال والتسونامي الأخيرة هذه، خاصة وأن هذه الكارثة تفوق كثيراً من حيث الدمار الذي أحدثته ما تعرضت له مدينة كوبي في عام 1995، ونيو أورليانز في عام 2005. فالمطلوب من السلطات اليابانية الوطنية والمحلية على حد سواء، مراعاة التوازن بين الطريقتين اللتين ناقشناهما أعلاه. روبرت إم إم فيرشك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©