الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عارف الحمادي:رؤيـــة محمــد بن زايــد للتعليم... ست مبادرات وأربعة مخرجات

عارف الحمادي:رؤيـــة محمــد بن زايــد للتعليم... ست مبادرات وأربعة مخرجات
10 مايو 2018 11:26
عرض ــ خالد عمر بن ققه من البداية، يُحدِّدُ الدكتور عارف الحمادي، الموضوع الذي سيتناوله في هذا الفصل من الكتاب، بالنسبة لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في مجال التعليم، وذلك من خلال مدخلين رئيسين، أولهما، رؤية سموّه للابتكار والإبداع في مجال التعليم، من منطلق التأسيس لتعليم عصري قائم على اقتصاد المعرفة، وثانيهما، المخرجات النوعية لهذه الرؤية وحصيلتها الإيجابية في عملية التنمية الشاملة، وما يتبعها من تهيئة دولة الإمارات العربية المتحدة للانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط، مع التركيز على جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا بوصفها نموذجاً للتعليم العصري الذي ينمّي الابتكار والإبداع، ويخدم اقتصاد المعرفة، وهكذا يضيف لنا عارف الحمادي بُعْداً تنويرياً برؤية سموه على مستويين متقاربين، الأول: الابتكار باعتباره تجاوزاً لما هو كلاسيكي في مجال التعليم، والثاني: فضاء مكاني مفتوح وواسع لعصرنة التعليم وتحديثه عبر عمل مؤسساتي من خلال جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا. من ناحية أخرى، فإن التعليم والبحث العلمي القائِمَيْن على الابتكار والإبداع في رؤية سموه يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالتنمية، لذا نجده ـ كما يذكر عارف الحمادي ــ يُولي اهتماماً استثنائياً لتطوير منظومة التعليم تطويراً يتم فيه التركيز بصفة خاصة على المواد العلمية والعلوم العصرية والتكنولوجيا الحديثة التي تشجع على الإبداع والابتكار، لما لتلْك العلوم من دور فاعل وحيوي في بناء اقتصاد المعرفة، ولكن هل يمثل ذلك تصوّراً نظرياً فقط، أم أنه قادر على تحقيق رؤية سموه في هذا المجال؟ وبصيغة أخرى للسؤال: هل السعي إلى اقتصاد المعرفة من خلال التعليم، وضمن تحفيز العقول للإبداع والابتكار مجرد تكتيك مرحلي آني، أم أنه عمل استراتيجي بعيد المدى، وواضح الأهداف؟ فلسفة الابتكار إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية العلاقة القائمة بين رؤية سموه في أبعادها النظرية من جهة، والأهداف المرجوة من التعليم بدعم مادي وسياسي من جهة ثانية، فإننا سننتهي إلى أنها استراتيجية واعدة، بل ومؤكدة لجهة تحقيق الأهداف، لأن مخرجات التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، اعتماداً على رؤية سموه، معززة لثقافة الابتكار والإبداع، وهذا، في نظر عارف الحمادي، يعبّر عن فلسفة عميقة تدرك أهمية الابتكار ودوره المتنامي في اقتصاد المعرفة، خاصة في هذه المرحلة التي تسعى فيها الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز ريادتها وتنافسيتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتتضمّن تلك الفلسفة العديد من الأهداف المهمّة، منها: ثلاثة، ذكرها الحمادي مفصّلة، ونوردها مختصرة، أولها: بناء ثروة بشرية مواطنة لديها القدرة على الابتكار والإبداع والقيادة، بما يواكب الرؤى الطموح والمستقبلية للإمارات، وثانيها: تعزيز الإنتاج والنمو المستدام، وذلك تجاوباً مع ما يؤمن به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وهو: أن تنمية الثروة البشرية المواطنة، من خلال نظم تعليمية وتدريبية ذات كفاءة عالية تنطلق من الإبداع والابتكار، تنعكس إيجاباً على زيادة الإنتاج والارتقاء بمعدلات النمو الاقتصادي، والعمل على إيجاد حلول للمشكلات التي تؤثر في أداء الاقتصاد الوطني، وثالثها: اعتبار التعليم قاطرة الانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط القائمة على اقتصاد المعرفة، كما جاء في كثير من مداخلات وتصريحات سموه في عدد من المناسبات. ويرى الحمادي، أن مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، المنبثقة من فلسفته المتعلقة بالابتكار تجسّد إيمان سموّه بأن التعليم العصري بات ضرورة للانتقال بالاقتصاد الوطني إلى مرحلة جديدة تقوم على الإبداع والابتكار، خاصة بعد أن أصبح «الابتكار» هو المصدر الأهم للثروة والدخل في عصر الاقتصاد المبني على المعرفة وليس على الموارد الطبيعية، حيث إن الدولة التي تمتلك الفكرة المبدعة والقادرة على تنفيذها تمتلك الثروة والقوة والنفوذ والتأثير في محيطها والعالم، بصرف النظر عن حجمها أو عدد سكانها أو موقعها الجغرافي. «ثمار رؤية» ويشير الحمادي إلى دور سموّه المحوري والرائد في التأسيس لتعليم عصري يعزز مجتمع المعرفة والتكنولوجيا، وفقاً للمعايير العالمية، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإدراكه لطبيعة الدور الذي يقوم به في بناء مجتمع الابتكار والإبداع الذي يقود إلى اقتصاد المعرفة، والتي تجلت في جملة من المبادرات، ذكرها عارف الحمادي، وهي: إطلاق العديد من المبادرات المتميزة التي تستهدف تجاوز النظام التقليدي للتعليم والتحول إلى التعليم العصري والتكنولوجي الذي يتوافق مع متطلبات اقتصاد المعرفة، والاهتمام بتطوير المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم لتواكب اقتصاد المعرفة وتعزز مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، وتقديم المنح العلمية التي تستهدف توفير تعليم عصري عالمي لأبناء دولة الإمارات العربية المتحدة في أرقى الجامعات العالمية، والانفتاح على التجارب الدولية الناجحة في مجال التعليم، والاستفادة منها في تطوير منظومة التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومتابعة مسيرة الطلبة ودعم الجوانب الشخصية، ورعاية المسابقات المهارية التي تشجع الطلاب على الإبداع والابتكار في مجال التعليم. المبادرات السابقة، التي شملتها رؤية سموه، نبعت من إدراكه أن الاستثمار في تأسيس تعليم عصري، يركز على العلوم والمعارف الحديثة والتكنولوجيا العصرية، ويقوم على الإبداع والابتكار، سيعزز من توجه الإمارات نحو اقتصاد المعرفة، وسيسهم في تحقيق أهدافها التنموية الطموح، اعتبرها الحمادي ثمار الرؤية، وهي عبارة عن مخرجات إيجابية، منها:«مواكبة منظومة التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة لمتطلبات التنمية الشاملة والمستدامة واقتصاد المعرفة، والتطور الهائل في التخصّصات النوعية الدقيقة التي تعتمد على العلوم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة (وفي مقدّمتها مجال صناعة الطيران وقطاع الفضاء ومجال الطاقة النووية والمتجددة وبحوثها ومجال صناعة أشباه المُوَصِّلات والإلكترونيات المتقدّمة)، وتزايد براءات الاختراعات والابتكارات الداعمة لعملية التنمية، وتعزيز اندماج دولة الإمارات العربية المتحدة في مسيرة الإبداع والابتكار العالمي»، لكن هل هناك نموذج إماراتي يمكن الاستشهاد به للتأكيد على ثقافة الابتكار، التي يعمل سموه على نشرها؟ يقدم لنا الدكتور عارف الحمادي إجابة عملية من خلال حديثه هنا عن جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، التي تعدُّ نموذجاً للتعليم العصري الداعم لاقتصاد المعرفة، ليس لتخصصاتها النوعية الجديدة فقط، وإنما لدورها في تنمية مهارات الإبداع والابتكار لدى خرِّيجيها، وتأهيلهم للمنافسة بكفاءة في سوق العمل أيضاً، ذلك لأنها عملت منذ تأسيسها على تنظيم الكثير من المسابقات التي تنمي مهارات الإبداع والابتكار لدى الطلاب على مستوى الدولة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مسابقة تطبيقات الهاتف المتحرك، ومسابقة البرمجة، ومسابقة أخلاقيات المهنة الهندسية، ومسابقات مهارات الإمارات في البرمجة والأمن الإلكتروني، وبناء طائرات من دون طيار وغيرها. إبداع «جامعة خليفة» لذلك، فقد استطاعت جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا ـ كما يذكر الحمادي ـ أن ترسّخ مكانتها، بوصفها واحدة من أفضل الجامعات ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط، وإنما في المنطقة والعالم، ولا أَدَلَّ على ذلك من تحقيقها للعام الثاني على التوالي التصنيف الأعلى بين جامعات دولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب التصنيف العالمي للجامعات لعام 2018، الذي أصدرته مؤسسة «التايمز» للتعليم العالي، التي تحظى بشهرة واسعة في مجال تصنيف مؤسسات التعليم العالي حول العالم، حيث حلت جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في المرتبة الأولى محلياً، وما بين 201 و250 من بين 500 جامعة من أفضل جامعات العالم في مجال الهندسة والتكنولوجيا، حسب هذا التصنيف، لذلك لا غروَ أن اعتبرت داعمة لمسيرة الابتكار في الإمارات بلا منازع. لقد حرصت جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا منذ تأسيسها على تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة، فالسياسة العليا للجامعة تستهدف بالأساس تحقيق التميز في الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا المختلفة، ولا شكّ في أن قرار ضم جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث ومعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا والمعهد البترولي تحت مظلة واحدة سيمثل نقلة نوعية للجامعة، ويرسّخ مكانتها العالمية خلال السنوات المقبلة، لأنه سيحقق المزيد من التألق والإنجاز والابتكار بالاستفادة مما حققته المؤسسات التعليمية الثلاث المندمجة والبناء عليه، وصولاً إلى تحقيق أقصـى مستويات الريادة محلياً ودولياً، كما سيسهم في تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت تعزز فيه الدولة جهودها لبناء اقتصاد معرفي قوي مستدام ومتنوع يحقق تطلعاتها المستقبلية. ويكشف لنا الحمادي دور جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في دعم مسيرة الابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة، في أنه يتجسد في مخرجاتها النوعية من عشرات براءات الاختراع والابتكارات في الكثير من المجالات التي كان لها أثر كبير في مجالات اختصاصها، سواء على المستوى البحثي والأكاديمي، أو على المستوى العملي، والتي ظهرت في عدد من المنجزات العلمية، منها: ابتكار نظام لجمع بخار الماء مباشرة من الجو وتحويله مياهاً سائلة، وابتكار خلايا شمسية ذات كفاءة عالية لا تحتاج إلى قدر كبير من التنظيف والصيانة، وتطوير برمجيات حاسوبية بالتعاون مع شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وتطوير نوع خاص من الزجاج يمكن ضبطه ليتيح دخول كميات أكبر أو أقل من أشعة الضوء والحرارة، وابتكار أول بطارية ليثيوم خلوية من فئة CR 2032 باستخدام تقنية جديدة من تقنيات الليثيوم أيون، وابتكار أجهزة جديدة لتحلية المياه عن طريق التناضح الأمامي بالتعاون مع شركة «ترافي سيستمز». قائد من أهل العزم كما قامت جامعة خليفة، بتطوير نظام يكشف تكاثر الطحالب السامة والتسربات النفطية والكيميائية في مياه الخليج العربي، وتم ابتكار جهاز فريد من نوعه شبيه بالإسفنج قادر على استغلال أشعة الشمس لتوليد البخار، وابتكار نظام يقوم بإجراء تجزئة دقيقة لصور الأقمار الصناعية، وابتكار مواد يمكن استخدامها لتصنيع أجزاء الطائرات أو المركبات الأخرى بوصفها بديلاً للمعدن، وابتكار جهاز هبوط دقيق للطائرات من دون طيار، وابتكار نظام يقوم بالتحكم في مروحية رباعية المراوح شبه ذاتية القيادة.. إلخ. تلك بعض المنجزات العلمية لجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا من بين أخرى كثيرة، هي بلا شك جزء من تاريخ لدولة تصنع حاضرها ومستقبلها، ولكن أنّى للإمارات أن تحقق من خلال جامعة خليفة مثلاً هذه القفزة النوعة وتجربتها قصيرة في هذا المجال؟.. نجد الإجابة عند عارف الحمادي، كما هي في نهاية ورقته، حيث يقول:«عند النظر في تاريخ الأمم، التي حققت إنجازات وقفزات نوعية في اقتصاداتها، نجد أن العامل المشترك بينها جميعاً كان وجود قيادة تتمتع برؤية وطموح كبيرين تدعمهما إرادة عمل لديها شغف بتحقيق الإنجازات، وبإدراك عميق لأهمية التعليم بوصفه دعامة أساسية لا بدّ منها لبناء دولة عصرية تتمتع بالقوة الاقتصادية والريادة على المستويين الإقليمي والعالمي». ذاك عن عمومية التجارب في كل دول العالم، فماذا عن خصوصية التجربة الإماراتية؟.. الإجابة مرة أخرى عند عارف الحمادي، يقول:«.. ونحن في دولة الإمارات العربية المتحدة نفخر بأن الله أنعم علينا بشخصية قيادية، مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، إذ يتمتع ببعد النظر، ويحدوه الإيمان بمستقبل مشرق لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ مستقبل يتحقق بسواعد شبابنا، قادة المستقبل، الغيورين على بلدهم، والعاملين على تعزيز مستقبله على الخريطة العالمية للإبداع والابتكار والتميز؛ ومن ثم تحقيق الرفاهية والتقدم والتطور لأبناء الوطن وأجياله حاضراً ومستقبلاً، وهو ما يطمح إليه سموّه، من خلال دعمه اللامحدود لكل ما من شأنه توفير تلك الحياة الكريمة لكل أفراد مجتمع دولتنا الحبيبة».. فنعم القول هذا، لأنه مُؤسَّسٌ على عزيمة قائد، كأنه يستجيب للشاعر أبو الطيب المتنبي حين قال: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم»، مع اختلاف الزمان والمكان. (يتبع)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©