الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب إندونيسيا على الفساد

7 نوفمبر 2009 22:00
سيمون مونتلايك تايلاند بدأ الصراع الجاري حالياً في إندونيسيا بين جهاز الشرطة ووكالة محاربة الفساد في إزعاج الرئيس "سوسيلو بامبونج يودوينو" بعد أسبوعين فقط على بدء ولايته الثانية الممتدة لخمس سنوات قادمة، لكن النزاع الذي يحظى بمتابعة واسعة في أوساط الرأي العام الإندونيسي بدأ يثير أسئلة حول مدى التزام الحكومة بمحاربة الفساد المستشري في دواليب الدولة، كما تسبب في ردة فعل قوية من قبل الشارع الإندونيسي ضد الهجوم الأمني على والوكالة، والتي قامت إلى غاية اليوم بعمل جيد في كشف المفسدين وإرسالهم إلى السجن. وفي إطار ردة الفعل تلك احتشد المتظاهرون في جاكارتا لليوم الثاني على التوالي محتجين على اعتقال الشرطة في الأسبوع الماضي لاثنين من المسؤولين الكبار في وكالة مكافحة الفساد بعدما نجحت في جر العديد من المسؤولين البارزين في الحكومة إلى التحقيق، حيث وجهت الشرطة تهماً للرجلين بإساءة استخدام السلطات المخولة إليهما خلال تحقيق أجري بشأن انهيار أحد البنوك، رغم أن المسؤولين معاً أنكرا التهم الموجه إليهما ليطلق سراحهما يوم الثلاثاء الماضي. ويرى المحتجون أن القضية ملفقة برمتها وتحركها الرغبة في الانتقام من الوكالة والضغط عليها بسبب متابعتها للسياسيين وبعض المدعين العامين الذين تحوم حولهم شبهة الفساد واستغلال النفوذ، وفي هذا السياق الساعي إلى تحجيم دور الوكالة أجاز البرلمان المنتهية ولايته قانوناً مريباً في شهر سبتمبر الماضي يضعف من سلطات القُضاة العاملين في الوكالة، لا سيما المشهود لهم بالاستقامة والنزاهة. لكن الهجمة التي تتعرض لها وكالة مكافحة الفساد في إندونيسيا لم تمر دون ردة فعل من الجهة المقابلة التي تريد قطع دابر الفساد والحد من تفشيه المزمن، حيث سربت بعض الجهات المعنية بمحاربة الفساد في البلاد تسجيلات صوتية إلى وسائل الإعلام تثبت تورط مسؤولين أمنيين في مؤامرة ضد مفوضين في الوكالة هما "شندرا حمزة" و"بيبيت ريانتو"، وقد ساهمت هذه التسجيلات في تأجيج مشاعر الرأي العام المصر على المضي قدماً في مكافحة الفساد رغم المقاومة التي تبديها مراكز القوى، كما أرغمت الرئيس على الخروج علناً والتأكيد على فتح تحقيق في التسريبات التي تدين مسؤولين كبارا في الدولة، ويبدو أن تحرك الرئيس الحازم جاء بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهت لجهاز الشرطة والاحتجاجات الواسعة على موقع "فيسبوك" الذي استقطب أكثر من 300 ألف مشارك، وعلى الأثر أمر الرئيس بتشكيل لجنة تضم وجوهاً إصلاحية معروفة في المجتمع من المرجح أن تتعامل بصرامة مع رجال الشرطة والمدعين العامين المشتبه في تورطهم بالفساد. ويعتقد المراقبون أن هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليه الرئيس الإندونيسي بتشكيل لجنة للتحقيق في الضغوط الممارسة على وكالة مكافحة الفساد من قبل جهات نافذة في الدولة جاءت لتنقذ برنامجه السياسي وتعزز من مصداقيته، لا سيما بعدما سعى في حملته الانتخابية إلى الظهور بمظهر الرجل النظيف والبعيد عن الفساد في بلد مازالت ترزح تحت آفته المتفشية، فحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية، تحتل إندونيسيا المرتبة 126 ضمن 180دولة، ورغم التحسن الطفيف الذي طرأ على موقعها مقارنة بالسنوات الماضية تبقى إندونيسيا، دون المستوى بالقياس إلى الدول المجاورة مثل ماليزيا وتايلاند. لكن ذلك لم يحُل دون تأثر الرئيس الإندونيسي سلباً بالمجريات الأخيرة التي تشهدها البلاد، خاصة بعدما تباطأ في الدفاع عن وكالة مكافحة الفساد، وهو ما عبر عنه "كيفين أوركورك"، المحلل السياسي المستقل في جاكرتا قائلًا: "لا شك أن مصداقية الرئيس تعرضت لضربة بشأن طريقة الحكم، غير أن الفرصة مازالت قائمة لتغيير الوضع لصالحه". وتُظهر استطلاعات الرأي في إندونيسيا شعوراً متجذراً بالشك في نزاهة الدوائر الحكومية بما فيها الجهاز الأمني، ففي فترة الرئيس السابق "سوهارتو" كان الفساد جزءاً من الدولة ويمكن ملاحظته على نحو سافر في الحياة اليومية، ولم تنجح المحاولات التي بُذلت وقتها للحد من الفساد والضرب على أيدي المفسدين، غير أن ذلك الوضع بدأ يتغير تدريجياً بعد إنشاء وكالة مكافحة الفساد في العام 2003 بموازنة متواضعة لا تتعدى 18 مليون دولار وبعدد موظفين يصل إلى 600 موظف، وقد استخدمت الوكالة صلاحياتها التي يخولها لها القانون مثل تسجيل المكالمات واعتقال المتورطين ومتابعتهم قضائياً لاستهداف عمليات الفساد الكبيرة، ومن بين الذين سقطوا في الفخ برزت أسماء مسؤولين كبار في الدولة وسياسيين معروفين، فضلا عن حكام الولايات ومدراء البنوك، ففي العام الماضي على سبيل المثال اعتقل "أوليان بوهان"، المسؤول في البنك المركزي، وحوكم بتهم الفساد ثم أودع السجن. لكن رغم هذه الجهود، يقول المحلل السياسي "أوركورك"، لم يعد من السهل الاستمرار في هذه المواقف المناهضة للفساد في ظل الصراع مع الشرطة واستماتة جيوب المقاومة المستفيدة من حالة انعدام المساءلة، وهو ما يؤثر سلباً على قائد الشرطة الذي عينه الرئيس الإندونيسي بعدما سُمع صوته في إحدى التسجيلات، بحيث من المرجح أن يواجه ضغوطاً بالاستقالة في حال تعرض لانتقادات من قبل تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أمر الرئيس بتشكيلها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريسيتان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©