الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا وسؤال «الهوية»

7 نوفمبر 2009 22:00
ماذا يعني أن يكون المرء فرنسياً؟ للإجابة على هذا السؤال المتعلق بالاتجاه الذي تريد أن تسلكه فرنسا أطلقت حكومة ساركوزي في الأسبوع الجاري موقعاً إلكترونياً يطلب من المواطنين المشاركة بآرائهم حول تعريف القيم الفرنسية، والأفكار المتعلقة بالوطنية وتصوراتهم حول صعود الأقليات في فرنسا. ويعتبر هذا الموقع الإلكتروني خطوة أولى في نقاش وطني طموح حول الهوية يمتد إلى القرى الفرنسية الصغيرة وأحياء المدن، ويستمر طيلة الأربعة أشهر المقبلة لينتهي قبل الانتخابات الوطنية المقرر عقدها خلال فصل الربيع المقبل، ويفتح هذا المشروع الذي تشرف عليه وزارة الهجرة والهوية الوطنية الباب على مصراعيه لنقاش ينطوي على الكثير من الحساسية السياسية، وإن كان في الوقت نفسه نقاشاً عميقاً كان ساركوزي قد تطرق إلى موضوعه في عام 2007 ليعكس تساؤلا بات يشغل أذهان بعض المراقبين الفرنسيين حول إعادة تعريف التقاليد الفرنسية في وقت تعرف فيه البلاد تصاعداً في نسبة المهاجرين من أصول أفريقية وعربية وآسيوية، فضلا عن تغيرات كثيرة أخرى تفرضها العولمة. غير أن هذه هي المرة الأولى التي تسائل فيها فرنسا موضوع الهوية من أعلى الهرم السياسي لتنطلق من النخبة في اتجاه الرأي العام. ولا يكتفي الموقع الذي أنشأته الوزارة بطرح بعض الأفكار الكبرى التي سبق أن عبر عنها فلاسفة ومفكرون فرنسيون مثل مونتيسكيو وهوجو ومالرو وغيرهم، بل إنه يثير أسئلة عديدة أخرى من قبيل: لماذا تولد قضية الهوية الوطنية شعوراً بعدم الارتياح لدى المثقفين وعلماء الاجتماع، والمؤرخين الفرنسيين؟ وفيما يرى العديد من المحللين أن النقاش المثار حالياً بشأن الهوية ربما جاء متأخراً قليلا في بلد لا يعترف رسمياً بالاختلافات الإثنية، يتهم بعض المنتقدين ساركوزي بالسعي إلى تأجيج المشاعر المناهضة للمهاجرين في الشارع الفرنسي وذلك لمغازلة أصوات الناخبين في اليمين استعداداً للانتخابات المقبلة. وعن سؤال الهوية المطروح على ساحة النقاش الفرنسية يقول "كريم بيطار"، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بباريس "إنه نقاش مهم لأن فرنسا في حاجة إلى ابتكار طريقة تحافظ بها على نموذجها العالمي القائم على موروث فلسفي غني، لاسيما في ظل الواقع الجديد الذي يجعل ذلك النموذج يبدو وكأنه ضرب من النفاق بسبب الهوة الشاسعة بين ما يعلن من قيم الحرية وغيرها وبين الحقيقة المعيشة على أرض الواقع والمتمثلة في التمييز وعدم تكافؤ الفرص". ويعتقد المحللون أن اللجوء إلى اللعب بورقة الهوية الفرنسية وإدراجها تحت يافطة النقاش العام ينطوي على دهاء سياسي كما يعبر عن فظاظة واضحة، فمن جهة يكمن دهاء سؤال الهوية فيما يحدثه من صرف للانتباه عن قضايا أزعجت ساركوزي في الآونة الأخيرة وساهمت في تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي مثل قضية تعيين ابنه الذي لم يتعدّ عمره 23 سنة رئيساً لإحدى أغنى المقاطعات في باريس قبل أن يتراجع عن ذلك، فضلا عن مشاركة اليسار في هذا النقاش إلى جانب حلفاء ساركوزي في وسط اليمين. ويسعى اليسار من خلال مشاركته في نقاش الهوية إلى إعادة التأكيد على راهنية المبادئ الفرنسية مثل المساواة والجدوى من تبنيها في ظل مجتمع يعمل بشكل ممنهج على إقصاء المهاجرين، على رغم أنه رسمياً يناهض السياسات العنصرية. ولكن بالنسبة لمن يرى في خطوة ساركوزي هذه تحركاً فظاً وغير ذي معنى يعتبرون أن السؤال تحركه هواجس سياسية تشغل الرئيس ويحاول من خلالها التودد إلى اليمين الفرنسي لتأمين انتصار مريح في الانتخابات القادمة. ويخشى المنتقدون على وجه الخصوص من نقاش يتم في المباني الحكومية وتنظمه أحزاب سياسية ينتهي إلى خلاصات رسمية قبل وقت قصير من الانتخابات ما قد يساهم في خلق توافق مزيف في فرنسا الهدف منه فرض المزيد من القيود وتشديد الإجراءات على الأقليات، وهو ما تعبر عنه "باب ندياي" من معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية قائلة "لقد استُهدف المهاجرون وأبناؤهم لسنوات طويلة باعتبارهم يشكلون تهديداً للهوية الوطنية الفرنسية، وربما يأتي هذا النقاش ليلمح إلى أن المهاجرين ليسوا فرنسيين بما يكفي، والحقيقة أن هناك طرقاً عديدة كي تكون فرنسياً ومن المحزن أن تحدد الحكومة طريقة واحدة تسعى إلى فرضها على الأقليات". وفي غضون أسبوعين سينتقل الموقع الإلكتروني الفرنسي إلى طرح أسئلة حول مواضيع محددة لتبدأ النقاشات الرسمية التي تشرف عليها الحكومة في شهر ديسمبر المقبل لتشمل "جميع من يعيشون على التراب الفرنسي" . ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: باريس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©