الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسابقة ''أمير الشعراء''·· والنقد

مسابقة ''أمير الشعراء''·· والنقد
27 أغسطس 2008 23:34
لم يتّفِق أنْ قامت مسابقةٌ، في تاريخ الشعر العربيّ، ولا الأجنبيّ أيضاً، يتبارى فيها آلاف الشعراء على مراحل متعاقبة، مثل ما يتّفق في مسابقة ''أمير الشعراء'' التي استأثرتْ بها إمارةُ أبوظبي ممثَّلةً في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وبدعمٍ ماديّ سخيّ من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة· وشاء القائمون على هذه المسابقة الشرسة الجميلة معاً، أن يقع نقدٌ كلِّ نصّ شعريّ يُلْقَى على الهواء فيتلقّاه ملايين المشاهدين· وقد زعم بعض الإعلاميّين أنّ النّقّاد، في لجنة التحكيم، لا يؤسّسون أحكامهم تأسيساً نقديّاً صارماً قائماً على خلفيّاتٍ ومعاييرَ علميّة واضحة، بل كأنّهم لا يصدرون إلاّ عن أحكام انطباعيّة··· ونحن نسائله: كيف يمكن أن يؤسِّس الناقد أحكامه، أوْ حُكمه، في لحظات لا تزيد عن ثلاثين أو أربعين ثانيةً؟ فالغاية من البرنامج هي تحبيبُ الشعر العربيّ الفصيح إلى ملايين المتلقّين العرب بعد أن أخذتهم ملاعبُ كرة القدم، وألهتهم بعض البرامج الخليعة، وجعْلُهم يحاولون تذوّقَ هذا الشعر بعد أن رانتْ على أذواق كثير منهم عُجْمةُ ضعفِ الفهم· وعلى أنّ النّقّاد في لجنة التحكيم كثيراً ما يسعَون إلى التوفيق بين متطلّبات الإعلام التي تستدعي البساطةَ والمباشرة، ومتطلّبات النقد التي تستدعي الصرامة والتّأسيس المعرفيّ القائم على خلفيّات أو مذاهبَ نقديّة بعينها· ويبدو أنّ هذه التجربة في نفسها جديرة بالاعتبار في الثقافة الإعلاميّة الأدبيّة المعاصرة، إذْ ما يكون لناقدٍ أن يخوض في أهمّ الأدبيّات النقديّة لنصّ شعريّ ليس بالقصير، ومع ذلك ينفُض ما فيه من جَنًى فيكشف عن طبيعة المضمون المتناوَل، ومكامن الجمال الفنّيّ ومنها الإيقاع، ونسج اللّغة وتشكيلاتها، ومدى مثُول التصوير، واستحضار الثقافة العربيّة، أو الأجنبيّة، فيه وكيفيّة إسقاطها، أو توظيفها، لتكونَ رِدْءاً جماليّاً للمكوّنات الشعريّة التي تحكم النّصّ المطروح للإلقاء· وكلّ أولئك في بُرهة من الزمن لا تزيد على أربعين ثانيةً، بحكم أنّ قواعد المسابقة تقتضي عدم الإثقال على المتلقّي بتفاصيل المسألة النقديّة وتحويلها إلى خطاب نقديّ مملّ قد يحمل المشاهد على الْبَرَمِ بالمتابعة فيعزف عنها إلى برامجَ أُخَرَ· وأيّاً ما يكُنِ الشأنُ، فإنّنا نعتقد أنّ هذه التجربة تُعاشُ لأوّل مرّةٍ في تاريخ الإعلام الثقافيّ على هذا النحو، وهي جديرة بكلّ العناية والمتابعة والتقدير، إذْ تساعد المشاهد العاديّ على فهْم النّصّ الشعريّ ومعرفة أهمّ ما يتحكّم فيه، وما يقوم عليه، وما يرمي إليه، وما اللّغة الشعريّة التي نسجَه بها؟ وما الإشكاليّة التي حاول أن يعالجها؟ وما الضبابيّة التي تقوم وراءه فيبدّدها الناقد له، بما استطاع، في لحظات إعلاميّة يصطحبها ضَمْخٌ من عِطر مسرح شاطئ الراحة وجمهوره الذوّاقة الذي أمسى يتفاعل مع الكلمة الجميلة، والإيقاع الآسر، فيصفّق لهما تصفيقاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©