السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق··· وخطأ التحرش بأبنائه

العراق··· وخطأ التحرش بأبنائه
28 أغسطس 2008 00:51
تلوح في سماء العراق نذر عاصفة تهدد الاستقرار الهش، لا سيما بعد قيام الحكومة المركزية خلال الأسابيع الماضية بمجموعة من الخطوات تستهدف اعتقال، وترويع عشرات الآلاف من المتطوعين السنة المعروفين باسم ''أبناء العراق''؛ فبعد عودتنا من الزيارة التي قادتنا إلى العراق في الشهر الماضي بدعوة من قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ''ديفيد بترايوس''، خرجنا بخلاصة مؤداها أنه إذا استمر رئيس الوزراء ''نوري المالكي'' ومستشاروه في تحريك الأجندة المذهبية، سيغرق البلد من جديد في دوامة العنف والفوضى تماماً كما كان عليه الأمر في السابق؛ ولعله من المفيد التذكير هنا بأن جزءاً كبيراً من التقدم الأمني الذي أحرزه العراق في الشهور الأخيرة يرجع بالأساس إلى سلسلة القرارات التي اتخذها القادة السنة أواخر العام 2006 بالانقلاب على تنظيم ''القاعدة'' في العراق والتعاون مع القوات الأميركية في محافظة الأنبار· فبعد المعاملة القاسية التي خضع لها أبناء السنة من قبل ''القاعدة''، تقدم قادتهم بعرض واضح إلى القوات الأميركية بتحالف أميركا مع القبائل السنية مقابل توجيه هذه الأخيرة سلاحها إلى ''القاعدة'' بدل القوات الأميركية؛ وعلى امتداد 2007 استغل القادة الأميركيون هذا التوجه السني الذي أصبح يطلق عليه ''مجالس الصحوة'' لنسج شبكة من التحالفات مع القبائل السنية والمتمردين السابقين ساهمت، في تضييق الخناق على ''القاعدة'' وإحكام القبضة عليها إلى درجة تقترب من دفعها إلى الانقراض والزوال؛ وقد بلغ حالياً عدد أفراد ''أبناء العراق'' 100 ألف متطوع يتلقون راتباً شهرياً من القوات الأميركية يصل إلى 300 دولار لتوفير الأمن في مختلف أحياء المدن العراقية، وهون ما لقي استحسان الأميركيين، وتعهدهم بعدم التخلي عنهم· لكن وعلى ما يبدو أن الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة مصممة على القيام بعكس بذلك، لا سيما وأن المالكي ومستشاريه لم يقبلوا أبداً بإدماج عناصر ''الصحوة السنية''، مقتنعين أن ''مجالس الصحوة'' ليست سوى وسيلة للمتمردين لكسب الوقت واختراق الأجهزة الأمنية للدولة، تمهيداً للرجوع إلى العنف؛ غير أن حكومة المالكي بضعفها المزمن في العام 2007 وعدم جاهزية الجيش لتولي العمليات القتالية قبلت على مضض بالمطالب الأميركية ووافقت، بعد لأي، على إدماج 20 بالمائة من ''أبناء العراق'' في القوات الأمنية؛ هذا التوجـــه يبدو أن الحكومة العراقية بدأت تتراجع عنه خلال الفترة الأخيرة في ظل الثقة المتنامية بالنفس التي تستشعرها؛ وقد كان لافتاً أنه على امتداد الزيارة الأخيرة التي قمنا بها إلى العراق، أجمع كل الذين تكلمنا معهم من قادة عسكريين وضباط استخبارات، ودبلوماسيين على العجرفة التي باتت تطبع مواقف الحكومة العراقية· والظاهر أن النجاحات التي حققتها الحكومة العراقية في الآونة الأخيرة سواء في البصرة، أو في مدينة الصدر أقنعت دائرة المستشارين المقربة من حكومة المالكي بأن الجيش العراقي لم يعد في حاجة إلى المساعدة الأميركية، بحيث شرعت الحكومة، التي استعادت ثقتها بنفسها، في التحرك ضد خصومها بمن فيهم أبناء مجالس الصحوة السنية؛ ورغم تعهد حكومة المالكي في وقت سابق بإدماج 20 بالمائة من عناصر الصحوة في قوات الأمن، أو في الوظائف المدنية، إلا أن عدداً قليلا فقط منهم تم استيعابه فعلا في أجهزة الدولة، وعندما سئل الجنرال ''بترايوس'' مؤخراً في لقاء صحفي عما إذا كانت الحكومة العراقية تعرقل إدماج المتطوعين السنة أجاب ''ذلك بالفعل ما يتم على أرض الواقع''؛ والأسوأ من ذلك أنه على مدى الأسابيع القليلة الماضية أقدمت وحدات خاصة في الجيش العراقي على اعتقال أفراد مجالس الصحوة، وفككت نقاط التفتيش، كما تحرشت بالمتطوعين المحليين الذين يسهرون على توفير الأمن في أحياء بغداد· وحسب بعض التسريبات توجد لدى الحكومة خطة لاعتقال المئات من ''أبناء العراق'' خلال الأسابيع القادمة، وهو ما عبر عنه جنرال في الجيش العراقي قائلا: ''لقد أصبح هؤلاء الأشخاص مثل السرطان علينا استئصالهم''· وعندما توجهنا بالسؤال إلى العديد من ''أبناء العراق'' خلال جولتنا الأخيرة حول ردة فعلهم في حال واصلت الحكومة خطتها الرامية إلى التضييق على ''مجالس الصحوة'' ورفضت إدماجهم في هياكل الدولة كان الجواب واحداً ''ستكون هنـــاك العديد من المشاكل''؛ والواقع أن النتيجة التي ستقود إليها تصرفات الحكومة العراقية واضحة لا تحتمل التأويل؛ فما يجري حالياً في العراق من تصعيد داخلي يؤشر على مدى ضعف الاستراتيجية التي اعتمدتها إدارة بوش في العراق والقائمة على تقديم الدعم غير المشروط لحكومة المالكي· فقد قامت خطة الرفع من عدد القوات الأميركية -كما وصفها الرئيس بوش في شهر يناير من العام 2007- على اعتقاد مفاده أن التقليل من حدة العنف سيوفر لقادة العراق فرصة لإنجاز المصالحة السياسية؛ لكن ذلك لم يحصل، رغم التحسن الملحوظ في الوضع الأمني، بحيث انقلبت المشكلة من ضعف حكومة المالكي وعجزها في العام 2007 في ظل الحرب الأهلية إلى رفضها في العام 2008 استيعاب خصومها السياسيين بعدما حازت ثقة أكبر في نفسها؛ ولعل هذا ما يفرض على الولايات المتحدة إعـــادة صوغ استراتيجيتهـــا في العراق، بحيث تستغـــل ما تبقى لها من نفوذ لضمان التزام حكومة المالكي بتعهداتها والكــف عن ملاحقـــة ''أبنــاء العراق''· شون بريملي وكولين كاهل باحثان في مركز الأمن الأميركي الجديد ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©