الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حدود القوة

28 أغسطس 2008 00:53
في جلسة استثنائية طارئة، أجاز البرلمان الروسي اقتراحاً بالإجماع يدعو الحكومة الروسية إلى ''الاعتراف بأوستيا وأبخازيا دولتين مستقلتين''؛ لقد كانت الجلسة الاستثنائية والكلمات الحماسية التي تردد صداها في قاعة البرلمان، أشبه بمظاهرة روسية؛ الملفت للنظر أن زعماء الإقليمين الانفصاليين قد حضروا الجلسة من شرفات الزوار وحياهم النواب بالتصفيق الحار وقوفاً، في حين أندفع رئيس البرلمان في الهجوم على رئيس جمهورية جورجيا مشبها إياه ''هتلر'' جديدا، وأن عدوانه على الإقليم الصغير أشبه بالعدوان النازي على الاتحاد السوفييتي· قرار البرلمان الروسي -والذي ستسارع ''الحكومة الروسية الديمقراطية'' بالاستجابة له- لا يضيف جديداً في ''الحرب الكلامية'' بين روسيا وجورجيا، فهو في الواقع أكثر من أنه رسالة مؤكدة للرئيس الجورجي وحلفائه الغربيين، بأن روسيا عازمة على تأكيد أنها لن تسمح لهم بالتمدد إلى حدودها الاستراتيجية، وأن تلك قضية وطنية لن يختلف عليها الروس أياً كان الرئيس الحاكم في الكريملن· إن ''الحرب الصغيرة'' -بدأت قبل أسابيع بـ''هجوم مفاجئ''، كما عبرت أجهزة الإعلام الروسية، قام به الجيش الجورجي بناءً على تعليمات الرئيس الجورجي- أتاحت لـ''بوتين'' وحكومته الفرصة بأن يضعوا على طاولة البحث -بالمدافع- علاقة روسيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتعبير بالسلاح عن شكوكهم الوطنية تجاه شركائهم الجدد في عالم ما بعد الحرب الباردة (الولايات المتحدة وأوروبا)، وهي شكوك ليست خافية حتى على المواطن الروسي العادي، إن الولايات المتحدة (الصديقة) وأوروبا هدفهم الأساسي والمستمر هو تحجيم روسيا مهما بدأت روسيا ديمقراطية ومسالمة ومتعاونة، وأن كل الحديث المنسق حول شبكات الصواريخ الأميركية التي توشك أن تلامس الأراضي الروسية -والتي تقول أميركا إن هدفها دفاعي ضد الدول المارقة مثل إيران وكوريا- إنما هو جزء من خطة الغرب الاستراتيجية نحو تحجيم روسيا كما كانت أيام الحرب الباردة والاتحاد السوفييتي· إن غلطة الرئيس الجورجي الذي يحظى بإعجاب الأميركيين ودعمهم، أنه قد استعجل في الوقت غير المناسب لفتح جبهة من روسيا، متصوراً أن ذلك سيعجل بادخال بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وفي تقدير كثير من المراقبين أن عملية هجوم الجيش الجورجي المفاجئ لم تكن مفاجئة للروس، فليس معقولاً أن الأجهزة الروسية لم تكن قد فوجئت بهذا الهجوم الخائب، بل إنه في رأي بعض المراقبين الأصدقاء لجورجيا أن الروس قد استدرجوا الرئيس الذكي إلى فخ انتظروه عنده ليكــون هو البادئ بالعدوان، وأنه رغم ما يوصـــف به من ذكاء قد وقع في الفخ المنصـــوب· إن روسيا مثل الولايات المتحدة ومثل أي دولة كبرى، لن تسمح بمهددات لأمنها الوطني ليس في عالم اليوم بل على الدوام وعبر التاريخ، والروس الذين عاشوا سواء عن رضاء أم لا انهيار ''الإمبراطورية السوفييتية'' لن يسمحوا للأميركيين بتهديد ''أمنهم الوطني'' بإقامة أنظمة موالية لهم في جوار حدودهم الجغرافية الوطنية، وأن غلطة الرئيس الجورجي أنه تصور عندما أمر الجيش بالهجوم، أن الولايات المتحدة وأوروبا ستدخلان في ''نزاع مسلح'' مع روسيا لتلبية طموحاته الجورجية الوطنية، وقد فات عليه أنه لا الولايات المتحدة ولا أوروبا مستعدتين الآن وليس في مستقبل منظور، العودة إلى أجواء الحرب الباردة والحرب العالمية؛ كما أن الحرب الصغيرة التي بدأت بهجوم الجيش الجورجي ستنتهي مثل غيرها من ''الحروب الصغيرة'' وستعود أجواء التعاون الدولي بين روسيا وأميركا بعد حين، كما كانت قبل ليلة الهجوم الجورجي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©