الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرائبي والمتخيّل في متن واحد

الغرائبي والمتخيّل في متن واحد
12 ابريل 2012
الرحلات عالم ساحر من الرؤى لاستكشاف الأمكنة من خلال التاريخ والجغرافيا، وإذا كانت الرحلات تجارب ومغامرات وروىً للآخر، فهي أيضاً وصف توثيقي، وأنثروبولوجيا، وإثنولوجيا وسعة أفق، وإيمان بوحدة بني البشر. وقد برز في الأدب الجغرافي العربي رحالة بارزون لهم رحلاتهم التي دونوا فيها مشاهداتهم للأمصار العربية والإسلامية والغربية التي وصلوها بعد عقود، ومن أبرزهم الرحالة ابن جبير وابن بطوطة وغيرهما. كما اهتم بنصوص الرحلات في التراث العربي أخيراً نُقاد الأدب، والمهتمون بالعلاقات بين الثقافات والحضارات، والمتتبعون للعجيب والغريب وإبداعياتهما. عرفت البشرية الرّحلة باعتبارها فعلا إنسانياً في كل المراحل وبأشكال مختلفة، حاملة لتجارب وخبرات اختلط فيها اليومي بالمتخيل بتلوينات وإشارات دالة وبمسارات ومنطلقات عدة في البحث، منها كيفية تجنيس الرّحلة عبر مراحلها المتشابكة من جهة، وآليات الكتابة بما تتضمنه من مكونات من جهة أخرى. ثم يأتي خطاب المتخيل وما يحفل به من معطيات أدبية من جهة ثالثة. وتضمن هذا الكتاب “الرّحلة في الأدب العربي، التجنيس، آليات الكتابة، وخطاب المُتخيّل” لمؤلفه الدكتور شعيب حليفي، الصادر عن دار رؤية للنشر والتوزيع في القاهرة، على ثلاثة أقسام كل واحد يتوزع إلى فصول عدة، ويقع في 576 صفحة من القطع المتوسط. عرض الدكتور شعيب حليفي في هذا الكتاب للرحلة العربية بمفهومها المُطلق في وجودها ونموّها ومميزاتها التي تلتقي مع بعض خصوصيات الرحلات الإنسانية مع تبيان النوع في الأشكال الرحلية من حيث هي منتج “لخطاب”، كما هي منتجة لمعارف متباينة. كما كشف حليفي عن الهوية الثقافية والاجتماعية للرحالة سواء كان أدبياً أو مؤرخاً أو جغرافياً أو مُصنفاً أو غيرها من الصفات التي تطبع هويته، وبالتالي تطبع النصّ الرحلي عبر مقاربة نصوص ممتدة خلال ثمانية قرون (10-18هـ)، لكل من الرحالة: أبي دُلف، ابن فضلان، الغرناطي، ابن جبير، ابن منقذ، ابن بطوطة، وذلك بتحليل متدرج بين الطرح النظري والتحليل النصيّ من خلال مستويات كبرى هي: آليات الكتابة ، تجنيس الرّحلة، خطاب المتخيل. أورد المؤلف في القسم الأول: تجنس الرّحلة، وضمن الفصل الأول: للرحلة، المفهوم والأسس، وفي الفصل الثاني: من العنصر إلى البنية، أما الفصل الثالث فعن: الأنواع ومرجع العين والذاكرة، والرّحلة الفعلية، والرّحلة المتخيلة. وتناول في الفصل الأول للانتساب المنفتح، الوعي بالرّحلة نصّاً وخطاباً، التراجم، دائرة التخصيب، السيرة، التراجم، التاريخ، الجغرافية، السجلات الاجتماعية، الخانة الفارغة، الحكي والخبر، الشعر، الرسالة، اليوميات، تحليلات أخرى. ثم تحدث عن مقترح لمفهوم الرّحلة. وقال عن مقترحه هذا: وتأتي صعوبة تحديد وصياغة مفهوم للرحلة من عدّة اعتبارات أساسية منها: غياب تعاريف دقيقة، وجود نصوص رحلية كثيرة ثريّة ومتنوعة، وانفتاح النصّ الرحلي على عناصر أخرى متحركة تحضر أو تختفي بدرجات متفاوتة بين النصوص. ثم عرّج حليفي في الفصل الثاني لبيان حركة الفعل والإنجاز من خلال دائرة مركبة تتمثل في: قطب الحكي، الصراع العام، الصراع الداخلي ـ الذاتي، ثم عرض للحظة الأولى: الرّحلة ظاهرة اجتماعية، جاء فيها قوله: وهي اللحظة التي تجلّت فيها الرّحلة الفعلية، وقد استدعتها الظروف والحاجة دون اللجوء إلى التدوين أو إيداع التجربة في قالب” حكائي”... وتناول أيضاً: رحلات الحروب، واللحظة الثانية: الرّحلة هدف مشترك، لأنّ النصّ الرحلي في العصر الإسلامي اتخذ حركة أخرى مميزة على مستوى الانتقال من الشفوي إلى التدوين، حيث جسد القرآن الكريم مجموعة من الرحلات التاريخية المُستعادة، وسجلها تحت اسم القَصَص القرآني، إضافة على نوع آخر متزامن تجسّد في الواقع، وهو رحلات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، مما ألهَمَ العيد من الباحثين إلى ربط الرّحلة بالدين. أما اللحظة الثالثة فهي: الإرث الحكائي والرّحلة، وقد اتخذ عنصر الرّحلة وضعيته داخل بنية الكتابة السردية العربية القديمة ابتداءً من التدوين بطابعين يَسِمَانِه هما: بنية رحلية في الزمان والمكان، وبنية رحلية في الذاكرة تجنح نحو الخيالي... كما عرض شعيب حليفي في الفصل الثالث “الأنواع والمرجع”، جاء في أولاً: الرّحلة، مسار التنوع، من خلال: نصوص رحلية في الوجود الفيزيقي، نصوص رحلية مُتخيلة، وفي ثانياً: النصّ والنوع، حيث حدد خمسة أشكال بحسب اتجاهاتها إلى المكان المُرتحل إليه: “رحلات داخلية في نفس بلد الرّحلة، رحلات خارجية في المحيط الإسلامي، رحلات خارجية في المحيط غير الإسلامي” المسيحي”، رحلات استيهامية دنيوية، ورحلات استيهامية أُخروية. وجاء القسم الثاني للكتاب “آليات الكتابة في النصّ الرحلي”، استكمالاً للبحث في المحور نفسه، وذلك بمقارنته لثنائية مهمة في الشكل”من العنصر إلى البنية”، في لحظات نمو الرّحلة وتطورها من كونها ظاهرة اجتماعية ثم هدفاً مشتركاً إلى مرحلة النضج داخل بنية الإرث الحكائي، وذلك من خلال خمسة فصول، قدم الفصل الأول: عتبات النص الرحلي، والعنوان العلامة السردية، خطاب التقديم وتأطير النص، البداية والمشهد الجذري. وذكر أنّ عتبات النصّ الرحلي كونها علامات ومفاتيح، فهي جُملٌ سردية متعلقة أساساً بالبنية الدلالية للمتن، تؤسس لمعانيه وتبحث فيها، وهي أيضاً مرآة أو مرايا ثلاث متجاورة توجه المتلقي، وتقوده إلى خيالات الواقع، وقد أوضحها بالشرح والتفصيل وهي: العنوان في السرد، أشكال وأنواع وقسمها إلى أربع حركات، ثم الخصائص والقوانين. بعدها عرض لخطاب التقديم وتأطير النصّ: المقدمة والنصّ، تمظهرات الوعي بالكتابة الرحلية، هوية الخطاب المُضمرة... بينما تناول الفصل الثاني: “السرد وبنية الجملة”، سردية الرّحلة، وتتضمن طبقتين مختلفتي الألوان والوتيرة مرتبطتين بالحركة وهي: سردية العبور، سردية الوصول. وعرض الفصل الثالث: البناء والخصوصية، لكل من الصورة، الراوي، وتذويت الكتابة، والآخر. وتناول المؤلف فيه لعلم الصورة، تمظهرات الصورة في الرّحلة، مبدأ الوصف. وجاء الفصل الرابع بعنوان: المبدأ الواقعي، الذي تحدث حول ببنية الفضاء والزمن، ولآليات تلقي الأخيلة، حيث يتشيد المبدأ الواقعي في النصّ الرحلي بالصورة النسبية التي تجعله متراوحاً بين التقريرية والاحتمالية، أي بين المشاهدات من زاوية التقاط اللامألوف في الزمان والمكان والإنسان والمسموعات والتهيؤات، مما أعطى للرحلة مساراً حافلاً بالتأويل والقراءات. ثم يقول: فكل رحلة تخلق عالمين متقابلين بجسر واحد: الأول للراوي الرحالة المتحرك في إطار مكاني وزماني معين. بينما الثاني للمتلقي الذي يختزن أسراره وآفاق انتظاره العامرة بالغرائبي والبحث عن العجيب واللامألوف، فينشطر في مرآة الرّحلة إلى صورتين: متلقٍ مُعين، حقيقي، والمتلقي الثاني هو صورة من الأول، قريبة أو بعيدة يحددها الهدف المسطّر. وختم هذا القسم بالفصل الخامس: شعرية النصّ الرحلي “نموذج تحليلي”، عرض فيه: لسرديات المكونات، والرّحلة والتجربة. وعالج القسم الثالث للكتاب “خطاب المتخيل”، عبر فصلين، الأول: الحلم، وفيه ثلاث مقدمات، ثم عالج مستويات الحلم في الرّحلة، أشكال وعلاقات الحلم، وثلاث سمات. والفصل الثاني: العجائبي، الذي تناول فيه مؤلف الكتاب لحدود العجائبي بثلاث مقدمات، أعقبه بمسارات التعجيب المتمثلة بالغيبي، الخارق، المسخ والتحوّل، والاختفاء الذي قال عنه: يتحقق الاختفاء بصفته عنصراً يؤجج العجائبي ويعمق مساربه خالقا نفقا آخر في جسم النصّ الرحلي للارتباط بالشرايين الأخرى التي تبقى غير بعيدة عن أفق النسق الثقافي الذي أنتج السرود العربية. وختم شعيب حليفي كتابه بـ”تركيب” الذي ضمنّه خمسة موضوعات هي: قائمة بأسماء المراجع والمصادر، قائمة بأسماء المؤلفات الجماعية، المعاجم والموسوعات، المجلات والدوريات، وملحق بيبلوغرافي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©