وقائع العالم الافتراضي

يرصد الإصدار الثاني عشر من سلسلة كتب “معارف” (مؤسّسة الفكر العربي) ما دار في الفضاء الرقمي التفاعلي العربي، من مدوّنات ومنتديات وصفحات ومجموعات فيس بوك خلال العام 2010، موثّقاً ما جرى من توجّهات، وما أُثير من قضايا شغلت اهتمام الشباب العربي والعرب بعامّة، في هذا العام الفاصل، من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والخدمية وغيرها. بحيث يمكن بذلك للقارئ العربي تلمّس بعض ملامح التغيير الجاري أو المتوقّع في الوطن العربي، ولاسيما أن الكتاب استند إلى عيّنة من المحتوى العربي في الفضاء الرقمي التفاعلي على مستويين: الأول، هو مستوى وحدات التحليل، أي المدوّنات والمنتديات وصفحات ومجموعات الفيس بوك. والثاني، هو المواد الموجودة داخل وحدات التحليل، والمقصود بها التدوينات داخل المدوّنات، والمشاركات داخل المنتديات، والمشاركات داخل الصفحات والمجموعات في الفيس بوك. فتشكّلت عيِّنة البحث من 107 آلاف و659 وحدة تحليل، موزّعة على 16 ألفاً و631 منتدى، و12 ألفاً و934 مدوّنة، و78 ألفاً و94 صفحة ومجموعة على الفيس بوك. أما مواد التحليل فبلغت 661 ألفاً و715 مادة تحليل في المنتديات، و120 ألفاً و757 مادة في المدوَّنات و155ألفاً و107 موادّ في الفيس بوك، بمجموع يصل إلى 937 ألفاً و579 مادة. قضايا الإنترنت يوضح ترتيب القضايا المثارة، عبر الفضاء الرقمي التفاعلي العربي في العام 2010 (مدوّنات، منتديات، فيس بوك) طبقاً لموقع كلّ قضية في قنوات النشر الثلاث أن هذه القضايا سارت في مسارين رئيسيّين، أحدهما يتعلق بقضايا “الشأن الخاص”، التي تدور في الفلك الضيّق للشخص واهتماماته العائلية والعملية والاجتماعية، والآخر بقضايا “الشأن العام”، التي تدور في فلك المجتمع والوطن والهموم المشتركة قومياً وإنسانياً في آفاقها الرحبة الواسعة. ففي مجال اهتمام المدوّنات العربية (بصفة عامة) بالشأن العام أتت قضية الثقافة والأدب والفكر في المركز الأول بين قضايا الشأن العام، وفي المركز السادس بين ترتيب القضايا ككلّ في المنتديات، وأتت قضية الأفلام والسينما والأغاني في المركز الأول بين قضايا الشأن الخاص، وفي المركز الأول بين ترتيب قضايا الفيس بوك ككلّ. وقد تبيَّن مثلاً، أن الشخص في قضايا الشأن الخاص، يبحث داخل الفضاء الرقمي التفاعلي عن الترفيه عبر الأفلام والمسلسلات وعن سبل أفضل لتسيير تفاصيل حياته اليومية عبر النصائح والإرشادات، وعن الصحة الجسدية والنفسية عبر قضايا الطبّ، وعن الغذاء الروحي عبر القضايا الدينية، ثم إشباع النهم الاستهلاكي العصري عبر التعاطي مع قضايا التكنولوجيا والإنترنت ومهارات استخدامها. أما الدائرة الأصغر التي تشكّل ما يناهز ثلث اهتمامات المستخدمين للفيس بوك (30% تحديداً) ففي داخلها خمسون قضية، يختلط فيها الشأن العام مع الشأن الخاص، وإن كانت الغلبة فيها أيضاً لقضايا الشأن الخاص التي تتبوأ الكثير من المراكز المتقدّمة في قائمة أكثر القضايا انتشاراً واهتماماً على الفيس بوك؛ فهناك قضايا الرياضة في المركز السادس، والمطربون والمطربات في المركز السابع، والطبّ والصحة في المركز التاسع، والأفلام والسينما في المركز العاشر، والتلفزيون في المركز الحادي عشر. من بين قضايا الشأن العام تظهر القضايا الاجتماعية وقضايا الثقافة والفكر في المركزين الرابع والخامس على التوالي في الفيس بوك، وبعد ذلك لا تظهر قضايا الشأن العام إلا متأخرةً، كالإعلام وحرية التعبير، والتربية، والتعليم، والعلوم، والمؤسّسات السياسية، وقضية فلسطين، وحقوق الإنسان، واتفاقيات السلام، والبيئة، والموارد، وغيرها. ولا يختلف الحال كثيراً في المدوّنات والمنتديات. أما أبرز قضايا الشأن الخاص فتمثّلت في قضية الأسرة، الأفلام والسينما والأغاني، الإنترنت والمعلوماتية، التلفزيون والفضائيات، الخواطر والمشاعر، الرياضة، الطبّ والصحة، فضلاً عن 26 قضية دينية فرعية، وهي: الأدعية، والأناشيد، والأزهر، والاقتصاد الإسلامي، والأنبياء والرسل، والتطرّف الديني، والتوحيد، والخطاب الديني، والخلافة، والربا، والرقية الشرعية، والسنة النبوية، والشريعة الإسلامية، والفتاوى الدينية، والكتب المقدسة، والمذاهب الدينية، والوحي، والأماكن المقدسة، والمباني الدينية، وتطبيق الشريعة، وتغيير الديانة، وشخصيات دينية، وعبادات وقضايا دينية عامة، ومقارنة الأديان، ونهاية العالم في الأديان. تصنيف جغرافي عن نمط انتشار القضايا داخل البلدان العربية، يطلعنا الكتاب أن هناك تبايناً واضحاً بين الترتيب العام للقضايا، وترتيب القضايا نفسها داخل كلّ دولة عربية على حدة. إذ لوحظ تنوعٌ واضحٌ في خيارات كلّ شعب عربي واختياراته للقضايا التي يهتمّ بها عبر المنتديات. فلم تكن قضية الأفلام والسينما والأغاني، التي احتلّت المرتبة الأولى في الترتيب العام للقضايا المثارة مثلاً، هي الاختيار الأول لكلّ الشعوب العربية؛ فمن بين عشرين دولة عربية شملها التحليل كانت هذه القضية هي الاختيار الأول في ثلاث دول فقط، هي مصر والسعودية والعراق، علاوةً على الذين يشتركون في منتديات عربية ويقيمون خارج الوطن العربي. كما تنوّعت القضايا التي تحتلّ المركز الأول في الدول العربية الأخرى التي لم تخْتَرْ السينما والأفلام كاختيار أول. هذا، وبيّنت خريطة توزيع القضايا المثارة عبر الفيس بوك على الدول العربية، وفي ضوء القضايا التي احتلّت المراكز الخمسة الأول والأخيرة لدى مواطني كلّ دولة، أن خيارات المستخدمين مرتبطة إلى حدّ كبير بما يعايشونه على المستوى المحلّي والوطني؛ فاختيارات الفلسطينيّين جاءت من رحم المعاناة التي يعيشونها، وخيارات مستخدمي الفيس بوك في بلدان مثل مصر وتونس ولبنان والبحرين، كانت مركَّزةً على قضايا الشأن العام ذات العلاقة بالأوضاع السياسية السائدة في كلّ بلد على حدة. وهكذا بدا واضحاً أن الأوضاع السياسية والاجتماعية تلقي بظلالها على هذا التوزيع،على الرغم من ضآلة بياناته. فيما بدت بلدان مثل مصر والسعودية والأردن والسودان الدول الأربع الأكثر نشاطاً وإثارة ومتابعةً وتعليقاً على القضايا عَبْرَ الفيس بوك، وقدَّم كلّ منها نمطاً مختلفاً في الاهتمام بالقضايا خلال العام.