الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل الديمقراطية مجرد وعاء؟

هل الديمقراطية مجرد وعاء؟
12 ابريل 2012
كتاب “أشواق الحرية/ مقاربة للموقف السلفي من الديمقراطية” للكاتب السعودي نواف القديمي، يثير العديد من الأسئلة ويحيي روح الجدل والحوار من جديد، حيث هو كما يشير في عنوانه الفرعي أي مقاربة للموقف السلفي من الديمقراطية، هذا العنوان الذي سيفتح لنا عددا من التساؤلات التي يرصدها ويحللها الكاتب وفق رؤية شخصية ومستقلة وبلغة حديثة ـ خصوصا ماجاء في مقدمة الكتاب في طبعته التي صدرت هذا العام 2012، عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر ـ هل الإسلام يرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا؟ هل يرفضها كمفردة ويطبقها كمفهوم؟ وهل يشير ذلك إلى قداسة المفردة لدى البعض حتى لو كانت في بعض قيمها تؤدي إلى نفس المعنى؟ هل هي مفردة موجودة ضمنيا، ولكن لا يتم تطويرها ولا السعي وراء انتاجها من جديد لتكون موائمة ومسايرة ومعاصرة؟ وهل السلفية هي المشكلة تحديدا في خلق فرص كافية للتوحد من مفهوم الديمقراطية؟ ولم لا يكون هناك مفهوم آخر فلسفي أو معرفي تتضح معه المقاربة أكثر؟ هذه أسئلة وجدتني بصددها وأنا في بدء قراءتي للمقدمة ومع أولى فصول الكتاب، وسواء كان الكتاب قد أجاب عنها أو أنها ليست في صميم فكرة الكاتب، فإنني أراها مشروعة على الأقل وقد تفتح أفقا متسعا أمامنا. والحقيقة أن الكاتب القديمي قدم رؤيته عن الديمقراطية بعيدا عن مفهومها لدى البعض والذي يتصل بمفاهيم أخرى كالعلمانية مثلا، بل وقد وضع للديمقراطية محددات تجعل منها هوية لأي قالب ووسيلة وأدوات قد تكون مفرغة من داخلها أو محايدة، وكان ذلك ليرد على بعض السلفيين أيا كانت نوعية سلفيتهم الذين لايرون فصل هذه هذه الارتباطات عن المفاهيم المختلفة، وليقول أن الإسلام في أسسه لا يرفض الديمقراطية كمفهوم أو اذا جاءت من أطياف معينة، فها هو مفهوم الشورى ـ كما يقول ـ الذي قد تطبق عليه دون وجه اختلاف ومفاهيم أخرى إسلامية، مع أن مفهوم الشورى يختلف تماما في تكونه ووجوده عن مفهوم الديمقراطية باختلاف من هم المخول لهم ليكونوا صوتا للشورى: هل هو صوت المجموع والجمهور؟ ويتكئ القديمي في كل هذا على مجموعة من النصوص المأثورة الدينية ليدلل ويستشهد على مقاربته وعلى أن الديمقراطية مفهوم صالح لتبنيه، وانه مفهوم لا يتعارض مع التشريع الإسلامي، ويشير إلى تناقض السلفيين الذي يتضادون مع هذا المفهوم وكيف أنهم في نفس الوقت لايستطيعون ممانعة بعض نظم الدول التي أخذت من الغرب فكرتها في القانون أو الصحة أو التعليم أو الدرجات العلمية المعروفة كالماجستير أو الدكتوراه أو أي هيكلية في الدولة. ونظرا لهذا الموقف يمدد القديمي فكرته ليرى أن الديمقراطية نظام يصلح، ويقترح أن تكون حلا للشعوب الإسلامية والتي بدورها لن ترفض القيمة والمقاربة تلك والتي تحقق لها العدالة والحرية، ولا تمس الأسس الثابتة في الإسلام إذا كانت هي المشكلة. قد نختلف مثل الكثيرين مع القديمي في تفريغ الديمقراطية من قيمها وجعلها مجرد وعاء أو قالب ومجرد “آليات وأدوات إجرائية لتنظيم الحياة السياسية، وطريقة لإدارة الخلاف والصراع السياسي بشكل سلمي”. فالديمقراطية، كما يشير هو في تعريفها المأخوذ عن روسو هي “إرادة الأغلبية”، إذن هي تحمل قيمتها الأخلاقية في وجود الشرط، والذي سينتفي مع وجود الأقلية، وهذه الحمولة لوحدها كفيلة بأن تجعل من المفهوم غير فارغ من قيمها الفكرية وغيرها من القيم، وإنما يريد القديمي أن يقدم تصورا ورؤية يقدم من خلالهما حلولا ومقاربات جديدة من شأنها أن تقلص من اتساع الهوة والمدى بين الموقف السلفي مع الفكرة الديمقراطية، تلك الفكرة التي ظل السلفي متخوفا منها من باب سد هذه النافذة.. وربما لأنها فكرة قد تفتح له في تصوره ما يشعره بالخوف على مفاهيمه ومرجعياته من نصوص أو قيم. من جهة أخرى سنقرأ عند القديمي أنه مع مفاهيم الديمقراطية في حال وافقت شرطه هو ووافقت ما يريد، أن تؤول الديمقراطية إلى ما يعتبره الديمقراطية/ الوعاء، أي انه مع الديمقراطية في حال كانت وعاء تنسكب فيه الفكرة الإسلامية. ولا شك إن القديمي يقدم من خلال جهده الفكري في هذه المقاربة تنويرا متقدما على معطيات المتطرفين وأفكارهم، على الأقل لمجرد دخول هذا المصطلح إلى ساحة الحوار مع السلفي التقليدي أو غيره الذي يرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا، والذي حاول القديمي إقناعه بهذا المفهوم من خلال تمرير فكرة الحيادية وبعيدا عن قضايا مثل المجتمع المدني والدولة والحقوق الإنسانية، وكأنما أراد الكاتب أن يضيف إلى الديمقراطية ما يتوافق مع السلفي وضمن شرطه، ولذا يقول عن السلفيين الذين ينتقدون الديموقراطية على خلفية من التلازم الذي يرونه بين الديموقراطية والعلمانية، أنه إذا ما تم هذا الارتباط فإن القاعدة الصلبة لمنهجية هذا النقد تكون حينئذ قد فقدت العنصر الأهم لنفي المشروعية الدينية. ويستنتج المؤلف إن على الأمة أن تسعى دوما للبحث عن النموذج الأفضل والأكثر التصاقا بالشريعة، والأقرب لترسيخ العدالة، والأوسع تمثيلا للشعوب. وحين نصل إلى إنتاج نموذج أفضل، فلا حرج ساعتها أن نلقي بالنظام الديموقراطي في سلة المهملات كما يقول القديمي، وهو في هذه العبارة وغيرها يبطن الديمقراطية بنقده الخاص في حال لم تتفق مع السلفي، وذلك عبر نقده لما يسميه الديمقراطية الأميركية وعيوبها على سبيل المثال، ما جعلني أتساءل: هل ستكون هنالك ذات العيوب أو عيوبا أقل حينما تكون الديمقراطية إسلامية، أم أن الأمر يتعلق بقراءتنا النفعية ولمجرد دخول المصطلح لأراض لم يعهدها؟ كتاب “أشواق الحرية” جهد يستحق القراءة ويستحق أن نختلف معه ونتفق، فهو يقدم محاورا مهمة من خلال عشرين فصلا، منها ما يحمل عنوانا متسائلا مثل هل الشورى ملزمة أم معلمة؟ وكيف يبدو النقد السلفي للنظام الديمقراطي؟ ومن يقف في وجه الديمقراطية في العالم العربي؟ وكذلك أسئلة مثل: لماذا لا نوفر بدائل أخرى غير الديمقراطية؟ وماذا فعل دعاة الديمقراطية والدستور؟ وماذا لو طالبت الأقلية بتنحية الشريعة؟ ثم يختمها تحت عنوان “الوقود الأخير” حيث يقول في آخر سطور الكتاب “أعتقد أن الوعي بالأزمة هو المدخل الرئيس للوعي بالحل، وأن إدراك عمق المشكلة هو من سيحقن في أوردتنا وقود السعي إلى الخلاص وجرعة الأمل بعالم أفضل”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©