قيل أن رائحة الإنسان«بصمة» خاصة به تميزه عن سائر البشر .. فهل تتسبب الروائح المنفرة في إحداث التباعد، وإفساد التقارب بين الناس؟ وهل صحيح أن للأنوف أدواراً كبيرة تؤثر في رسم علاقات التواصل بين الناس، في العمل والشارع والأماكن العامة بشكل عام، وبين الأزواج بشكل خاص؟ هل يمكن للرائحة غير المقبولة أن تتسبب في تشكيل مشاعر الحب أوالكره، والتقبل أوالتنافر بين الناس؟
(أبوظبي) ـ هناك من يرى أن للشوق رائحة، ولكل نفس رائحة، وللمدينة رائحة، وللحبيب رائحة، وللبيت رائحة، وللذكرى رائحة، وللكراهية رائحة، ولكل مكان رائحة تميزه!
وهناك أيضاً من يذهب إلى رائحة الإنسان عبارة عن “كيمياء” خاصة، وعبق له خصوصيته ينتج عن تفاعل ذاته وكل مكونات العالم المحسوس من حوله!
فإذا كان للأمزجة الذاتية دور في تحديد شكل العلاقة بين الناس، فالمزاج العاطفي والإيجابي، لا يبلغ ذروته ولا يفيض، إلا بعبق الروائح وطيبها.
قد يندهش البعض من أن هناك قضايا عديدة تم الفصل فيها بالتفريق والطلاق بين الزوجين بسبب كراهة الرائحة. واستند الطرف المتضرر في تلك القضايا إلى ما برهن عليه الطب النفسي بأن الرائحة تساهم كثيرًا في شكل وكيفية التقارب أو التباعد بين شريكي الحياة الزوجية!.
مقتضيات الوظيفة
تروي س.م واقعتين حقيقيتين لامست تفاصيلهما، الأولى عندما ضاقت الرئيسة المباشرة في إحدى الشركات، ذرعاً بالرائحة الكريهة التي تنبعث عن أحد الموظفين المتميزين للغاية من حيث الكفاءة المهنية في العمل، لإهماله الشديد في نظافته الشخصية، وحاولت معه كما حاول كثير من الزملاء أن يلفتوا انتباهه لذلك بشكل غير مباشر أكثر من مرة دون جدوى. وفكرت أن تنوه له بمشكلته عبر محادثة هاتفية، لكن خجلها منعها من ذلك، ولم تجد بداً من أن تصارحه بالأمر عن طريق رسالة نصية ، وصارحته بأن مشكلته تجعل من أمر الاستغناء عن خدماته ممكناً، ولأنه يمثل ضيقاً وإزعاجاً لزملائه في العمل. النتيجة أنه غير من نفسه واهتمامه بذاته بدرجة كبيرة للغاية ولأكثر من مائة وثمانين درجة، وانتهت مشكلته إلى الأبد.
أما في الحالة الثانية، وفيها خسر موظف جديد فرصة الاستمرار في وظيفته الجديدة ، حيث اضطر رئيسه إلى اتخاذ قرار عدم تثبيته في الوظيفة رغم كفاءته وقدراته المهنية العالية، بسبب إهماله لنفسه، وانزعاج المحيطين به من سوء وكراهة رائحته، وحيث يتطلب عمله التواصل المباشر مع الآخرين.
المفتاح الأهم
يقول خبير التجميل رامي دانيال: “هناك مهن كثيرة تستلزم التواصل المباشر مع الآخرين، ولعل مهنة التجميل، أو مصففي الشعر، وأطباء الأسنان، وغيرهم يضطرون إلى التعامل والتماس عن قرب بعملائهم وعميلاتهم، وهذا من شأنه أن يلامس مدى تأثير الروائح غير المريحة أو المنفرة عن قرب، وأن ذلك يسبب بالضرورة إزعاجاً وحنقاً وضيقاً ، لكن من الطبيعي أن أجد نفسي في موقف مخجل في التعامل مع هؤلاء، ولا أستطيع أن ألفت انتباههن. ويشير دانيال، إلى دراسة قام بها معهد ألماني يهتم بالعلاقات الزوجية ومشاكلها، تحمل عنوان: “الأنف هو الطريق إلى علاقة زوجية ناجحة”، وذهبت الدراسة إلى أن الأنف يلعب دوراً مهماً في الحياة الزوجية، لأن الجسم له رائحة مميزة أشبه بالبصمة، وهي رائحة لها تأثيراتها على العلاقة الزوجية، وأن أنف الإنسان يلعب أيضاً دورًا أساسيًا في بناء أي علاقة، وخصوصا العلاقة الزوجية، فإذا شم أحد الزوجين رائحة غير مريحة، فقد يعزف عن الإقبال على الآخر.
وهذا ما يؤكد أهمية الرائحة الجميلة والعطرة في لعب دور كبير في تمتين أواصر العلاقات العاطفية بين الزوجين، ويؤكد من شملتهم الدراسة أن الأنف هو مفتاح من مفاتيح العلاقات الزوجية، وأنّ لا أولوية هنا للكلام والتلامس وإظهار المشاعر، تتخطى أولوية الانف، الذي يبادر ويؤثر في تغيير كل المزاج، إن لم تعجبه رائحة نابعة من الشريك، أو من المكان المحيط”.
«جواز سفر»
وترى أحلام الجمالي، اختصاصية في العلاقات العامة والاتصال أن الروائح تؤثر بشكل ملموس على المشاعر والعواطف الإنسانية، سلباً وإيجاباً ولها تداعيات دراماتيكية على السلوك النفسي والعاطفي والانفعالي بكل تأكيد، لأن الرائحة التي تنبعث عن الناس خلال علاقاتهم واتصالاتهم وتعاملاتهم اليومية سواء كانوا في البيت أو مكان العمل، أو في المساجد أو الأسواق والأماكن العامة، أو في أي مكان يكون الاختلاط ضرورياً، كالمصاعد وسيارات الأجرة والمواصلات العامة والحافلات والطائرات وغير ذلك من أماكن تفرض وجود تجمعات، لها فعل مؤثر، سواء بالقبول والارتياح أو الضيق والضجر والنفور، لأن الإنسان بطبيعته يتقبل كل رائحة طيبة، والعكس صحيح، وهذه طبيعة بشرية. فحاسة الشم ترتبط بحركة الهرمونات وبالدوائر العصبية في مخ الإنسان، ودون الشم تفقد حياتنا الكثير من جمالها وبهجتها. ولكل إنسان “جواز سفر شمي” يميزه عن غيره . وتلعب جوازات السفر الشمية دوراً محورياً في التواصل الاجتماعي بين الناس. وقد أكدت الكثير من التجارب على تأثير الروائح والعطور على تغير أمزجة الناس، فهناك روائح مهدئة، وأخرى مستفزة، وجرى تبعاً للنتائج تحديد كيمياء العطور التي تساعد على تهدئة الأعصاب، وتعديل أمزجة الناس”.
حظر الدخول
في نفس السياق، تؤكد فاطمة محمد “موظفة” علاقات عامة، تأثير الروائح المنبعثة من الناس في تحقيق التقارب والتباعد أو النفور فيما بينهم، وتقول:” الرائحة المحببة والمريحة تتفق والفطرة الإنسانية، فإذا التقى جمع من الناس في أي مكان، وكان بينهم من يصدر عنه رائحة منفرة وغير مقبولة وتسبب الاشمئزاز لسبب ما ـ ومصادر الرائحة الكريهة متعددة ومعروفة ـ فمن دون شك سيحاول أغلب الموجودين أن ينصرفوا عن المكان، أو يتعجلوا الابتعاد عنه وعدم الاقتراب منه، والعكس صحيح، كما أننا نجد كثيراً من الزوجات يشكون غضبهن من أزواجهن المدخنين، وتثار كثير من المشاكل والخلافات الزوجية بسبب رائحة الزوج المدخن، وأنا شخصياً أعرف زوجات وأبناء اتفقوا مع الزوج أو الأب بعدم التدخين في المنزل، كما أنه ليس من اللياقة أو الكياسة أن يذهب الشخص إلى مكان عمله، أو يذهب حيث يلتقي أصدقائه وقد أكل بصلاً أو ثوماً وتعبق رائحته المكان، ويسبب ضيقاً وضجراً للآخرين”.
كيمياء خاصة
يوضح الدكتور شريف صقر، أخصائي الأمراض الجلدية بمركز الأمير الطبي في أبوظبي، أن رائحة كل إنسان عبارة عن تفاعل مسببات ذاتية خاصة، وعوامل وسلوكيات وطبائع وثقافة خاصة بكل شخص. وحيث يعرف أن مصدر وأسباب انبعاث الروائح الكريهة أو غير المحببة من أي شخص إنما يرجع لعدة أسباب، منها الأسباب الصحية التي ترتبط بصحة الحلق والفم والأسنان والجيوب الأنفية والجهاز التنفسي، أو لاعتلال الكبد أو الشعب الهوائية، أو أمراض المعدة والسكر، أو بسبب تناول أصناف معينة من المأكولات أو التوابل، أو لأسباب تتعلق بالنظافة الشخصية، والتعرق، والتعرض للأتربة والغبار.
ويشير الدكتور صقر إلى أن الإنسان الطبيعي لديه القدرة على إفراز حوالي لتر من العرق في الساعة الواحدة، وقد ترتفع القدرة إلى ثلاثة لترات في الساعة. وهناك المئات من الخلايا العصبية المتنوعة في الأنف مخصصه للتعرف على الروائح و تحويلها إلى إشارات ترسل للمخ. ويحدث ذلك عندما تصل جزيئات صغيرة جداً من الرائحة إلى الأنف. مهما يكن الشيء الذي تشتمه. فالروائح عامة عبارة عن مواد كيميائية تتطاير وتصل إلى الأنف عن طريق تبخرها، وهذه الأبخرة تثير الخلايا العصبية الموجودة في الأنف مما يمكن الشخص من تمييز الرائحة. وهذه الخلايا أوجدت لالتقاط مختلف الروائح مما يسمح للإنسان من التمييز بين أكثر من 10,000 رائحة. ومن السهولة أن نميز إنساناً معيناً برائحته، وليس بغريب أن نعرف أن البعوض يتعرف وينجذب للإنسان نتيجة الرائحة المنبعثة من جسمه. ولعلاج كراهة الرائحة يتوقف على العلاجات الطبية للأسباب، وتعديل الثقافة الصحية، ونمط الحياة اليومي، والاهتمام بالنظافة الشخصية”.
الأفيال.. وحاسة الأم
تفاعل بكتيري
العرق سائل لا رائحة له بالأصل، لكن رائحة العرق تنجم عن تفاعل بكتيريا الجلد مع الدهون والبروتينات في سائل عرق غدد “أبوكرين”، حيث يُوجد في الجسم حوالي ثلاثة ملايين غدة عرقية، منها نصف مليون في القدمين فقط.
قانون حازم
? في مقاطعة سان لويس أوبيسبو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، قانون حازم يمنع أصحاب الروائح الكريهة من الدخول إلى المكتبة العامة. وهو ما يتفق مع نهي الإسلام في حضور مثل هؤلاء صلاة الجماعة في المساجد حتى لا يسبب أذى للمصلين.
علكة «فارينكا»
? أقدم الخبراء اليابانيون على صنع “علكة “ تسمى “فارينكا” تحتوي على مركبات عطرية تحفز الجسم على إفراز روائح طيبة، وتستمر هذه الإفرازات لست ساعات بعد مضغ العلكة لأول مرة، وحققت انتشاراً واسعاً لفائدتها الملموسة.
حاسة الأم
?أثبت العلم أن الأطفال الرضع يتعرفون على أمهاتهم من رائحتهن، وتترسخ هذه الرائحة في الذاكرة وفي أعمق أعماق الإحساس، ولعل هذا ما يفسر استكانة الرضيع بين ذراعي الأم عندما تضمه إلى صدرها، ومن ثم ترتبط عاطفة الأمومة برائحة أبنائها، حتى أن تستطيع أن تستشعر إن كان ولدها قد دخل البيت أو خرج منه.
الأفيال
? يعرف أن الأفيال تستطيع شم رائحة الإنسان من على مسافة تزيد عن نصف الكيلو متر
كيف نلفت نظر شخص تصدر عنه رائحة كريهة؟
أمر بالغ الحساسية أن يتصادف وجود شخص ما في مكان العمل أو الدراسة أو في مكان دأب الناس أن يلتقوه بينهم، ويصدر عنه لسبب ما روائح كريهة، فيكون من الصعوبة بلا شك أن نلفت نظره إلى تدارك ذلك. الدكتور فؤاد أسعد الخبير الدولي في العلاقات الإنسانية، يقول في ذلك:” من المؤكد أنه أمر بالغ الحرج، لكن الكياسة مطلوبة في مثل هذه الحالات، وإذا نُصح مباشرة ربما يهجر المكان لغير رجعة، وبالإمكان أن نلفت نظره بشكل غير مباشر ودون أن نجرح أحاسيسه ومشاعره، فقد يكون ذلك لأسباب صحية خارجة عن إرادته، أما إذا كان الأمر نتيجة إهمال شخصي منه، أو عدم معرفة، فبالإمكان أن يطرح الأمر للمناقشة العامة دون تخصيص، وفي لباقة وذكاء، وبشكل غير مباشر، وبلغة الجمع، أو نقترح عليه تغيير نوع مزيل التعرق الذي يستخدمه، أو عبر ورقة مكتوبة مجهولة المصدر يتناول فيها تأثير الرائحة الكريهة سلباً وإيجاباً على التواصل بين الناس، أو عبر رسالة إلكترونية، أو من خلال قول نكتة أو مزحة، أو قص حكاية أو موقف مشابه يعالج الأمر أو من شأنه أن يلفت انتباهه. كأن يحكي شخص بشكل عام ولو قصة مختلقة عن زوجة هجرت بيت الزوجية بسبب سوء رائحة زوجها أو العكس، أو أن هناك رئيس إحدى الشركات اضطر إلى الاستغناء عن موظف كفء بسبب رائحته المزعجة، وإهماله لنظافته ومظهره. وبلا شك أن نجاح هذه الطرق أجدى نفعاً، وتتوقف على طريقة سياقها، وثقافة الشخص المستهدف والبيئة وطبيعة العمل الذي يوكل إليه. أما إن كان ذلك لأسباب صحية فلا حرج في أهمية مناقشته في العلاج، وأن ينصح بالإطلاع على الأعراض الجانبية للمرض من قبل الطبيب المعالج، أو من أي شخص ذي دراية ويتطوع بالتحدث إليه مباشرة بلغة مناسبة ولبقة”.
وصفات بسيطة وفعالة
هناك أكثر من وصفة بسيطة ومتاحة يوصي بها خبراء الطب الشعبي، من شأنها أن تساعد الكثيرين في التخلص من الروائح المزعجة للفم أوالجسم بعد الاهتمام بالنظافة الشخصية وصحة الفم والأسنان ، وعلاج الأمراض العضوية إن وجدت، ومنها:
- الاعتماد على حمام “إكليل الجبل” لإزالة رائحة العرق، بنقع مقدار كوبين من عشب “إكليل الجبل” الجاف في نصف ليتر من الماء المغلي ثم يصفى ويُضاف إلى ماء الاستحمام.
ـ طحن قشر الرمان اليابس طحناً ناعماً حتى يصبح كالبودرة. ويفرك بها منطقة الإبطين مرتين في اليوم ولمدة أربعة أيام ، بعدها ستزول الرائحة .
ـ بالنسبة لإزالة الروائح الكريهة للقدم، يمكن خلط ملعقة كبيرة من صودا الخبز مع 2-10 قطرة من الزيت الأساسي المفضل. ثم يمزجا الخليط جيداً في كيس من البلاستيك، ويوضع ملعقة صغيرة من الخليط في الأحذية قبل الاستعمال، حيث يعمل الخليط كعامل مضاد للجراثيم، ويمنع التعرق المفرط ويقضي على البكتيريا الموجودة ويمنع أي إصابات محتملة.
- يتميز الخل بتأثير مقاوم للبكتيريا التي تحلل العرق وتؤدي لفساد رائحته. حيث يمكن تبلل قطعة قماش بالخل الأبيض أو بخل التفاح مخفف بالماء وتنظف به منطقة الإبطين قبل الاستحمام.
ـ تحتوي عصارة الخيار على الماغنسيوم الذي يعمل كمزيل طبيعي للعرق بعد الاستحمام، ويمكن استخدام قطع ثمرة الخيار في حك جلد الإبطين، وتترك لتجف.
ـ لإزالة الرائحة غير المريحة قبل النوم، وللقضاء على بخر يمكن استخدام الزعتر مقدار ثلاثين جراما ويغلى في لتر من الماء لمدة ثلاث دقائق ويمضمض به الفم. أو يمضغ البقدونس لمدة ربع ساعة، ويطرح ثم تؤكل تفاحة خضراء بعدها. وينصح أيضاً بخلط الثوم بالقرنفل بأجزاء متساوية ويعجنان بعسل ويتناول على الريق وعند النوم. كما يمكن فرك اللسان بعجينه من ( قرفه مطحونة ، وهيل مطحون ، وملعقة قرنفل مطحون، ودهن عود )، وتخلط وتكور ويفرك بها اللسان قبل النوم.
ـ من الممكن دعك اللثة والأسنان قبل النوم بزيت الزيتون مع العسل بشكل جيد، ثم يمضمض الفم جيدا، ويستعمل معجون الأسنان بعد ذلك.
عدد اليوم
