الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رحيل غونتر غراس.. الضارب فوق الصفيح السياسي

رحيل غونتر غراس.. الضارب فوق الصفيح السياسي
13 ابريل 2015 22:39
حسونة المصباحي (برلين) توفي، أمس، الأديب الألماني الشهير الحائز على جائزة نوبل في الأدب غونتر غراس عن عمر ناهز 87 عاما، حسبما أعلنت دار نشر «شتايدل» في مدينة جوتينجن الألمانية. ويعتبر غراس من أهم الأدباء الألمان المعاصرين. وكانت الرواية الأولى لغراس بعنوان «طبل الصفيح» قد حققت نجاحا على المستوى العالمي عقب نشرها عام 1959. وبعد ذلك بأربعين عاما حصل غراس على جائزة نوبل للأدب عن مجمل أعماله. وعلى مدار حياته، انخرط غراس في جدالات حول قضايا سياسية - اجتماعية، حيث دعم سياسة التصالح مع بولندا للمستشار الألماني الأسبق فيلي برانت، كما دعم المعارك الانتخابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي. وأثار غراس العديد من المناقشات الجدلية، كان آخرها عام 2012 بسبب تأليفه قصيدة ناقدة لإسرائيل. ومن الأعمال الشهيرة لغراس «ثلاثية دانتسيش» التي نشرت مطلع ستينيات القرن الماضي، وتضم بجانب رواية «طبل الصفيح» رواية «القطة والفأر» (1961) و«سنوات الكلاب» (1963). وبعد ذلك بحوالي نصف قرن كتب جراس «ثلاثية الذكريات»، والتي تضم ثلاثة كتب سيرة ذاتية بعناوين «تقشير البصلة» (2006) و«الصندوق» (2008) و«كلمات جريم» (2010). رجل المعارك وبرحيل غونتر غراس عن سنّ تناهز 88 عاما، تكون ألمانيا قد فقدت واحدا من آخر العمالقة الذين صنعوا مجد الأدب الألماني بعد الهزيمة المدوية التي منيت بها بلادهم في نهاية الحرب الكونيّة الثانية. ومنذ بداية مسيرته الأدبية في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وحتى رحيله، لم ينقطع غونتر غراس عن النبش في التاريخ الألماني المعاصر للبحث عن «جذور الشر» التي أدت إلى ظهور النازيّة. كما ظلّ دائما وأبدا الصوت العالي المدافع باستماتة عن العدالة والحرية، سابحا غالب الأحيان ضدّ التيّار، ومثيرا معارك طاحنة بشأن القضايا الحارقة المتصلة بألمانيا وبالعالم. وكان تتويجه بجائزة نوبل للآداب عام 1999، اعترافا له بما قدمه للأدب الألماني والعالمي من أعمال تميزت بالجرأة، وبإنسانية عالية، وبقدرة فائقة على ابتكار لغة جديدة، وأساليب فنية رائعة بها تأثر العديد من الكتاب في جميع أنحاء العالم. ولد غونتر غراس في مدينة جدانسك الواقعة على الحدود الفاصلة بين ألمانيا وبولونيا في الخامس عشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1927. وكان والده يعمل في مصنع للورق. أمّا والدته فكانت تملك محلاّ تجاريّا صغيرا. وكانت مدينة جدانسك التي كانت في ذلك الوقت تسمى «دانتسيك» مثالا للتعايش السلمي بين الأقليات، والأديان، واللغات الشيء الذي ساعد غونتر غراس على أن «يتطهّر» مبكّرا من كلّ المشاعر الشوفينيّة، والعنصريّة التي اجتاحت ألمانيا بينما كان هو يخطو خطواته الأولى. وفي عام 1945، وكانت الحرب الكونية الثانية تشرف على نهايتها، جنّد، وأرسل إلى جبهات القتال ليعيش تجربة الحرب المريرة تماما مثلما كان الحال بالنسبة لهاينريش بل. جريح الحرب وبالقرب من برلين أصيب بجراح خطيرة أثناء معارك طاحنة مع الجيش الأحمر. بعدها ألقي عليه القبض، وأرسل إلى أحد المعسكرات في بافاريا، جنوب ألمانيا، يشرف عليه جنود أمريكيّون. بعد إطلاق سراحه، حاول مواصلة دراسته، غير انه سرعان ما انصرف عن ذلك غير آسف ليعمل في مناجم البوتاس بالقرب من مدينة هانوفر. وكانت ألمانيا لا تزال تئنّ تحت خرائب الحرب، وفواجعها عندما أعلن أدباء، وشعراء شبّان عائدون من جبهات القتال التي أرسلوا إليها مرغمين، عن تأسيس مجموعة أدبية أطلقوا عليها اسم: «مجموعة 47». وعن الهدف من وراء بعث هذه المجموعة، كتب احد مؤسسيها يقول: «نادرا ما انفتحت في تاريخ بلد خسر الحرب، وأكثر من الحرب، هوّة ثقافية بين جيلين كما هو الحال في ألمانيا عقب الحرب الكونية الثانية. فقد كان هناك جيل يتكلّم، وجيل صامت. والذين فضّلوا البقاء صامتين هم الشبان الذين ظلّوا بكما أمام هول الفاجعة. لذا كان عليهم أن يتكلّموا، وعليهم أن يرفعوا أصواتهم من تحت الأنقاض ليقولوا الحقيقة بمسؤوليّة كبيرة». وكان غونتر غراس واحدا من الذين رفعوا أصواتهم من تحت الأنقاض ليكونوا شاهدين على ما رأوا، وسمعوا خلال الحقبة النازية السوداء. ومنذ البداية لفتت قصائده، ونصوصه انتباه رفاقه في مجموعة 47 من أمثال هاينريش بل، ومارتن فالسر، وألفريد اندريش. إلاّ أن غونتر غراس كان يعلم أن الطريق طويل، وأن حرق المراحل يمكن أن يقتل موهبته قبل اكتمالها. لذا فضّل أن يتمهّل، وأن ينصرف الى العمل الجاد في انتظار اللحظة المناسبة. وبعد أن عثر على والديه اللذين فرّا من دانتسيك عندما دخلها النازيون، التحق بأكاديمية الفنون الجميلة في ديسلدورف لغرض دراسة الرسم، والنحت. رحلة طويلة وفي عام 1954، عقب رحلة طويلة عبر إيطاليا، وفرنسا، تزوّج من أنّا شفارس، السويسرية الجنسية. وبعد أن أصدر مجموعة شعرية عام 1956، وأقام معرضا في شتوتجارت، انطلق إلى باريس بصحبة زوجته التي كانت ترغب في تحسين مستواها في الرقص، ومعها أقام في شقّة بغرفة واحدة، ومطبخ صغير على مدى أربع سنوات. وبالرغم من الصعوبات المادية التي كانت تحوّل أحيانا حياته، وحياة زوجته الى جحيم، ظلّ غونتر غراس منكبّا على كتابة روايته الأولى «طبل الصفيح» التي ستدخله الى عالم الكبار في مجال الأدب. وفي هذه الرواية ذات النفس الملحمي، صوّر جونتر جراس مأساة ألمانيا خلال الحرب الكونية الثانية من خلال طفل يقرّر بألاّ يكبر. وحتى النهاية يظلّ طفلا يتمتع بقدرة فائقة على إدانة المجتمع، وفساد الأنظمة، وسقوط القيم. مطلع الستينات، التقى غونتر غراس بالزعيم الاشتراكي فيلي براندت، وبينهما قامت علاقة صداقة وطيدة، ومتينة استمرت حتى وفاة هذا الأخير عام 1992. ومن المؤكد أن ذلك اللقاء هو الذي حرّض غونتر غراس على تكثيف نشاطه في المجال السياسي. وفي الحملات الانتخابية كان يقوم بجولات في مختلف المدن لتأييد الاشتراكيين الديمقراطيين معبرا عن مساندته لفيلي براندت الذي كان يدافع عن سياسة الانفراج مع المعسكر الاشتراكي بزعامة ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي. وكان غونتر غراس يطالب المثقفين بألا يظلّوا «سلبيين» مثلما كان حالهم خلال فترة «فايمار» حتى لا تعود «القوى السوداء» للظهور من جديد. غير أن النشاطات السياسية لم تثن صاحب «طبل الصفيح» عن مواصلة عمله في المجال الأدبي، والفني. فخلال الستينيات، أصدر العديد من الأعمال المهمة مثل «القط والفئران»، و«سنوات الكلب».. وتحتل أحداث الحقبة النازية مكانة بارزة في العملين المذكورين. وعن ذلك يقول غونتر غراس: «حال انتهائي من «طبل الصفيح»، أحسست انه عليّ أن اكتب كتبا أخرى لكي أقول ما يتوجّب عليّ قوله عن الحقبة النازية. تلك الحقبة التي دمّرت مقوّمات الروح الألمانية التي تغنّى بها شعراؤها، وكتابها العظام من غوته حتى توماس مان». وعندما انهار جدار برلين، رفع غونتر غراس صوته عاليا من خلال مقالات نشرها في كبريات الصحف، الوحدة الألمانية مشيرا بالخصوص إلى تلك الوحدة ربما تتيح للقوى الشوفينية واليمينية العودة بقوة إلى الحياة السياسية. كما أنه أدان من خلال قصيدة السياسة الإسرائيلية العنيفة ضد الفلسطينيين، غير أن اضطر إلى الركون إلى الصمت تحت تأثير الهجمة الشرسة التي شنها ضده اللوبي الصهيوني لا في ألمانيا فحسب، بل في أغلب البلدان الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©