الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقوقع والإعلام

16 ابريل 2011 20:20
الكيانات التي تعرف كيف تنفتح على نفسها وعلى العالم تتمتع بمزايا حيوية، منها الأسواق والفرص الجديدة التي تبعث على التحدي والابتكار. قد تواجه في طريقها مشكلات جديدة ولكنها تحل أكثر مشكلات عديدة. ثمة كيانات تقدم لناسها فرصاً أكبر وأكثر من المطلوب، وفي المقابل توجد كيانات تحرم أهلها من فرص يفترض أن تكون بديهية بسبب عوامل طبيعية كما هي حال الكيان العربي الواسع الذي حرم نفسه من مزايا عديدة لعقود عندما تفتت أسواقه وآفاقه بحواجز خانقة لم تخرجه منها نسبياً في السنوات القليلة الماضية سوى الثورة الرقمية وبعض مبادرات الانفتاح والمناطق الحرة الناجحة التي قدمت خلال زمن قياسي قصير مفاجآت مدهشة للعالم. وتتجلى مأساة واقع أو منطق التقوقع في أنه يؤدي، بمعزل عن الدوافع والمؤثرات الخارجية، إلى حالة من انسداد الأفق والاستنزاف الذاتي، حيث يكون أشبه بدائرة مسوّرة تشهد داخلها نمواً عددياً- «جينياً»- يقابله تآكل للإمكانيات. دائرة تتحول فيها الحياة تدريجياً إلى نوع من صراع البقاء.والأمثلة كثيرة في منطقتنا على ذلك. وقد حدث في الواقع العربي الحديث أن ساهم الإعلام الرقمي في التعبير نسبياً عن هذه التجليات والتخفيف من حدتها، كما ضغط في الوقت نفسه على العقل العربي للخروج من حال الجمود واليأس التي وصل إليها في عدد من حالات «الذروة» في كل من تونس ومصر، ما أدى إلى الانفجار، المفاجئ للخارج على الرغم من ميزاته التلقائية المتمثلة بغياب مرجعيات محددة تحرك الأحداث. ومن هذه الزاوية يصبح من العبث إلقاء اللوم على الإعلام، كتكنولوجيا وقنوات، واتهامه بأنه كان محركاً أو مؤجّجاً لهذه الثورات، كما من العبث الاعتقاد بأن قمع هذا الإعلام يمكن أن يكون حائلاً دونها. أما الصواب فهو أنه كان معبّراً وعاملاً مساعداً ليس إلا. والأهم هو عدم استبعاد فرضية أخرى، فلولا مواكبة الإعلام الجديد لهذه المتغيرات لكان الجانب الدرامي ربما أخطر بكثير من الثمن والتكلفة التي دُفعت حتى الآن. أي أن لا أحداً كان يمكن أن يضمن – على سبيل المثال – عدم تحول مثل هذه الثورات - السلمية التلقائية – إلى حالة الفوضى الشاملة وسيادة الغوغاء لو أنها لم تجد إلى جانبها أدوات إعلامية مؤثرة. كما يجب عدم استبعاد أن يكون ضعف دور الإعلام في مواكبة الداخل الليبي، المبني أساساً على انغلاق الكيان لعقود، سبباً في عدم مجاراة التغيير هناك لمسار تونس ومصر السلمي واتخاذه حتى الآن منحى الحرب الداخلية. توجد بالطبع العديد من عوامل الاختلاف بين حالة وأخرى، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن من أهم خصائص الإعلام صفته السلمية، وبالتالي فإن قمعه عادة ما يكون نذير شؤم، وليس عامل استقرار. إنه ميزة ملازمة للانفتاح وعلى طرف نقيض مع التقوقع والانعزال. إنه باعث على توسيع الآفاق، على المستوى الإقليمي والمستوى العالمي على حد سواء. وما هذه الشركات الإعلامية الكبرى التي تغزو العالم «سلمياً» وتتوسع من قارة إلى أخرى، وبجميع ثقافات العالم وتجعل منه فضاء اقتصادياً واحداً، إلا دليل على أهمية الانتقال بالإعلام العربي ومعه الاقتصاد العربي إلى فضاءات وأفق أوسع، ولو في المدى الطبيعي العربي لا أكثر ولا أقل. فلعلّ ذلك يكون في المستقبل حائلاً دون توليد أسباب انفجارات أخرى ومباغتة. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©