الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الالتزامات الخارجية... مصدر «العجز» الأميركي

الالتزامات الخارجية... مصدر «العجز» الأميركي
18 يونيو 2010 21:21
تفيد بعض التقارير الإعلامية أن "البنتاجون" تناضل بشدة من أجل تقليص موازنة الدفاع في محاولة شجاعة منها لحماية أموال دافعي الضرائب ضد تبذير الكونجرس ولمعالجة مشاكل العجز الفيدرالي المتصاعد، لكن تبرز مشكلتان أساسيتان تفندان هذا الطرح وتثيران أسئلة مشروعة حول مدى وجود رغبة حقيقية في تقليص موازنة الدفاع، أولًا لأن موازنة 2011 الجديدة الخاصة بالدفاع، والتي من المنتظر أن يصدق عليها الكونجرس تقر زيادة واضحة في الإنفاق العسكري حتى وإن كان ذلك بنسبة ضئيلة تبقى ارتفاعاً، ولا يمكن أبداً التعامل معها على أنها تخفيض، اللهم بعض الأوساط في واشنطن التي تصر على أنه تراجع في موازنة الدفاع، وثانياً والأكثر أهمية أن "البنتاجون" لا تعالج الأسباب العميقة وراء الإفراط في الإنفاق العسكري والمتمثل أساساً في الطموحات العسكرية الخارجية والأهداف غير الضرورية. فالحقيقة أن الولايات المتحدة لا ترصد موازنة لـ"الدفاع" بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ لأن العبارة أصلاً لا تعكس واقع الحال بعدما تحول الجيش الأميركي إلى آلة ضخمة تفوق الاحتياجات الدفاعية للبلاد، بل لم يعد من أولوياتها حماية التراب الأميركي، فالإنفاق العسكري اليوم يلتهم أكثر من خمس النفقات الفدرالية، وهو أيضاً يمثل نسبة 65 في المئة من النفقات غير المدرجة ضمن الموازنة العامة التي يصدق عليها الكونجرس سنوياً، تلك النفقات التي تقدر قيمتها بحوالي 583 مليار دولار، بل الأكثر من ذلك لا تحتاج أميركا إلى كل هذه الحماية العسكرية مادامت محاطة بجوار مسالم يتمثل في المحيطات والبحار الشاسعة من جهة ودول مجاورة لا تناصبنا العداء من جهة أخرى، لكن رغم الجوار الهادئ تصل نفقاتنا العسكرية نصف ما ينفقه العالم مجتمعا، هذا في الوقت الذي يحتكر فيه النصف المتبقي من الإنفاق العسكري حلفاؤنا في العالم الذين لا خوف منهم. وحسب الإحصاءات الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لا تمثل النفقات العسكرية لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية وسوريا وإيران مجتمعين سوى ربع ما تنفقه أميركا عسكرياً؛ لذا حتى لو خفضنا موازنة الدفاع للنصف ستبقى نفقاتنا أعلى بكثير من أي خصم آخر في العالم، وليس غريباً في هذا السياق أن يطالب العديد من أعضاء اللجنة التي شكلها أوباما من الحزبين لدراسة سبل التقليل من الحجز الثنائي في الموازنة والدين العام بإدراج الموازنة العسكرية ضمن الأولويات التي يتعين تقليصها، بل إن بعض أعضاء الكونجرس بعثوا برسالة إلى أعضاء اللجنة يحثونهم فيها على تقليص الالتزامات الأميركية في الخارج كجزء لا يتجزأ من جهود خفض الموازنة العامة للدفاع، وبالتالي الحد من العجز الكبير في الموازنة التي يعانيها الاقتصاد الأميركي، وهو ما يتعين الأخذ به لاعتبارات عدة أولها انتهاء الحرب الباردة. فبينما كنا في السابق منهمكين في الدفاع عن حلفائنا في أوروبا وآسيا كانوا هم يزدادون غنى، ولم يختلف الوضع الحالي رغم تغير الظروف الجيوسياسية في العالم، إذ مازلنا نضمن الحماية لحلفائنا مما يعنيه ذلك من احتمال التورط في حروب قد لا تخدم بالضرورة مصالحنا المباشرة، ولعل الأزمة الأخيرة الناشئة بين كوريا الشمالية ونظيرتها الجنوبية على خلفية إغراق سفينة في عرض البحر خير دليل على ذلك، إذ رغم المشاكل التي تثيرها بيونج يانج في المنطقة، فإنه لا مصلحة لأميركا في خوض حرب دفاعاً عن كوريا الجنوبية طالما أن هذه الأخيرة قادرة على حماية نفسها، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على أوروبا واليابان. وحتى فيما يتعلق بالإرهاب، فإنه لا يبرر أبداً النفقات الكبيرة في موازنة الدفاع، ذلك أن الجزء الأكبر من مصاريف الدفاع يذهب إلى القوات التقليدية المدربة على تدمير الجيوش النظامية، فيما الإرهابيون يمتلكون سلاحاً أخف ويحسنون الاختباء، بحيث يكمن سر القضاء عليهم في إيجاد مخبئهم، وليس في قتلهم واعتقالهم بعد العثور عليهم، ورغم تركيز العسكريين على جهود مكافحة التمرد التي تستند على نظرية نشر القوات البرية والحاجة إلى بناء البلدان وإعادة إعمارها، فإن الواقع الميداني يشير إلى صعوبة تشكيل الحياة السياسية لتلك البلدان كما تبين في حالتي العراق وأفغانستان؛ لذا فإنه بتفادي احتلال البلدان الفاشلة والتخلي عن التزاماتنا بالدفاع عن بلدان قادرة على حماية نفسها، فإننا قد لا نضطر إلى التخطيط إلى مزيد من الحروب ما سيسمح لنا بتقليص بنيتنا العسكرية سواء في العتاد، أو الرجال، أو التموين، بالإضافة إلى جميع أوجه الإنفاق الأخرى المرتبطة بالمجهود العسكري، لكن يبدو أن إدارة أوباما لم تدرك بعد هذه الحقائق، إذ مازالت رغم مطالب اللجنة الرئاسية بالحد من الالتزامات الأميركية في الخارج التي تلتهم أموالا طائلة وتعمق عجزنا المالي، تصر على إرغام اليابان على إبقاء القاعدة العسكرية في جزيرة أوكيناوا حتى بعدما حاولت طوكيو في البداية التنصل من ذلك، فبدلاً من موافقة واشنطن على المطالب اليابانية بإغلاق القاعدة والتسريع بعودة قواتنا إلى البلاد، دفعها أوباما إلى الاستمرار في استضافة القاعدة الأميركية وترسيخ نزيفنا المالي. والحقيقة أن ما نعانيه حالياً من عجز مالي خطير يمثل فرصة سانحة للتخلي عن أوهامنا بأننا الأمة التي لا غنى عنها في العالم والمسؤولة على دعم الاستقرار وصياغة النظام الدولي وصنع التاريخ، بل علينا الاكتفاء بموقعنا كقوة كبرى في محيطنا القريب وتقديم المساعدة أحياناً لمن يجد نفسه في موقف صعب لأنه فقط باعتماد مقاربة تستفيد من وضعنا الأمني المريح نستطيع الاهتمام بالعجز والتقليل من الإنفاق. بنجامين فريدمان - باحث بمعهد "كاتو" الأميركي لدراسات الأمن الداخلي والدفاع كريستوفر بريبل - مدير دراسات السياسة الخارجية في المعهد نفسه ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©