الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدولة الفلسطينية... وسراب الحل الأممي

الدولة الفلسطينية... وسراب الحل الأممي
16 ابريل 2011 20:57
بعد ما يقارب العقدين من العمل بصفتي مستشاراً ومفاوضاً عن وزارة الخارجية الأميركية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد تكون لديّ رصيد لا بأس به من الأفكار الشخصية "الرعناء" إن شئت التعبير. وفي تقديري أن صدور قرار جديد من المنظمة الدولية لن يقدم الفلسطينيين أي خطوة للأمام نحو تحقيق حلمهم. بل سوف تكون النتيجة عكس ما أراد الفلسطينيون تماماً: إرغام الولايات المتحدة على معارضة الجهود التحررية الفلسطينية، إضافة إلى تعزيز القيود التي يفرضها الكونجرس على المساعدات التي تشتد حاجة الفلسطينيين إليها لبناء مؤسسات دولتهم المنشودة، بينما لا يستبعد أن تسارع إسرائيل إلى القيام بأفعال ملموسة واقعية و"رعناء" على الأرض. فبسبب الإحباط الذي أصاب الفلسطينيين من إحراز أي تقدم باتجاه دولتهم، إضافة إلى عدم ثقتهم بإسرائيل وبالولايات المتحدة الأميركية، وبعملية التفاوض كلها، فقد وصلوا إلى قناعة ذاتية بأنه قد حان الوقت لأن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. وخلال العامين الماضيين، بذلت السلطة الفلسطينية جهوداً جبارة في إنشاء مؤسسات حكم تتسم بالمصداقية، وتهيئة الظروف الملائمة التي تسمح لها بالانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة بصفة الدولة المستقلة ذات السيادة، بات يعتقد الفلسطينيون بضرورة أن تحظى هذه الدولة بتأييد عالمي. وكل ذلك ليس له ما يسنده سوى الاعتماد على وهم ثلاثية: الخطابية، والقرارات، والاعتراف الدوليين. بيد أن ما يأمل الفلسطينيون في تحقيقه لم يتضح بعد. فهل هم جادون في تكثيف حملة للاعتراف بدولتهم، وبناء المؤسسات التي تسمح لهم بالانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة فعلاً، أم أنهم يهدفون وراء كل هذه الجهود إلى تصعيد الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة حتى يظهرا جدية أكبر في المفاوضات؟ وربما يكون السؤال الأخير هو الهدف الذي يعمل من أجله الفلسطينيون، طالما أن التفاوض لا يزال يمثل الطريق الوحيد الممكن للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية. وإذا لم تثمر هذه المفاوضات بعد، فإن ذلك لا يوفر سبباً كافياً لتعلق الفلسطينيين وإيهام أنفسهم بما لا يجدي من حلول وأفكار، وبما يجعل حالهم في حقيقة الأمر، كحال المستجير من الرمضاء بالنار! ومهما تكن حجج الفلسطينيين، التي ربما تكون قد استلهمت شيئاً من شرارات انتفاضات الربيع العربي، فهي قد أدت بهم إلى قناعة مفادها أن ساعة الفعل قد حانت. ولما كانت الأمم المتحدة، قد أنشأت دولة إسرائيل بقرار نص على تقسيمها وفصلها مما حولها في عام 1947، فربما ينطبق علينا الإجراء نفسه. هكذا يذهب الخيال الفلسطيني في أحلامه وتهيؤاته. ولكي أنثر ما جاء في قصائد الشاعرة الإنجليزية إليزابيث باريت براوننج -1806-1861، وهي من أعظم شاعرات العصر الفيكتوري- عن معنى الاستحالة، دعني أعدد فيما يلي الأسباب التي تجعل من تحقيق الحلم الفلسطيني عبر الأمم المتحدة أمراً مستحيلاً هو الآخر. أولاً: لن يجدي مجرد صدور قرار دولي على الورق في إنشاء الدولة الفلسطينية، حتى وإن جاء مصحوباً بالتهديد باتخاذ إجراء جماعي دولي ضد إسرائيل في حال تمنعها عن المضي نحو إعلان الدولة الفلسطينية. بل الحقيقة أن تنظيم حملة دولية في الأمم المتحدة للإعلان عن هذه الدولة، يكشف عن ضعف الفلسطينيين وليس قوة عزمهم وشكيمتهم. فالصف الفلسطيني منشطر ومنقسم على نفسه أشد الانقسام كما نعلم. وليس ثمة ضمان لأن تؤيد حركة "حماس" أي حملة أممية للإعلان عن استقلال فلسطين. ولا حول ولا قوة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة. ولهذه الأسباب فما الطائل من وراء صدور قرار في نيويورك بالإعلان عن استقلال دولة فلسطين؟ ثانياً: إن للأفعال ردود أفعال وصدىً. والمقصود بهذا أنه مهما تكن براعة الحملة الأممية الداعية للإعلان عن قيام دولة فلسطين، فمن المرجح أن تعارضها واشنطن، وأن تصدر قراراً بالفيتو ضد الإجراء في مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من عدم حيلة واشنطن في سد الطريق أمام القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهي لن تذعن لمبدأ الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية خارج إطار المفاوضات، ولن تتهاون في إحباط أي مسعىً لتصعيد الضغوط الدولية على إسرائيل. ثالثاً: هناك إسرائيل التي تقلقها العزلة الدولية، واحتمالات نزع شرعيتها عنها، إضافة إلى القلق من الحملة الفلسطينية الأممية. ولكن في هذه المرة أيضاً سوف تثبت إسرائيل للعالم كافةً، قدرتها على تحدي الضغوط الدولية بدلاً من الانكسار والإذعان إليها. ومن شأن أي قرارات أممية ضد إسرائيل، أن تعزز حجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتستقطب له مزيداً من التأييد الداخلي لزعمه بعدم وجود شريك فلسطيني يجدر التفاوض معه. ليس ذلك فحسب، بل سوف تدفع الحملة الأممية الفلسطينية غلاة حركة الاستيطان اليهودي إلى توسيع النشاط الاستيطاني، الذي يلتهم المزيد من الأراضي الفلسطيني، كي لا ينسى الفلسطينيون أن لأفعالهم ردوداً وتداعيات حقيقية ملموسة على الأرض. وفيما لو أعلن الفلسطينيون قيام دولتهم، فإنه ليس مستبعداً أن تعمد إسرائيل إلى إعادة ترسيم حدودها في الضفة الغربية، كي تقرر أي جزء منها تريد الاحتفاظ به. ويقيناً فإن في كل ذلك ما لا يشتهي الفلسطينيون ولا يسرهم من السعي الأممي الذي لا يؤدي بهم إلا إلى سراب السراب، ويعيدهم مجدداً إلى دوامة القرارات الجوفاء والخطابية، ثم المزيد من العنف والوعود الخاوية! آرون ديفيد ميلر مفاوض سابق بالشرق الأوسط عمل بالخارجية الأميركية وزميل مركز وودرو ويلسون الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©