الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن وبيونج يانج... انفراج لم يعمّر طويلاً!

واشنطن وبيونج يانج... انفراج لم يعمّر طويلاً!
12 ابريل 2013 23:47
بِن باربر مسؤول في الوكالة الأميركية للمساعدات الخارجية كوريا الشمالية نظام مستبد وفظيع، لكن من يستطيع مواجهتها؟ من في الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو أوروبا أو آسيا يريد الذهاب إلى كوريا الشمالية والتشديد على ضرورة أن يتوقف «كيم جونج أون» وقادته العسكريون عن حكم الملايين من مواطنيهم بطريقة استبدادية؟ الولايات المتحدة تعلمت درساً فظيعاً من عام 1950 إلى عام 1953 عندما حاولت محاربتهم. فقد أرسلنا 341 ألف جندي وعدداً صغيراً من جنود بعض البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة لمساعدة 600 ألف جندي كوري جنوبي في حربهم ضد 266 ألف جندي كوري شمالي و1?3 مليون جندي صيني «متطوع». وبعد معارك دامية ومريرة عبر الجبال والوديان الباردة، وصلنا إلى التعادل على خط عرض 38. وبوسع المرء الآن زيارة المنطقة منزوعة السلاح من خلال جولات الحافلات السياحية كل صباح انطلاقاً من ناطحات السحاب المتلألئة وسط سيئول. والواقع أن الأمر أشبه بدخول كبسولة زمن حيث يغادر المرء كوريا الجنوبية الجديدة المنتمية إلى القرن الحادي والعشرين (حيث نصيب الفرد من الدخل يناهز 30 ألف دولار في السنة) للنظر عبر الحدود إلى الماضي البعيد للحرب الباردة حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل في كوريا الشمالية 1800 دولار في السنة. وعبر الألغام الأرضية والأسلاك الشائكة، هناك حواجز وتحصينات ضد الدبابات، وخلفها توجد نحو 10 آلاف من فوهات الأسلحة المختلفة، من دبابات ومدافع ورشاشات ثقيلة، متأهبة لإمطار سيئول – البعيدة 20 ميلاً فقط. لكن الأصدقاء والزملاء العائدون من سيئول يقولون إن الأمور أكثر هدوءاً هناك مما هي عليه في الولايات المتحدة، وذلك لأننا أقل تعوداً على تهديد الشمال ووعيده. ونحن جميعاً نتساءل هذه الأيام كيف يمكن التصدي لبيونج يانج وكبح الجيش الكوري الشمالي القوي المؤلف من 1?2 مليون جندي؟ وذلك بعد أن هدد الزعيم الشمالي كيم جونج أون بالحرب، ونقل الصواريخ إلى الساحل الشرقي تمهيداً لإمكانية إطلاقها، وبعد أن اختبر قنابل ذرية، وخرق اتفاقية الهدنة، وقطع الاتصالات والعلاقات التجارية مع سيئول. الواقع أن الأمور كانت هادئة على الجبهة الشمالية الجنوبية قبل نحو عشر سنوات، بل إيجابية، حيث تم إنشاء منطقة صناعية مشتركة بين الشمال والجنوب، وكان من المقرر أن يعاد ربط السكك الحديدية بين الجانبين، وكان الكوريون الجنوبيون يزورون متنزهاً جبلياً سياحياً في الشمال. كما أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أولبرايت زارت بيونج يانج ورقصت مع أطفال محليين خلال زيارة للالتقاء مع الديكتاتور كيم جونج إيل وقتئذ. فما الذي حدث يا ترى؟ الذي حدث هو السياسة الأميركية. ففي عام 1994، العام الذي شهد أوج التقارب في العلاقات منذ نهاية الحرب الكورية، قام مفاوض وزارة الخارجية الأميركية بوب جالوتشي بزيارة بيونج يانج ووقع اتفاقية إطار تنص على: إغلاق كوريا الشمالية لمفاعلها النووي، وتخليها عن قضبان الوقود المخصب التي يمكن أن تستعمل لصنع قنابل ذرية، وبناء كوريا الجنوبية واليابان محطتين للطاقة النووية في الشمال يصعب تحويل قضبان الوقود فيهما إلى وقود قنابل، وإنشاء منشآت تجارية وسياحية جديدة. والواقع أن الشمال قام بالفعل بإغلاق محطته النووية، ورقصت أولبرايت، وانخفض التوتر كثيراً. وفي غضون ذلك، كانت ثمة مجاعة في الشمال، لكن مجلس النواب الأميركي، الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون لأول مرة منذ 50 عاماً، وكان يرأسه نيوت جينجريتش، رفض طلبات الإدارة المتكررة بتقديم مساعدات غذائية عاجلة للدولة الشيوعية، حيث جادل الجمهوريون وقتها بأننا لا نستطيع التحقق من الوجهة التي ستتخذها المساعدات وبأنها ستذهب على الأرجح لإطعام المستبدين العسكريين أنفسهم الذين يضعون عشرات الآلاف من الناس في معسكرات الاعتقال. غير أن الكونجرس اضطر للتحرك في الأخير عندما أدلى أحد زعمائه الجمهوريين، وهو آندرو ناتسيوس، المسؤول عن وكالة فيدرالية للمساعدات العاجلة في عهد إدارة رونالد ريجن، والذي ترأس لاحقاً الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بشهادة في الكونجرس قال فيها إن الولايات المتحدة لا يمكنها أخلاقياً أن تترك الملايين يموتون من الجوع لأننا نكره زعماءهم. لكن بعد الموافقة على إطعام الشمال، عارض الكونجرس الاتفاقية الإطار وفتح تحقيقاً سخر من الاتفاقية وانتقدها، مشيراً إلى أن كوريا الشمالية تعمل على نشر التكنولوجيا الخاصة بالصواريخ الباليستية والأسلحة النووية ونقلها لبلدان مثل ليبيا وإيران. وبعد ذلك قام ساكن البيت الأبيض الجديد، بوش الابن، بسحب المساعدات من ربيع بيونج يانج، فأذل وزيرَ خارجيته كولن باول، مثلما أذل الرئيس الكوري الجنوبي المحب للسلام كيم داي جونج، الحائز على جائزة نوبل للسلام عن سياسة «الشمس المشرقة» النابذة للحرب تجاه الشمال. حدث ذلك عندما كان كيم داي جونج في واشنطن من أجل الالتقاء بالرئيس الأميركي الجديد. فقد سُئل باول ما إن كانت الإدارة الجديدة ستحترم الاتفاقية الإطار مع الشمال، فقال إن هذه السياسة لن تتغير. لكن بعد بضع دقائق على ذلك أدلى بوش بتصريح متناقض يقول إن الولايات المتحدة لن تتحدث مع الشمال. ثم بعد ذلك تعرَّض كيم داي جونج للإذلال، وقد كنتُ في القاعة كمراسل عندما ألقى خطاباً في معهد المشروع الأميركي كان يرمي إلى تعزيز الدعم للسلام في شبه الجزيرة الكورية. لكنه، بدلا من ذلك شكَّل ولادة جديدة لتوتر الحرب الباردة. وبعد هذا التحول في السياسة الأميركية بوقت قصير، توقف بناء محطتي الطاقة النووية في الشمال، وتراجعت السياحة، وزاد العداء. وأعتقدُ أن الشمال ربما لم يفهم النظام الأميركي، وبأنه حتى إذا كان الرئيس يرغب في شيء، مثل اتفاقية أو معاهدة، فإن الكونجرس يمكنه أن يعرقل ذلك. لكن النتيجة هي أن الشمال قام منذ ذلك الوقت بصنع واختبار بضع قنابل ذرية يناهز حجمها القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. ويقوم حالياً باختبار صواريخ يصل مداها إلى 2500 ميل. ويبدو أن الزعيم الشاب يستمتع بمضايقة القوة العظمى في العالم. كما أن الأمر يبدو شبيهاً بعام 1914 عندما اندلعت حرب عالمية بسبب زيادات بطيئة في التوتر والاغتيالات والتعبئة من كل الأطراف، قبل أن تندلع الحرب في نهاية المطاف. غير أن الكلام على نحو يروم إخافة الآخر لا يبدو أنه فعال جداً، وإرسال طائرات شبح وقاذفات قنابل استراتيجية إلى المنطقة من المستبعد أن يبهر كيم جون أون الذي من الواضح أنه منبهر أكثر بعبقريته كزعيم عسكري صاعد. بل إنه قد يكون سعيداً بفرصة إثبات مهاراته حتى إن كلف ذلك بضعة آلاف من الأرواح. وشخصياً، أعتقدُ أنه من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار كل هذه الأمور ونتعلم منها كيفية التعامل مع هذا الملف. وفي ما يلي بعض الأفكار: - الاستعانة بأولبرايت، وحاكم ولاية أريوونا السابق بيل ريتشاردسون، وبوب جالوتشي، وحتى جنيس رودمان، وأي شخصية أميركية بارزة سبق أن تعاملت مع الشمال وقد يكون لديها أصدقاء هناك. وإنشاء مجلس غير رسمي للدبلوماسية العامة بهدف أن نناقش مع الشمال سبل إزالة التوتر في المنطقة وتحسين مستوى المعيشة في الشمال. - استئناف جهود الزعماء الكوريين الجنوبيين البارزين في مجالات التجارة والدين والسياسة، الرامية لفتح قنوات الحوار مع الشمال، وهو أمر يمكن أن يتم في البداية على أرض محايدة مثل الصين. - استئناف إرسال المساعدات الغذائية والتشديد بوضوح على أنها ليست خطوات سياسية وإنما مبادرات إنسانية فقط تجاه بشر مثلنا محتاجين. - فتح قنوات الحوار مع الدبلوماسيين الكوريين الشماليين في الصين وروسيا وجنيف ونيويورك وأماكن أخرى، حول سبل إنهاء الحظر المفروض على الصفقات المالية والتجارة. - منح بيونج يانج ما ترغب فيه منذ سنوات، أي اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة تضمن عدم قيامها بمهاجمة كوريا الشمالية، لكنها تتعهد في الوقت نفسه بالدفاع عن الجنوب في حال تعرضه لهجوم. - سحب أو تخفيف وجود الغواصات والسفن والطائرات الأميركية الإضافية التي أُرسلت لاستعراض القوة خلال الأسابيع الأخيرة. ولنفكر في تدابير أخرى لبناء الثقة من أجل طمأنة كيم من جديد إلى أن بلده ليس في خطر. - الاعتراف بأننا لن نستطيع ولن نقوم بإرسال نصف مليون جندي لخوض حرب طويلة ودامية في شبه الجزيرة الكورية مرة أخرى. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©