الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدار برلين... تحولات ما بعد «السقوط»

9 نوفمبر 2009 23:19
بيل جلوبر برلين ولدت جميلة اليوسف في دولة لم يعد لها وجود الآن، فقد كان ميلادها بأحد مستشفيات ألمانيا الشرقية في التاسع من نوفمبر عام 1989، أي في اليوم نفسه الذي سقط فيه جدار برلين. ولذلك فإن ميلادها جزءً لا يتجزأ من التاريخ، لكونه يمثل مرحلة فاصلة بين الماضي والمستقبل، بين أوروبا القرن العشرين الدموية، وكل التحولات التي تلت سقوط الحائط. فمثلها مثل الملايين من أبناء وبنات جيلها، شبت جميلة في عالم جديد لم يعد الجدار القديم يلقي بظلاله عليه، وليس ثمة ما يفصل بين شقي ألمانيا مثلما كان عليه الحال طوال سنوات الحرب الباردة. غير أن التاريخ لم ينته بانهيار جدار برلين، إنما فتحت صفحة جديدة من صفحاته. والعالم الذي نعيش فيه اليوم، كان قد ولد في تلك الليلة المربكة المبهجة إلى حد لا يصدق، التي سبقت سقوط الجدار قبل عشرين عاماً. لقد بدأ الحدث كله عندما أعلن مسؤول من ألمانيا الشرقية عن طريق الخطأ في تصريح تلفزيوني له عن رفع القيود المفروضة على سفر الألمان الشرقيين إلى ألمانيا الغربية. وما أن سمع المواطنون ذلك الخبر حتى اندفعت جموعهم بمئات الآلاف. فقد كان الألمان الشرقيون تواقين للحرية والفضول لمعرفة كيف تكون الحياة في الشق الثاني من البلاد. فمنهم من اندفع عبر البوابات ليعانق إخوته في الطرف الآخر، بينما قفز بعضهم من أعلى الجدار. ولكن هناك من حمل الفؤوس والمطارق وبدأ بهدم الجدار الإسمنتي. وهكذا انتهك الجدار الذي كان يفصل بين طرفي العاصمة ويشطر البلاد إلى جزء شرقي وآخر غربي. وبانهيار الجدار عم الموت الشيوعية الأوروبية على امتداد المدن والدول المنضوية تحت عضوية المعسكر السوفييتي في تلك الشهور المصيرية الفاصلة ما بين عام 1989 وبدايات عقد التسعينيات. فمن بلغاريا جنوباً إلى بولندا شمالاً انهار النظام السوفييتي القديم ليفسح المجال لنشوء نظام جديد بديل. وبالنتيجة عم التغيير منطقة أوروبا الشرقية كلها، لتصل رياحه في نهاية الأمر إلى الاتحاد السوفييتي الذي بات حدثاً من أحداث التاريخ. وبذلك تحررت أوروبا الشرقية من الهيمنة السوفييتية السابقة، بينما أعيد توحيد ألمانيا. والحدث الأهم بالطبع هو نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين، وفوز الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين على المعسكر السوفييتي. هذا وقد لاحظ "توني جودت" أستاذ التاريخ بجامعة نيويورك خلال رسالة إلكترونية له أن عام 1989 -من وجهة النظر الروسية- كان عاماً مهدت أحداثه لانهيار إمبراطورية تعود حدودها الجغرافية على أقل تقدير إلى أيام الإمبراطورة الروسية كاثرين العظيمة التي حكمت تلك الإمبراطورية الشاسعة خلال القرن الثامن عشر. وتمتد مساحة الأراضي الجغرافية التي خسرتها روسيا إثر نهاية الحرب الباردة من جمهوريات البلطيق وأوكرانيا وصولاً إلى منطقة جبال القوقاز. وقد ظلت هذه المنطقة تخضع للنفوذ الروسي منذ ما يزيد على الـ200 عام، على حد قول البروفيسور "جودت" مؤلف كتاب "ما بعد الحرب: تاريخ أوروبا منذ عام 1945” وعليه فقد كان ذلك الانهيار إمبراطورياً بحق. ويمكننا اليوم النظر إلى سقوط جدار برلين دون انفعال كي نقيمه كما هو باعتباره حدثاً تاريخياً، هو الأهم من نوعه خلال عدة حقب تاريخية مضت. كما أنه كان يمثل الصفحة الأخيرة من صفحات الحرب العالمية الثانية، وربما الصفحة الأخيرة من القرن العشرين كله. فقد كانت الحاجة ضرورية لهزيمة برلين ووضع حد للنازية في أوروبا الحرب العالمية الثانية. كما كانت الحاجة ماسة للدفاع عن برلين في إطار الصراع الطويل بين الشيوعية والرأسمالية في أوروبا الحرب الباردة. وكانت برلين هي المدينة التي حملت ندوب ذلك الصراع، إذ انشطرت إلى شقين في عجلة من الأمر في الساعات المبكرة من صبح الثالث عشر من أغسطس من عام 1961. حينها كانت قد استخدمت الأسلاك الشائكة بغية الحد من تدفق الألمان الشرقيين إلى برلين الغربية. وبمرور السنين تحول ذلك الحاجز المؤقت إلى جدار سميك وعال من الإسمنت المسلح. وبذلك أغلق الألمان الشرقيون داخل سجنهم، وانعزلت برلين الشرقية عن العالم الخارجي. ولكن ها هي برلين قد عادت اليوم لتصبح شأنها شأن غيرها من عواصم الدول الأوروبية الكثر. فهي ملأى بالمكاتب والبيروقراطيين. كما اعتدلت سياساتها وتحرر ساستها من أوهام الكاريزما. ولا يزال الجزء الغربي من المدينة أكثر أناقة وغنى، بينما يبدو شطرها الشرقي كالحاً وفقيراً نوعاً ما، وأصبح ملتقى للصحفيين والساسة وهواة موسيقى الجاز. "لقد أدى انهيار جدار برلين إلى اختفاء المدينة التي كنت قد ولدت فيها، وظهرت بدلاً منها برلين أخرى جديدة تماماً" هكذا قالت "كيرا فون موريس" مستشارة التوظيف. "فعقب سقوط الجدار، تغير كل شيء من أرقام حافلات النقل العام، إلى أسماء الشوارع وكل شيء. وعلى رغم أني ما زلت أفضل العيش هنا، إلا أن برلين الجديدة لم تعد تأسرني مثلما كانت من قبل. وكثيراً ما ينتابني الشعور بأنني سائحة عابرة في المدينة التي ولدت وترعرعت فيها". ومهما يكن من هذه الانفعالات الخاصة، فإن من حسن عالم اليوم أنه لم تعد فيه "أزمة برلين" وأنه تجاوزها منذ نحو عشرين عاماً ليدخل سلسلة من أزمات ما بعد الحرب الباردة الجديدة مثل الإرهاب. كما لم يعد العالم الغربي يستيقظ في منتصف الليل خوفاً من بعبع الخطر الشيوعي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©