الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مبارك الشامسي: رؤية محمد بن زايد للتعليم.. خمسة أبعاد وخمس مبادرات

مبارك الشامسي: رؤية محمد بن زايد للتعليم.. خمسة أبعاد وخمس مبادرات
11 مايو 2018 22:15
عرض -خالد عمر بن ققه يؤسس الأستاذ مبارك الشامسي في قراءته لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، للتعليم لبعدين؛ الأول تأريخي يُرْجِعُه إلى إدراك القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، أهميةَ التعليم، بوصفه رافداً رئيسياً وسلاحاً أساسياً لتحقيق تقدّم الدولة وازدهار مستقبل أبنائها، والبعد الثاني، آني يتمثّل في رؤية القيادة الرشيدة للتعليم، الرامية إلى إعداد أبناء الدولة وبَناتها، ليكونوا قادةً ورواداً يأخذون بزمام المبادرة والابتكار، وقادرين على التعامل بإبداعٍ مع مُعطيات القرن الحادي والعشرين كافة. اعتماداً على ما سبق ذكره، فإن سموه يتبنّى رؤية شاملة للتعليم العصري، باعتباره الاستثمار الحقيقي في المستقبل، لكنه في الوقت ذاته يولي اهتماماً استثنائياً لتطوير منظومة التعليم المهني والفني والتقني، ولهذا كثيراً ما يؤكد سموّه أهمية دراسة التجارب الدولية الناجحة في مجال التعليم المهني والفني والتقني، وضرورة الاستفادة منها لبناء منظومة متقدمة من التعليم المهني والفني والتقني تسهم في بناء مجتمع الابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإيمانه بهذا مؤسَّس على جملة من الاعتبارات المهمة، منها: أن هذا التعليم بات أحد المرتكزات الأساسية التي تسهم في تعزيز القدرة التنافسية للدولة، ومنها أيضاً: أن التعليم المهني والفني والتقني العصري والمتطور قادر على تخريج عمالة ماهرة تتسم بالمرونة والقابلية لأداء العديد من المهام والتأقلم مع أكثر من مهنة، واستيعاب ما يطرأ من تقنيات تكنولوجية في مجال العمل. طريق الريادة على خلفيَّة الشرح السابق، فإن رؤية سموه للتعليم تحتوي على فلسفة عامة، تحْوِي داخلها فلسفة فرعية أو خاصة، إن جاز التعبير، تنشغل بتطوير منظومة التعليم المهني والفني والتقني، وبتشجيع شباب الوطن على الالتحاق بهذا النوع من التعليم. وهذا في نظر مبارك الشامسي يعبر عن فلسفة عميقة وشاملة، لها أبعادها التنموية والمجتمعية والقيَمية والمعرفية، مما يجسد رؤية سموه الثاقبة للمستقبل، وقراءته الدقيقة لمتطلبات سوق العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات المقبلة، وهذه الرؤية تتضمن جملة من الأبعاد: البعد الاجتماعي، والبعد التربوي والقيمي، والبعد التنموي، ودعم سياسة التوطين في الدولة، وتحقيق التوازن في سوق العمل. إن أهمية الأبعاد المذكورة سابقاً، تضعنا أمام سؤال جوهري: كيف يمكن تحقيقها عملياً من خلال فلسفة التعليم المهني والفني والتقني، تجاوباً مع رؤية سموه؟.. يرى مبارك الشامسي أن رؤية سموه في هذا المجال، تُرجمت على أرض الواقع في سياسات واستراتيجيات وخطوات عملية، شكلت الأساس القوي لنظام تعليمي مهني وفني وتقني عصري يضاهي الأنظمة الموجودة في الدول المتقدمة، ويمكن تناول هذه الجهود في المبادرات والخطوات الآتية: أولاً: التوجيه بإنشاء منظومة من المعاهد الفنية والمهنية والتقنية والتدريبية، تضاهي تلك الموجودة في الدول المتقدمة صاحبة التجارب الرائدة في هذا المجال، ففي عام 2005، ومع توجّه الدولة إلى بناء اقتصاد معرفي مستدام، جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بتأسيس معهد التكنولوجيا التطبيقية، وفي عام 2009 أُنشئت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، التي تعمل على توفير طاقة نووية آمنة وصديقة للبيئة، كما وجّه سمّوه في عام 2010 بإنشاء «بوليتكنيك أبوظبي» في إمارة أبوظبي، لتتوافق مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل في الدولة، ولتوفير الكوادر الإماراتية المؤهلة، وتُوِّجت توجيهات سموه في عام 2010 بتنظيم قطاع التعليم التقني والمهني في الدولة بإنشاء مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني. تطوير.. وعولمة ثانياً: الاهتمام بتطوير مناهج التعليم المهني والفني والتقني، لتسهم بشكل فاعل في الارتقاء بقدرات الخريجين، وتأهيلهم للمنافسة في سوق العمل، وفي هذا السياق، فإن مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يعمل على توفير مؤهلات وطنية متوائمة مع حاجات سوق العمل، وذلك بتطوير وإصدار المؤهلات التقنية والفنية المبنية على المعايير المهنية الوطنية، ووضع شروط ومعايير إصدار التراخيص والاعتماد لمؤسسات التعليم التقني والمهني، الأمر الذي يسهم في تعزيز فرص التوظيف والتوطين والارتقاء بجودة مخرجات التعليم والتدريب التقني والمهني من خلال التقييم المتواصل لها. ثالثاً: رعاية مسابقة مهارات العالم؛ ففي عام 2011 وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني إلى ضرورة استضافة مسابقة المهارات العالمية، فبدأت التحضيرات اللازمة لإعداد ملف استضافة الدورة (44) من «مسابقة المهارات العالمية» في أكتوبر 2017. وتم تدريب فريق دولة الإمارات العربية المتحدة المشارك في المسابقة للحصول على مراكز متقدمة، ما يوفر للدولة الكفاءات المطلوبة لتشغيل قطاعات الصناعة والخدمات في المستقبل، وتوطين المهن التقنية والفنية بناءً على مخرجات هذه المسابقة. رابعاً: الاطلاع على التجارب والخبرات الدولية الناجحة، والعمل على الاستفادة منها في الارتقاء بمنظومة التعليم التقني والفني والمهني في الدولة: فقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، في المحاضرة التي ألقاها في ختام فعاليات «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل»، وسط حضور كبير من طلبة مختلف الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة والهيئات التعليمية، في مارس 2017، عن هذا التوجه، حينما دعا سموّه الطلاب إلى قراءة تاريخ دول مثل فنلندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وكيفية نهوضها من أوضاعها حتى أصبحت نموذجاً في التقدم والتطور، وتساءل سموّه: «كيف استطاعت هذه الدول أن تحقق هذه النجاحات؟». مخرجات نوعية وفي تأصيل معرفي وتاريخي، يوضح مبارك الشامسي أن نشأة التعليم الفني والمهني في الإمارات، اعتمدت في بداياتها على جذب الطلبة ذوي التحصيل العلمي المتدني، لكنه تطور بعد ذلك نتيجة للسياسة التعليمية، التي ارتأت أن التعليم المهني والفني والتقني أحد البدائل للتعليمين الثانوي والجامعي، وأنه يعد مواكباً لاقتصاد المعرفة، كما ظهر هذا من خلال تأسيس معهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني، وإقامة مؤسسات التعليم المهني الخاصة، واعتماد مؤهلات التعليم المهني والفني والتقني.. إلخ. ويضيف الشامسي: «بفضل هذا الاهتمام والدعم، استطاعت منظومة التعليم المهني والفني والتقني في دولة الإمارات العربية المتحدة أن تزود المواطنين بالكثير من خيارات التعليم في هذا المجال، من خلال عدد من المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، والتي تضمن سهولة الحصول على التعليم وتدعم التوطين، وفي الوقت نفسه، فإن أداء الطلبة في الثانويات التقنية والمهنية لا يشير إلى تحقيق الأهداف فقط، بل يتخطاها من خلال نسبة الطلبة المؤهلين لدخول مؤسسات التعليم العالي من دون سنة تحضيرية»، وكل هذا يعني تحقُّق مخرجات مهنية متطورة ومعتمدة بوضوح من خلال مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، وهو ما يدعو إلى الثقة والتفاؤل بالمستقبل، وهناك الكثير من الشواهد الدّالة على ذلك (قدّمها الشامسي بالتفصيل في ورقته البحثية). ومن ناحية أخرى، يعِيد الشامسي التأكيد على «أن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، الطموح للتعليم الفني والمهني والتقني، تجعل الجهات والمؤسسات المعنية بالتعليم الفني والمهني والتقني في تحدٍّ مستمر من أجل تطويره، وفقاً لأحدث المعايير العالمية، وأسوة بالدول المتقدمة التي انطلقت من هذا التعليم إلى بناء نهضتها الحديثة، حتى يكون هذا النوع من التعليم الرافد الحقيقي للكوادر المواطنة المتسلحة بالمعرفة والعلوم الحديثة والتكنولوجيا العصرية، بما يلبي احتياجات مؤسساتنا الصناعية الرائدة». وأمام هذا المنجز في مجال التعليم الفني والتقني والمهني، يجد المنشغلون بهذا المجال والمسؤولون التنفيذيون أنفسهم مطالبين بإيصال رؤية سموه إلى أبعد مدى على المستوى التطبيقي.. فهل هم قادرون على تحقيق ذلك؟ مفتاح الابتكار يقدم الشامسي إجابة تتضمن التوقع لجهة التجاوب ما تم طرحه في رؤية سموه، بقوله: «إن تحقيق هذه الرؤية الطموح يتطلب تطوير منظومة التعليم المهني والفني والتقني باستمرار، حتى تكون قادرة على تخريج كوادر مواطنة تمتلك مهارات الإبداع والابتكار والمعرفة، والتي باتت تعتبر الثروة الحقيقية في وقتنا هذا، حيث تؤكد دراسات عدة أن هناك علاقة وثيقة الصلة بين التعليم المهني والفني والتقني والابتكار، فالتعليم والتدريب المهني، والقوى العاملة الماهرة التي ينتجها، هما مفتاح الابتكار، وهما يسهمان في تطوير نظم الابتكار الوطنية والإقليمية، ولهذا فإن الاستثمار في التعليم المهني والفني والتقني في الإمارات بات ضرورة ملحة».. لكن لماذا هو ضرورة مع أن مجالات التعليم الأخرى سابقة وفعالة وتعتمد على المعرفة الحديثة؟ الاستثمار في التعليم المهني والفني والتقني، يراه الشامسي ضرورة، ليس فقط لكونه إضافة إلى نوعيَّة القطاعات التي يقوم عليها الاقتصاد، وكيفية تنظيم الأعمال وإدارتها، وحجم المهارات المتوافرة لدى القوى العاملة ونوعيتها، وهي مطلوبة وضرورية، وإنما لأن الاستثمار في تطوير منظومة التعليم المهني والفني والتقني، ينطوي على تحقيق نتائج نوعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها: تأهيل قاعدة من الكوادر المواطنة قادرة على مواكبة الثورة المحتملة في سوق العمل والتوظيف خلال السنوات المقبلة، والمنافسة الفاعلة في سوق العمل، ليس في الداخل فقط، وإنما في الخارج أيضاً، وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومواكبة الرؤى التنموية الطموح في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمساهمة في تنفيذ أهدافها، سواء لجهة تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة، أو لجهة بناء اقتصاد وطني قائم على المعرفة. ثلاثيّة التفاؤل هكذا يتَّضح لنا المدى اللامحدود لاهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بضرورة تأهيل المواطنين والاستثمار فيهم، وهذا يعبر عن رؤية ثاقبة تستشرف الآفاق المستقبلية للتطورات التي قد تشهدها أسواق العمل، والتي تتجه إلى التركيز على المهارات الفنية والتقنية، ولهذا يؤكد سموّه دوماً ضرورة الارتقاء بمنظومة التعليم العام في الدولة، وخاصة التعليم المهني والفني والتقني، بحيث تكون قادرة على إعداد الكفاءات الوطنية ذات السمات المهنية والشخصية التي تمكنها من تلبية متطلبات الحاضر والمستقبل، خاصة في هذه المرحلة التي تستعد فيها دولة الإمارات العربية المتحدة للانتقال من الاقتصاد المبني على النفط إلى الاقتصاد المعرفي، الذي يتطلب تنمية المهارات والقدرات الابتكارية وتطويرها. وينتهي الشامسي، تجاوباً مع رؤية سموه في التعليم وعملاً بها، إلى نتيجة مفادها أن «مستقبل التعليم المهني والفني والتقني في دولة الإمارات العربية المتحدة يدعو إلى التفاؤل، لأن هناك: أولاً، دعماً سياسياً لا يتوقف من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، لتطوير هذا النوع من التعليم، وتعزيز مخرجاته كي تكون قادرة على تلبية احتياجات المجتمع حاضراً ومستقبلاً، وقادرة على اكتشاف ذوي المواهب الوطنية وصقل مهاراتهم، وغرس ثقافة ريادة الأعمال لديهم لتمكينهم من قيادة القطاعات الحيوية غير النفطية في الدولة. وثانياً، لأن القائمين على منظومة التعليم المهني والفني والتقني، وبتوجيهات سموه، ماضون نحو التطوير ومواكبة المعايير العالمية، ليكون خريجو هذا النوع من التعليم قادرين على التفاعل الإيجابي مع التكنولوجيا الحديثة، ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة. وثالثاً، وأخيراً، لأن دولة الإمارات العربية المتحدة ستستمر في جهودها الرامية إلى نشر العلم والابتكار والخير والعطاء والتسامح بين دول العالم أجمع، وإلى وضع شبابها على الطريق الصحيح نحو المستقبل، وضرورة تنمية العقول الشابة وتطوير قدراتها لبناء اقتصاد معرفي، عنوانه الابتكار والتنمية المستدامة». تلك إذن هي ثلاثية التفاؤل التي من خلالها تستمر الإمارات في التطوير والعطاء، وفي تصدير أفكار إيجابية وبناءة إلى العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©