الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطف على أنغام الموسيقى

خطف على أنغام الموسيقى
13 ابريل 2012
(القاهرة) - كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، عندما تلقت زوجة الموسيقار المشهور اتصالاً من هاتفه المحمول، كان على غير المعتاد، فهو يعرف أنها تكون نائمة في الغالب في هذا الوقت، وهي تعرف أنه بحكم عمله يتأخر إلى الساعات الأولى من الصباح، لذلك شعرت بالانزعاج لأن هذا يعني أن شيئاً ما قد حدث، فهرعت للرد، ولكن المفاجأة أن المتحدث لم يكن زوجها، وجاءها من الطرف الآخر صوت أجش كان وحده كافياً لإثارة القلق بمجرد أن نطق بكلماته الأولى، ثم واصل وقال لها جملة واحدة قصيرة، إن زوجها مخطوف وعليها أن تدفع مليوني جنيه فدية، وأردف محذراً من إبلاغ الشرطة لأن هذا يعني أنها ستتسلمه جثة هامدة، ولن يعود إليها حياً، وربما لا تراه مرة أخرى، وقبل أن تجيبه أو تستفسر منه حول ما يحدث، أغلق الهاتف. أصيبت الزوجة بحالة من الارتباك هي أقرب إلى الجنون، لا تعرف ماذا تفعل، ولا كيف تتصرف، وتخشى أن تقدم على شيء يكون فيه خطورة على حياة زوجها، خاصة مع التهديدات التي تلقتها بشكل حاسم، حاولت أن تعاود الاتصال بزوجها لتتأكد من صحة المعلومات أولاً، فقد يكون أحد أصدقائه يمزح بشكل سخيف، لكنها وجدت الهاتف مغلقاً مما يؤكد أن الأمر جد خطير، فقامت بالاتصال بابنها ليتولى الأمر ويساعدها في اللجوء إلى أفضل الطرق للتعامل مع هذا الحدث الذي يتعرضون له لأول مرة، وبشكل مباغت يصيب تفكيرهم بالشلل. كرر الابن نفس المحاولات التي أجرتها الأم، واتصل بهاتف أبيه فوجده مغلقاً، وقام بإجراء اتصال بمكتبه، فلم يجب أحد بما يعني أنه على الأرجح مغلق، وقد غادر الجميع، المشكلة الآن أنه لا يمكن تدبير المبلغ الكبير الذي طلبه الخاطفون، وما يثير القلق أنهم مجهولون ولا يعرف إذا كانوا يستهدفون المال فقط أم أن حياته مهددة، وعلى أي فإن مجرد الاختطاف أمر غاية في الخطورة، ولا يمكن التكهن بالنتائج، ولا بنوايا الخاطفين، وما إذا كانوا يضمرون شراً. لا اختيار إلا إبلاغ الشرطة، فهي بإمكاناتها أقدر على التعامل مع هؤلاء المجرمين، وتعرف أساليبهم، وقبل أن يتم ذلك، تلقت الزوجة اتصالاً آخر من هاتف زوجها، لكن هذه المرة هو المتحدث، بكلمات مقتضبة، أخبرها أنه في خطر وعليها تدبير المبلغ، وأكد أيضاً عدم إبلاغ البوليس، ثم انقطع الاتصال وأغلق الهاتف، وتأكدت من الحادث بما لا يدع مجالاً للشك، ولا بد من الاستجابة لمطالب الخاطفين، فهي تعرف أنهم لا يمزحون، وإذا لم تتم الاستجابة لهم فقد لا يترددون في ارتكاب أي جريمة حتى لو كانت القتل، فلا فرق عندهم بين جرم وآخر. السؤال الأول الذي يجب البحث عن إجابة له، ما الخلافات والخصومات بين المجني عليه والآخرين، وجاء الجواب بالنفي فالرجل يتعامل بشفافية ولا يوجد أي نوع من الخلاف، إلا ما هو عابر مؤخراً مع محاميه حول إحدى القضايا، وقد انتهى بالحل الودي، وتأكد ذلك، وأغلق هذا الاحتمال. البلاغ مهم والوقت يمر بطيئاً، ولا توجد أي معلومات عن الخاطفين، كانت البداية بالتوصل إلى أول الخيط، ولا بد من معرفة ما حدث في اللحظات الأخيرة، العاملون مع الملحن قالوا إنهم كانوا يعملون طوال الليلة التي شهدت الواقعة، فقد كان يعد لألحان جديدة مطلوبة لعمل مسرحي، بجانب مناقشة بعض الأعمال الفنية الجديدة، وكانت هناك فتاتان من الوجوه الجديدة حضرتا للاختبار والاتفاق على تلحين أعمال لهما، إحداهما غادرت المكتب قبل الأخرى بأكثر من ساعتين، بينما الثانية غادر معها لتوصيلها إلى منزلها لأن الوقت كان متأخراً. وقد تركت الفتاة رقم هاتفها في السجل الخاص بالهواتف في المكتب، فتم الاتصال بها مرّات عدة، لكن تبين أنه مغلق باستمرار، مما يُشير إلى أن الفتاة لها دور فيما حدث ويجب معرفة شخصيتها والكشف عن هويتها بسرعة فائقة، لاتخاذ قرار بالتعامل مع الموقف بشكل صحيح وعدم المجازفة حرصاً على حياة الرجل الذي لم يعرف مكانه ولا كيف يعاملونه، وأضاف صديقاه معلومات جديدة مهمة، بأنهما كانا معه عند مغادرة المكتب، وكان معهم صديقه المخرج والفتاة وأنهما نزلا في الطريق، وطلبت الفتاة توصيلها إلى منطقة نائية. وبتتبع الهواتف المحمولة تمكن رجال المباحث من تحديد أماكن المتهمين، إذ تبين أنهم اختطفوا الملحن ومعه صديقه المخرج، وتوجهوا بهما إلى منطقة أخرى بعيدة، وخلال يومين كاملين، تجرى المفاوضات والاتصالات بين المتهمين وزوجة الملحن التي أخبرتهم حسب توجيهات رجال الشرطة بأن المبلغ كبير ولا تملكه، وأن الحسابات في البنوك باسم زوجها المختطف وطلبت منهم تخفيض المبلغ لتتمكن من تدبيره واقتراضه من أسرتها وأقاربها وعائلة زوجها، وبالفعل تم تخفيض مبلغ الفدية المطلوب إلى النصف، ولكن قالت إنها عجزت أيضاً عن تدبيره وتم تخفيضه إلى الربع، وما كان ذلك إلا كسباً للوقت والتأكد من مكان الخاطفين. ثمان وأربعون ساعة مضت حتى ألقي القبض على خمسة أشخاص من أفراد العصابة، أو بالأحرى أفراد العصابات الثلاث التي ضمت ثلاثة وعشرين متهماً شاركوا في التخطيط والتنفيذ والاحتجاز في الوكر البعيد عن المناطق المأهولة، فلكل عصابة دورها، ولا تداخل في الاختصاصات، وتم تحرير الضحيتين، والأهم من هذا كله أن المهمة تمت بنجاح دون إطلاق رصاصة واحدة أو إصابة أي فرد من أي طرف، بسبب المباغتة والتخطيط السري للمهمة الصعبة. ويروي الملحن الأحداث، كما عاشها بنفسه من البداية، يقول إن شخصاً يدعى «حازم» حضر إليه وأخبره بأن شقيقته «حنين» مطربة موهوبة، وهناك منتج سيتولى إنتاج أغانٍ لها، ويريد من الموسيقار أن يعد لها الألحان ويقوم بتدريبها قبل البدء في التسجيلات، وتبين أن صوتها جيد لكنها تحتاج إلى بعض التحسينات، وتم الاتفاق على موعد يحضران فيه إليه لبدء وضع الألحان على كلمات طلبها من احد شعراء الأغاني. في يوم الواقعة حضرت الفتاة وحدها من دون شقيقها، الذي اتصل بي هاتفياً وأخبرني بأنه مسافر في مدينة أخرى وسيرسل المبلغ المطلوب مع أحد الأشخاص بعد قليل، ومر الوقت ولم يحضر أحد ويأتي «حازم» بحجة جديدة عن سبب التأخير، ثم بعذر إلى أن وصلت عقارب الساعة إلى الثانية صباحاً، وحينها أخبرني بأنه لا يمكن إرسال المبلغ في هذه الليلة، وسيتم تحديد موعد آخر، وراح يرجوني بحرارة أن أقوم بتوصيل شقيقته إلى بيتها لأنها تقيم في منطقة نائية ولا تستطيع العودة وحدها في هذا الوقت المتأخر، لأن سائقها لم يأت وهاتفه مغلق. ويضيف الملحن: اصطحبت ثلاثة من زملائي وأصدقائي معي بسيارتي، وتوجهنا حيث المكان الذي قالت إنها تقيم فيه، وفي الطريق تلقت اتصالاً من أخيها أخبرته بما حدث وأعطتني الهاتف، فطلب مني أن أذهب وحدي معها، حفاظاً على سمعتها، فلا يجوز أن يراها السكان مع عدد من الرجال في هذا الوقت، ووافقته وتركنا اثنين من أصدقائي وبقي الثالث معنا، لكنني لاحظت أن الفتاة لا تعرف عنوان منزلها بالضبط فتسأل بالهاتف أخاها أو شخصاً آخر ليصف لها الطريق، وقد عللت ذلك بعدم خروجها إلا قليلاً، ومن شارع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى حتى وجدنا أنفسنا خارج النطاق العمراني في شارع مظلم، وهناك طلبت مني التوقف وأشارت إلى أحد الأشخاص قالت إنه ناطور البناية التي تقيم بها. وبمجرد أن توقفت السيارة وفور نزولها خرج لنا خمسة أشخاص كأن الأرض انشقت عنهم، مدججين بالأسلحة الآلية، أحاطوا بنا وأمرونا بالنزول وعدم الكلام، وقاموا بعصب عيوننا، انتقلنا جميعاً إلى باص متوسط، يبدو هكذا عرفته بإحساسي من خلال السلم، وانطلق بنا السائق، استطعت أن أدرك من خلال الأصوات أن الأشخاص المرافقين لنا غير الذين اختطفونا وتعاملوا معنا في البداية، بالإضافة إلى أن السيارة التي نستقلها مسروقة، ومن خلال حوارهم مع السائق أدركت أنه ليس منهم ولا يعرفهم ولا يعرفونه، إنما أجبروه على ذلك تحت تهديد السلاح وهم يطلبون منه الاتجاه يميناً ويساراً من دون تحديد اسم الشارع أو المنطقة التي نسير فيها حتى لا نعرف المكان الذي نحن فيه. طلب مني الخاطفون الاتصال بزوجتي وإبلاغها بأنني مخطوف وأن تستجيب بتحضير مليوني جنيه مقابل إطلاق سراحي وأمرني كبيرهم بعدم التحدث إلا بالكلمات المحدودة التي قالها لي قبل البدء في الاتصال، وعندما وصلنا إلى المكان الذي قصدوه اكتشفت عدم وجود الفتاة معنا، ولا أدري أين ذهبت، وأدركت أن لها دوراً فيما حدث، وأنه كان مخططاً بشكل جيد، وتم تسليمنا لمجموعة ثالثة في مخزن هو أشبه بالأماكن التي تظهر في أفلام السينما، قيدونا بالسلاسل الحديدية، لكنهم تعاملوا معنا بشكل عادي، تبين انهم لا يعرفون شخصياتنا، وانتظرنا هذه المدة على نار بين المفاوضات والاتصالات التي لا نعرف عن معظمها شيئاً ولا مع من تتم، حتى تم إطلاق سراحنا بشكل مفاجئ. بعد القبض على المتهمين كشفت التحقيقات عن أن مطرباً مغموراً وراء هذه «التمثيلية» لأن الموسيقار رفض تلحين بعض الأغاني له، فقرر الانتقام، وتم ضبطه مع باقي أفراد العصابة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©