السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوساطة في النزاعات··· والسلام الدولي

الوساطة في النزاعات··· والسلام الدولي
31 أغسطس 2008 01:00
عندما هاجمت القوات الروسية جورجيا، وأرسلت دباباتها إلى ''تسخينفالي'' وقصفت مدينة ''جوري''، لم يكن الأمر مجرد مأساة أخرى تصيب القوقاز، بل كان إيذاناً بنهاية أربع سنوات من اللاحرب بين الأمم باعتبارها الأطول في التاريخ المعاصر؛ فمع العنف المستشري على نطاق واسع ربما يصعب الانتباه إلى أن العالم كان فعلا يشهد فترة من السلام والهدوء، إذ منذ توقيع الهند وباكستان لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر من العام 2003 لم يعرف العالم حروباً بين الحكومات، وهو ما يشكل 1716 من الأيام المتواصلة دون أن تندلع حروب جديدة في العالم، إلى أن جاء الاجتياح الروسي للأراضي الجورجية في الثامن من الشهر الجاري لينهي حالة الهدوء التي خيمت على العالم؛ ويذكر أن السجل السابق من السلام بين الدول لم يتجاوز 600 يوم، وامتد من نهاية أزمة مضيق تايوان الثانية عام 1958 إلى المناوشات الحدودية التي اندلعت بين إثيوبيا والصومال في العام ·1960 ومنذ ذلك الوقت اندلعت أكثر من تسعة نزاعات مسلحة -حسب المعهد الدولي لأبحاث السلام بأوسلو الذي يوثق الحروب- لكن دون انخراط الدول وجيوشها في مواجهات مع بعضها البعض؛ أما الحرب حول ''أوسيتيا الجنوبية'' فهي تذكرنا بقوة التدمير الرهيبة للدولة المعاصرة، حيث أفادت التقارير سقوط مئات الأشخاص خلال يوم واحد، وتقدم الجنود وسط المدن والقرى محدثين في طريقهم دماراً واسعاً، بالإضافة إلى الطائرات التي قصفت بالقنابل البنايات السكنية؛ ومنذ الحرب العالمية الثانية تسببت الحروب بين الدول في سقوط عدد من الضحايا يفوق بأربع مرات ما يسقط في أي حرب أهلية؛ ويبدو أن سكان ''أوسيتيا الجنوبية'' أكثر من عانى خلال الحرب الأخيرة بعدما شهدت أراضيهم اجتياحين في أسبوع واحد؛ فقد كانت البداية مع القوات الجورجية بهجومها على المنطقة لبسط سيطرتها وإخماد المطالب الاستقلالية التي ظهرت في مطلع التسعينيات، ثم ثانياً الاجتياح الروسي لإخراج الجورجيين· لكن السنوات الأربع الماضية من السلام بين الدول لا يعني أن العنف قد توقف نهائياً، فقد رأينا قتل المتمردين في دارفور، وتصادم الحكومة العراقية وحلفائها مع المتمردين، كما شاهدنا القتال الدائر بين الحكومة الأفغانية ومتمردي ''طالبان''، فضلا عن انخراط القوات الكونجولية في حرب طويلة مع الميليشيات المسلحة في شرق البلاد، والصراع بين إسرائيل و''حماس''، وبينها وبين ''حزب الله''؛ وبرغم الدموية التي ميزت هذه الصراعات، فإن حدتها لا شك كانت ستتفاقم أكثر لو تطورت إلى حروب شاملة تشارك فيها الدول بجيوشها وتستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة؛ فعلى سبيل المثال يساند السودان المتمردين في تشاد، كما تدعم هذه الأخيرة المتمردين في السودان، لكن في حال اندلاع حرب مفتوحة بين البلدين فإن الدمار سيكون أكبر وسيعم المنطقة بأكملها لينتقل إلى الدول المجاورة؛ وبالمثل فإن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في صيف 2006 واستمرار سقوط صواريخ ''حزب الله'' على الدولة العبرية أودى بحياة أكثر من ألف من المدنيين، بالإضافة إلى العشرات من الجنود اللبنانيين، لكن مع ذلك امتنع الجيش اللبناني من الدخول في الحرب؛ ولو فعل ذلك لتضاعف عدد الضحايا ولخرجت الأمور عن السيطرة· وفي الأسبوع الماضي، شهدت الحدود الكشميرية مناوشات بين القوات الهندية ونظيرتها الباكستانية ما أدى إلى سقوط العديد من الجنود، ومع ذلك جلس القادة العسكريون من الجانبين مع بعضهم البعض واتفقوا على وقف المناوشات كي لا تتطور إلى حرب بين البلدين؛ والواقع أننا نعيش وقتاً يحتم على الحكومات اختيار الوساطة بدل الحرب في ظل التقدم التكنولوجي الذي ضاعف من شراسة الحروب، وفي ظل التجارة الدولية التي ربطت الاقتصاديات وأصبحت فيه الحروب باهظة التكلفة وغير مقبولة من قبل المنتظم الدولي؛ والنتيجة هي تراجع الحروب بين الدول في العقود الأخيرة، بل تراجع الحروب الأهلية أيضاً من 50 مطلع التسعينيات إلى 20 خلال السنوات الأخيرة· لكن ومع ذلك يعرف العالم مستويات كبيرة من العنف، حيث يموت سنوياً نصف مليون شخص بسبب الصراعات وهو نفس العدد الذي يلقى حتفه نتيجة سوء التغذية كما تشير إلى ذلك منظمة الصحة العالمية، مشكلا بذلك نسبة ضئيلة لا تتجاوز 1 بالمائة من مجموع 50 مليونا من الوفيات يشهدها العالم سنوياً· واللافت أن الحرب الأخيرة في ''أوسيتيا الجنوبية'' فاجأت الجميع، رغم المناوشات المتفرقة على مدار الخمس عشرة سنة الأخيرة، وتعالي الأصوات المتشنجة بسبب الهدوء الذي تعودنا عليه في العلاقات بين الدول؛ ولا بد من الإشارة إلى أن إجماعاً دولياً تبلور في السنوات الأخيرة حول ضرورة تسوية النزاعات بالطرق السلمية ونبذ الحرب، لكن بإقدام روسيا على اجتياح ''أوسيتيا الجنوبية'' تكون قد أضرت بهذا التوافق العالمي، لا سيما في وقت يعاني فيه هذا التوافق صعوبات بسبب الغزو الأميركي للعراق في العام ·2003 وسيتطلب الأمر قيادة حكيمة وجهودا متعددة الأطراف لتعزيز التوافق العالمي ضد الحرب لما تجلبه من دمار إلى العالم؛ وإذا نجح اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وجورجيا فإن مرحلة جديدة من السلام قد تبدأ مجدداً لتحيي الأمل في تحقيق رقم قياسي آخر من الهدوء بين الدول· تشارلز كورتزمان أستاذ علم الاجتماع بجامعة كارولاينا الشمالية نيل إنجلهارت أستاذ العلوم السياسية بجامعة باولين جرين الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©