الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وضرورة التحول من الإنفاق إلى الادخار

أميركا وضرورة التحول من الإنفاق إلى الادخار
11 نوفمبر 2009 22:40
سعياً وراء الانتعاش الاقتصادي، يجادل الرئيس أوباما بضرورة التحول من "عهد الاقتراض والإنفاق إلى عهد نقوم فيه بالادخار والاستثمار". والواقع أنه مفهوم جذاب ومغر، لاسيما وأن اختفاء فائض الأصول، والمستويات التاريخية للديون ساهم في تحويل ركود اقتصادي عادي إلى انهيار تاريخي. ولكن كيف ينسجم الادخار والاستثمار مع مستويات عالية من الاقتراض والإنفاق الحكوميين اللذين يهدفان إلى تنشيط الاقتصاد، وحماية الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، وتشجيع الاستهلاك؟ ألا يشبه الأمر هنا قيام شخص بتسمين نفسه أولا حتى تكون لديه القوة على فقدان الشحوم؟ الواقع أن ثمة طريقة للتوفيق بين الاحتياجات المتضاربة والمتنافسة للاقتصاد على المديين القريب والبعيد، وأيضاً لمواطنينا الأفراد. فالمفتاح هو زيادة المدخرات الشخصية؛ إذ عبر خطوات جريئة وشجاعة، يمكننا أن نجعل الادخار هو القاعدة بالنسبة لكل أميركي. ولذلك، فإن الأسر الأميركية في حاجة إلى أن تدخر كوسيلة احترازية تحسبا للأوقات العصيبة من أجل إدارة الأخطار والقيام باستثمارات إنتاجية يمكن أن تثمر وتأتي أكلها في النهاية؛ فالأسر التي لم تكن لديها مدخرات لم تكن تتحكم في أمنها الاقتصادي حين بدأ الركود؛ كما أن زيادة الادخار ستشكل دافعا لـ"الاقتصاد الكبير". غير أنه خلال السنوات القليلة المقبلة، علينا أن نتوقع من الحكومة الفيدرالية مواصلة الإنفاق أكثر، وهذا سيكون أمراً جيداً لأنه يحل "مفارقة التقشف" المثيرة للمشاكل حيث يؤدي تراجع الرخاء الاقتصادي إلى انخفاض مفاجئ لإنفاق المستهلك، الذي يشكل ثلثي الاقتصاد. ولكن حتى عندما يستعيد الاقتصاد عافيته، سيظل ارتفاع معدل الادخار أساسياً بالنسبة لتمويل الاستثمارات، التي يجب على قطاع المال والأعمال الأميركي القيام بها من أجل تحسين الفعالية وتجنب احتمال التضخم المحدق. فكلما قام الأميركيون من كل الطبقات بالادخار، كلما أصبحت البلاد أقل اعتماداً على المقرضين الأجانب لشراء ديوننا. والواقع أنه من الستينيات إلى الثمانينيات، ادخرت الأسر الأميركية كمية معتبرة من "الدخل المتاح للإنفاق" – تفوق في أحيان كثيرة 10 في المئة - غير أن هذه النسبة بدأت تنخفض خلال عقد التسعينيات، وبحلول 2005 انخفضت بشكل خطير وكانت قاب قوسين أو أدنى من الصفر. وبالمقابل، ارتفع الدين الشخصي خلال هذه الفترة، حيث أعطى ارتفاع قيم المنازل والأسهم الناسَ شعورا زائفا بأنهم أصبحوا أكثر غنى. وعندما حل الركود في 2008، بدا أن هذه المشكلة قد تصحح نفسها بنفسها على اعتبار أن الناس ينفقون أقل حين يواجهون فقدان الوظائف أو انخفاض قيمة الأصول التي يملكونها. ومثلما كان متوقعاً، ارتفعت المدخرات حيث بلغت 6.2 في المئة في مايو –وهو أعلى معدل منذ 1995 - غير أنه بحلول أغسطس، انخفض المعدل إلى 3 في المئة فقط. وهذا مؤشر في الواقع على ضرورة ألا نفترض أن عهدا جديدا أكثر مسؤولية قد حل. فصحيح أن الركود حوّل العديد من الأميركيين إلى التقشف على المدى القصير ربما، ولكن علينا ألا نضيع الفرصة لوضع وسائل للحماية تستطيع مساعدة العائلات على الصمود في وجه الأزمات المالية المقبلة والخروج منها بسلام، وخلق اقتصاد قوي على المدى البعيد. وعليه، فماذا ينبغي أن نفعل؟ تتمثل إحدى المقاربات في الاستفادة من عمل أنجز حديثا في مجال "الاقتصاد السلوكي" وأظهر أن الادخار ينجح أكثر حين يحدث بشكل أوتوماتيكي. فقد أظهرت الدراسات أن الموظفين يشاركون في مخططات التوفير من أجل التقاعد إذا ما تم تسجيلهم بشكل أوتوماتيكي ومُنحوا فرصة الانسحاب متى شاؤوا، بأعداد أكبر مقارنة مع لو أنهم كانوا مطالبين بتحمل عناء تسجيل أنفسهم بأنفسهم. والواقع أن ثمة فرصاً وإيجابيات كثيرة تتعلق بامتلاك ودائع مدخرات تُختصم من الرواتب بشكل تلقائي، في إطار برنامج التوفير من أجل التقاعد؛ غير أن حوالي نصف العمالة فقط للأسف تستفيد حالياً من مخططات التوفير من أجل التقاعد ذات الخصائص الأوتوماتيكية، وذلك لأسباب في مقدمتها حقيقة أن مشغِّليهم لا يقدمونها لهم. والواقع أن إدارة أوباما اقترحت علاج هذه المعضلة عبر توفير إمكانية الاستفادة من مخططات التوفير للتقاعد لكل العمال، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن علينا أن نفكر أيضاً على نحو أكثر جرأة. فماذا لو أن الحكومة الفيدرالية، مثلا، فتحت حساباً لكل أميركي، بمن فيهم الأطفال؟ ويمكن أن تبدأ حسابات التوفير هذه منذ الولادة، وبذلك يكون لدى الأطفال حساباتهم الخاصة حين يبلغون سن الذهاب إلى المدرسة ويكونون مستعدين لتعلم قيمة الادخار والمبادئ الأساسية للتربية المالية. أما بالنسبة للكبار العاملين، فيمكن إيداع جزء صغير من رواتبهم وعائداتهم الضريبية ومدفوعات حكومية أخرى في هذه الحسابات واستثمارها بطريقة آمنة، على أن يكون بمقدور الناس دائما الانسحاب متى شاؤوا والقيام بسحوبات من حساباتهم، (مع الحفاظ ربما على بعض الحسابات مقفلة ومخصصة لأغراض خاصة مثل التعليم أو التقاعد)، ولكن سيتعين عليهم التغلب على الكسل الطبيعي الذي يثنيهم عن القيام بذلك والذي يعد جزءا من الطبيعة البشرية. إن من شأن مثل هذه السياسات أن تجعل الادخار، وليس الاستهلاك، هو القاعدة بالنسبة للأميركيين، كما من شأنها تسهيل انتقال فعلي إلى اقتصاد "الادخار والتوفير" الحقيقي. مدير "برنامج بناء الأصول" بمؤسسة "نيو أميركا فاونديشن" ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©