الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حروف قدسية.. عن القدس

حروف قدسية.. عن القدس
11 نوفمبر 2009 22:53
بقدر ما يلعب فن الخط العربي، في صورة عامة، دوراً كبيراً ومهماً في صوغ وترسيخ الشخصية العربية الإسلامية، فهو، في الوقت ذاته، يقوم بدور أساسي في التعبير عن هذه الشخصية وإبراز ملامحها وثقافتها، ففي هذا الفن خصوصاً يحضر الكثير من معالم الثقافة العربية وعناصرها، فعلى صعيد النصوص تحضر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وقصائد الشعر والحكم والأمثال، وعلى الصعيد الفني تحضر في الخط العربي نتاجات الفن التي قدمها الفنان العربي على مدى قرون، ويحضر الخط العربي في أبرز تجاربه وأنواعه. من هنا تأتي أهمية معرض خاص للخط العربي حول القدس، هو معرض “القدس حروف في القلب”، الذي نظمته في دبي مؤخراً ندوة الثقافة والعلوم ومجلة “حروف عربية” في سياق احتفال دولة الإمارات بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، وضم أربعاً وعشرين لوحة خطية تتضمن نصوصاً قرآنية وأحاديث نبوية ومأثورات وأشعاراً حول القدس.. خطها عشرون خطاطاً من دول عربية عدة. ويعتبر المعرض من أهم فعاليات الاحتفاء بمكانة القدس في القلب العربي لكونها زهرة المدائن التي تحتل مكانة غالية ومقدسة في قلوب العرب والمسلمين، فنحن لم نشاهد (أو نقرأ) شيئاً عن مثيل له على المستوى العربي. عموماً هي تجربة تنطوي في إطار التجارب الإبداعية الكثيرة التي تناولت القدس خصوصاً، وفلسطين في صورة عامة، سواء أكان ذلك في النصوص الأدبية (الشعر العربي تناولها وتناول تعرضها للغزو طوال مئات السنين) أو في الأعمال الفنية (التشكيل والتصوير، ولا ننسى أعمال المستشرقين في هذا المجال). مطالعة أعمال إلى المعرض يقدم شواهد تاريخية تؤكد عروبة المسجد الأقصى المبارك، وتتحدى المحاولات المحمومة لتهويده، في استكمال لما سبق أن قدمته ندوة الثقافة والعلوم في بداية سلسلة احتفائها باختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، من استضافة معرض صور قديمة يعود معظمها إلى القرن الـ19 وفيلم وثائقي في المنحى نفسه بعنوان “المسيرة” حول حياة الفنان الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط، ومعرض للمسكوكات الفلسطينية القديمة. وبين اختلاف الأثر الإبداعي من الصورة إلى السينما من جانب، وجماليات الخط العربي من جانب آخر، يستمد معرض “القدس: حروف من القلب” خصوصيته، من حيث استفادته بفن الخط العربي واستقائه من المخزون الإبداعي الشعري والنثري، فضلاً عن آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة. جديد وقديم عشرون من الفنانين الخطاطين المشاركين تنافسوا بأعمالهم الإبداعية المستوحاة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والأشعار والحكم التي تتناول القدس أو تشير إليها في أعمال فنية متميزة كتبت بمختلف أنواع الخطوط.. الكوفي والثلث والنسخ وسواها. وجديد المعرض في تصميمه ليأخذ شكل استدارة قبة الصخرة. لكن اللافت أن بعض لوحات المعرض لا تتناول القدس تحديداً، بل ترسم صورة من صور فلسطين العمومية المألوفة. واللافت الآخر في المعرض أنه لا أحد من الخطاطين العرب يعرف شيئاً عن القدس سوى مسجدها الأقصى وقبة الصخرة.. وهو ما تجسده معظم اللوحات، حيث تغيب الملامح الأخرى للمدينة. ونحن هنا نعرض ما يشكل صورة عامة عن هذا المعرض. في الواجهة، نقف على لوحة مهمة تقدم تخطيطاً يبدو قديماً لما يعرف بالوثيقة العمرية، وهي الوثيقة التي منح بها عمر بن الخطاب الأمان “لأهل إيليا” (بيت المقدس وجواره) على أنفسهم وأموالهم ومعابدهم. اللوحة اتخذت شكل مستطيل أضلاعه جزء من نص الوثيقة، بينما يحتوي داخله على بقية النص. والعمل الذي بدا قديماً بسبب لون الورق المستخدم ودقة حروفه هو للخطاط محمد صفا رباتي الذي لم يكتف بالجانب التوثيقي بل هو يستخدم الجماليات والتفاصيل الصغيرة المتعلقة بالحركات أساساً. الخطاط الفلسطيني أحمد الأسمر أحد أبرز الخطاطين في فلسطين (فاز مناصفة مع الخطاط السوري محمد فاروق الحداد بجائزة المركز الأول في المعرض)، وقد جاء من هناك ليقول إن الفنان قادر على فعل المقاومة، وفي إمكان فن الخط العربي أن يُقدم الكثير من أجل نصرة فلسطين، وشارك بعملين من الخط التقليدي، أحدهما عبارة عن بيتين شعريين هما: يا قدس إن ضل العباد سبيلهم وتفرقوا في ظلمة وضباب فغداً يهب على ربوعك فتية وجدوا الهدى في سنة وكتاب أما العمل الثاني، فهو عبارة عن أربعة أبيات من الشعر حول فلسطين عموماً، يستخدم فيها الحبر الأسود على الورق المقوى بحروف ناعمة متداخلة. العلم الفلسطيني وخريطة فلسطين لهما حضور في نصوص وتكوينات خطية وحروفية ولونية، فثمة من يرسم العلم حروفاً بخط الثلث، وبالألوان الأحمر والأخضر والأسود عبر أشعار لبشارة الخوري: يا فلسطين التي كدنا لما كابدته من أسى ننسى أسانا شرف للموت أن نطعمه أنفسا جبارة تأبى الهوانا تجارب من الإمارات وتشارك الخطاطة الإماراتية الشابة إيمان البستكي بعمل جمع الخط واللون، فقد صاغت الفنانة في لوحتها بيتين من الشعر حول القدس مباشرة، وكتب تحتها أنها “من شعر حبيب الصايغ”، الأمر الذي جعل اختيار هذا الشعر في قلب الحدث والمناسبة وليس بعيداً عنها، يقول: أيا قدس من كانت عريناً ليعرب وهم أمة من أمة الكفر أشجع أيصبح مهد النور للحقد موطناً وتمحو ربوع العدل للظلم أربع لوحة البستكي هذه جمعت دفء الشعر وحرارة اللون الأحمر المحيط بالخط وما يحيط به من زخارف نباتية. ومن الإبداع الإماراتي أيضاً حضرت مخطوطة لفاطمة البقالي، صاغت فيها أبياتاً للشاعر عارف الشيخ، بينما صاغ الإماراتي محمد عيسى خلفان لوحته بخط الثلث من ثلاثة أبيات للشاعر عبد الرحمن العشماوي، مستثمراً جماليات مزج الألوان المتقاربة والمتداخلة على خلفية ذهبية، علتها عبارة “يا قدس” التي تموجت في إطار صورة القلب، وتتكرر بين الأبيات. من التجارب العربية من لبنان شارك الخطاط وليد الداية الذي صاغ لوحته بخط النسخ من خلال بيتين للشاعر الإماراتي سيف المري، مفضلاً أن تتوسط لفظة القدس البيتين اللذين جاءا بشكل مستطيل، على الرغم من أنهما لم يحملا إشارة مباشرة إلى القدس، بل تحدث الشاعر عن فلسطين، مما يعني أن الخطاط لجأ لتصرف فني، من أجل إيجاد حلول لفكرة صياغة البيتين بشكل مستطيل، كان لابد أن يتوسطه جوهر ما. أما الخطاط المصري شيرين عبد الصابر فقد استعار شكل المنحنى الجمالي لقوس النبال وسيلة له يصوغ من خلالها بخط الثلث لآية من سورة الأنبياء تتناول “الأرض المباركة” وبني إسرائيل. وقدم الخطاط السوري محمد فاروق الحداد الذي شاطر الأسمر في جائزة المركز الأول في المعرض، لوحة بخط الثلث مجسداً آيتين من سورة المائدة التي تأتي على ذكر نبي الله موسى وقومه والأرض المقدسة. وفي حين جاءت الكلمات الثلاث الأولى، (إذ قال موسى لقومه) في شكل دائري محشو بالحركات الزخرفية ولون بني غامق، فقد صاغ الحداد سائر كلمات الآيتين على نمط سيفين متوازيين، في دلالة فنية تحتمل تأويلات وإيحاءات ثرية، كما رأى البعض فيها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©