الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جيروم فيراري يرصد خيوط الغواية وتشتت الأحلام

جيروم فيراري يرصد خيوط الغواية وتشتت الأحلام
26 ابريل 2014 18:21
صدر حديثاً في بيروت ترجمة لرواية «موعظة عن سقوط روما» للكاتب الفرنسي جيروم فيراري، وتقع في 240 صفحة من القطع المتوسط، ونقلها إلى العربية الصحفي والروائي العراقي الدكتور شاكر نوري. تتألف الرواية الصادرة عن منشورات «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر»، من سبعة فصول، إلى جانب مقدمة كتبها المؤلف خاصة بالطبعة العربية، يوضح فيها أصوله الكورسيكية وتبعثر مواطنيه في أصقاع المستعمرات الفرنسية، كما هو شأن أسرته، حيث ولد والده في الرباط، في حين ولدت أمه في دمشق، وكان هو قد عمل في الجزائر لمدة أربع سنوات كمدرس للفلسفة منذ عام 2003، وتردد على الكثير من العواصم العربية، وكانت محطته الأخيرة في أبوظبي التي يعيش بها منذ عامين. يرصد فيراري في الرواية مصير عائلة كورسيكية، عبر ثلاثة أجيال، يتناهبها الإحساس بالاستلاب وفقدان الهُوية بمعنى من المعاني، ما يجعل البطل مارسيل يخجل من لغة زوجته، التي لم تستطع تعلم الفرنسية، حيث يسرد الكاتب: «كان يشعر بالخجل عندما تتحدث معه أمام الملأ، يشعر بالخجل عندما تخاطبه بالكورسيكية، هذه اللهجة السخيفة، التي لم يتمكن من طرد رناتها البغيضة عن أذنه». ذلك أن الأسرة بأجيالها الثلاثة توزعت على أصقاع متعددة من المستعمرات الفرنسية. ولكن الشخصيات الرئيسية وبخاصة الجد والحفيد، كان لكل منهما عودته الخاصة لموطنه الأول في بلدته الصغيرة في كورسيكا، فالجد عاد ليقضي بقية شيخوخته، بعد ما يزيد على أربعة عقود قضاها في وظائف إدارية مرموقة بالمستعمرات، وكان يضمر الكراهية لحفيده لأنه نسل إبنه الوحيد جان، الذي أضاعه وهو طفل رضيع، حينما دفعه لشقيقته لتربيه بعد وفاة والدته بلدغات الحشرات الأفريقية السامة. وازدادت غربتهما عن بعضهما البعض، حينما تزوج جان من ابنة عمته كلودي، شقيقته بالرضاعة رغم أنف الأسرة والأعراف الاجتماعية والقوانين الدينية. أما الحفيد فعاد إلى القرية هرباً من الفلسفة وأهلها، وتهافت المدنية وإنحلال الامبراطورية، إلا أن العودة لم تؤمِن له العالم الافتراضي، الذي نشده بحثاً عن الطُمأنينة والسكينة في واقع أراده من صنع نفسه، واقع أخلاقي لا مكان فيه للإنحطاط والسفاهات أو الدناءات، إلا أنه وقع فيها، حينما قتل الطهرانية بداخله وإنغمس في ملذاته الشخصية، ما أتاح الفرصة لتفريخ الرذيلة، بدواعي مبررات النجاح في إدارة مشروع الحانة، التي أرادها مكاناً للتحاب والصداقة والمسرات النظيفة لأبناء البلدة في البداية، غير أن شروط بعث الحياة في بلدة خاملة، جعل مشروعه دون أن يدري يجمع خيوط الغواية الشيطانية، التي انتهت بارتكاب شريكه في المشروع، وفي الأحلام والتطلعات الإنسانية النبيلة، صديقه الوحيد في هذا الوجود يرتكب جريمة قتل، أجبرته على الفرار من القرية إلى باريس ليستسلم لأقداره المرسومة منذ الأزل. تماهي النهايات يستهل الراوي السرد بقصة مارسيل الجد الأكبر في أسرة أنطونيتي، الذي يمسك بصورة والديه وأشقائه الخمسة، التي التقطت عام 1818 في باحة مدرسة القرية، التي كان يصر على الذهاب إليها رغم التقرح المعدي الذي يجعله يبصق دماً في بعض الأحيان، ويخفيه عن أمه حتى لا تمنعه من الذهاب إلى المدرسة، كما يخفيه عن مدرسيه والتلاميذ الآخرين، كي لا يطردوه خوفاً من الأمراض المعدية. فيتعقب الراوي مسارات حياة الأشقاء باقتضاب، ويسهب بعرض مسار حياة البطل مارسيل أنطونيتي، التي تتمظهر في بداياتها من خلال سيرة حفيده ماتيو بتطابق شبه تام، وتفترق عنها في البحث عن ذاته وتشكيل عالمه الذي يريده، بعد الحصول على البكالوريا، حيث يتوجه الحفيد لدراسة الفلسفة، في حين يلتحق الجد بالذراع العسكرية للامبراطورية الفرنسية، في تلك البلدان التي تحقق الطموحات بغمضة عين للسيد الحضاري، الذي يتمنطق بالقوة والعلم، ولكنها بالمقابل تسرق منه أعز ما لديه، أسرته وسكينته الداخلية، ما جعل شيخوخته مؤرقة. وفي كلا المسارين تكون الخيبة حصيلة العوالم التي سعى كل من الجد والحفيد لتشييدها في إطار بحثهما عن ذاتهما بشكل فردي. تحضر في الرواية سيرة الجد والحفيد بجلاء، بينما يكون حضور سيرة الأب بالقدر الذي يكفي للإشارة إلى التماهي في النهايات، والاندغام الكلي بالمصائر، التي تتداعى عوالمها وتتقوض، بسبب نزوعها إلى الفردانية أو الذاتية، ككيانات مستقلة عن الآخرين، أي أن المساعي كانت بمجملها تقوم على فكرة الخلاص الفردي. وكأن العالم هو بؤر منعزلة تخص كل منها فردا أو مجموعة صغيرة يختارها الفرد بعناية تتوافق مع طموحاتها وتطلعاته الشخصية، بغض النظر عن حضور الآخرين وهمومهم وأحلامهم، أو حتى وجودهم. ما يجعل هذه العوالم أكثر هشاشة مما نتصور، وقابلة للتقوض والتحطم على رؤوس أبطالها بقسوة وعنف يصعب التخلص من جروحها وإنكساراتها بسهولة. يقدم الكاتب توليفته الروائية بالتماهي أيضاً مع تداعيات سقوط الامبراطورية الرومانية، الذي يحضر في الربع الأول من الرواية، والفصل الأخير، الذي أعطى اسمه عنواناً للرواية، ويبدأ مع احتضار الجد، «خلال ثلاثة أيام، نهبت قوات فيسيغوث دالاريك (ملك القوطيين الذي اشتهر بنهب روما عام 410 م) المدينة وجرجروا معاطفهم في دماء العذارى. عندما علم القديس أوغسطين بذلك، لم يتأثر إلا قليلاً». (دبي - الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©