السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لاجوس.. درس من نيجيريا في التسامح

18 يناير 2017 23:41
كثيراً ما تتميَّز الرحلات الناجحة بمفاجآتها وأحداثها غير المنتظرة، وسأسرد لكم فيما يلي أهم الانطباعات التي خرجت بها من خلال رحلة قمت بها مؤخراً إلى العاصمة النيجيرية لاجوس دامت ستة أيام. واكتشفت منها أن لاجوس أكثر أماناً مما يشاع عنها، وبخاصة لأنها كثيراً ما توصف بأنها واحدة من أكثر المدن خطورة على وجه الأرض، وقال لي كثير من الناس إنني سأكون مجنوناً لو ذهبت إلى هناك. وحقيقة ما حدث بعد وصولي هي أنني رحت أتجول بكل حرية في أحياء مختلفة من المدينة. ولم أحاول التجول في بعض الأماكن الغريبة، وبخاصة في الأوقات العصيبة من اليوم، وربما كنت محظوظاً لأنني تصرفت على هذا النحو. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن عليَّ أن أعترف بأنني لم أتعرض للخطر ولو لمرة واحدة، حتى تملكني اعتقاد قوي بأن الرحلة إلى لاجوس أكثر أماناً من رحلة إلى ريو دي جانيرو التي تعد من أشهر المقاصد السياحية في العالم.. ويعزو العديد من سكان لاجوس التحسن الطارئ في الوضع الأمني لكاميرات المراقبة التلفزيونية التي تم نشرها في الشوارع والأحياء. ولهذا السبب، لو كنت أنت من المسافرين النبهاء وذوي التجارب، وقررت السفر إلى لاجوس التي تعد أضخم مدن أفريقيا وأكثرها نشاطاً، فلا تدع للخوف فرصة لإقناعك بالتخلي عن هذه الرحلة، وكلما تجولت أكثر في المدينة، كنت أقع على المزيد من المفاجآت، فرغم الأخبار السلبية التي تذاع عنها، فإن لاجوس تعد أحد الأمثلة النادرة عن التسامح الديني. وأصبحت حوادث الرعب والقتل التي تمارسها جماعة «بوكو حرام» معروفة لدى الجميع، وهي تعكس خلطة من النزاعات القبلية والدينية والطائفية والعرقية التي تسود نيجيريا، فضلاً عن التمايز الهائل في المداخيل وفرص العمل. ويبلغ عدد سكان نيجيريا 180 مليوناً، وهي أكبر بقليل من ولاية تكساس من حيث المساحة، وأغلب حوادث العنف التي تتردد كثيراً في وسائل الإعلام تحدث في القطاع الغربي من نيجيريا، إلا أن الحقيقة حول ما يحدث هناك أكثر تعقيداً وتنطوي على الظواهر الإيجابية بأكثر مما يشاع. فمثلاً، تُعدّ مدينة لاجوس، وفقاً للعديد من الاعتبارات، إحدى العجائب في التسامح الديني. وينقسم سكان نيجيريا إلى 50 بالمئة من المسلمين و40 بالمئة من المسيحيين، وتتميز الأرياف التي تحيط بلاجوس بأنها تتألف من خليط معقد ومتداخل من السكان ذوي الانتماءات الدينية والمذهبية المختلفة وللدرجة التي يشعر معها المرء أنها تشكل وصفة رائعة لإثارة القلاقل والاضطرابات، إلا أن الانتماء الديني في لاجوس لا يثير أي متاعب بين السكان، وهو ظاهرة سلمية لا تدعو إلى القلق. والتزاوج المتبادل بين معتنقي الأديان المختلفة شائع ولا يمثل مشكلة، وهذا هو الحال في نيجيريا كلها. والعديد من نخبة السياسيين النيجيريين تزوجوا نسوة يعتنقن غير دينهم، وبعضهم احتفظ بانتمائه لدينين مختلفين في العائلة الواحدة بسبب التزاوج المختلط وواصلوا تحقيق نجاحهم السياسي. ويمكننا أن نقدر قيمة هذا النجاح بشكل أفضل لو تذكرنا أن لاجوس وحدها التي يبلغ عدد سكانها 20 مليوناً، أكبر من العديد من الدول. وهي المقصد التجاري الأكثر شهرة في نيجيريا. وخلال فترة نموها وتوسعها السريع، تمكنت من اجتذاب تجار كبار من ذوي العقول المتفتحة الذين تدفقوا عليها من بقية أنحاء الدولة ومن بلدان أفريقية أخرى. وحتى نتخيّل سرعة هذا التدفق، يكفي أن نشير إلى أن لاجوس تستقبل 85 مقيماً جديداً كل ساعة، وقد يبدو ذلك مثيراً للفوضى والارتباك لولا أن نيجيريا تمكنت من تبنّي نظام للبناء وتوزيع المساكن يعتمد قبل أي شيء آخر على المثاليات الأخلاقية والتسامح الديني. والرئيس الحالي لنيجيريا هو محمد بخاري، وهو مسلم تلقى الكثير من الدعم الانتخابي من قادة سياسيين مسيحيين على خلفية وعوده الانتخابية بمكافحة الفساد بشكل فعال. وتلعب المشاعر الوطنية في نيجيريا دور القوة المحركة الأساسية لتوحيد البلاد والعمل على بناء الدولة وتطوير البنى التحتية. وعلى الرغم من أن نيجيريا تضم 270 إثنية مختلفة و370 لغة ولهجة محلية، فإن المواطنين هناك فهموا بشكل عام أن الانتماء للهوية الوطنية النيجيرية هو وحده الذي سيحقق لهم التطور المنشود. *أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسون – فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©