الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يهدينا الطريق ويخمد الحريق وينقذ الغريق؟!

14 ابريل 2015 23:15
الأوضاع كلها إقليمياً ودولياً عصيَّة على الفهم والتحليل والتفسير. ويمكن أن تجد المئات الذين يستطيعون تفسير وتحليل الأحلام، ولكن لا أحد بمقدوره تفسير وتحليل الكوابيس. ومنطقتنا العربية فقدت القدرة على الحلم، ولكنها تعيش كوابيس خانقة وقاتلة. لا تعرف مَنْ مع مَنْ ولا مَنْ ضد مَنْ ولا يوجد جواب لسؤال (لماذا). والناس في العالم العربي في أضعف حالاتهم النفسية ومصابون بهشاشة عقلية وفكرية ووجدانية تجعلهم قابلين للتفسير الخرافي والوهمي لما يجري. فالرؤية غائمة وضبابية ولا يوجد حل ولا علاج ناجع للأمراض الوبائية النفسية والاجتماعية. وحالة اليأس والإحباط هي التي تجعل الناس يرتمون في أحضان الدجالين، والمشعوذين، وما أكثرهم في دنيا السياسة العربية التي لوثت كل شيء حتى الدين. والفراغ الفكري والوجداني لدى الناس لم يعد يملأه الآن سوى دجالي السياسة الذين يرتدون مسوح وثياب الدين حتى إن أحداً لا يمكنه الآن حشد الناس وإثارة حماسهم وجمعهم حول قضية ما إلا عن طريق مشعوذي ودجالي الدين الملوث بالسياسة. والمشكلة أن رجال السياسة في العالم العربي استسلموا تماماً لدجالي ومشعوذي الدين وتركوهم يقودون المشهد، ويحشدون الناس عن طريق اللعب بنار الدين والطائفية والمذهبية. ولم تعد مصطلحات سابقة تحشد الناس حول قضية ما أو حرب ما مثل مصطلحات الوطن والأمن القومي والدفاع عن التراب والشرعية ووحدة الأرض واستقلال الوطن وسلامة أراضيه. وضمرت هذه المصطلحات لمصلحة مصطلحات دينية أخرى ليست سوى لعب خبيث بالنار مثل الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الدين وحماية المقدسات أو العتبات المقدسة، وطلب الشهادة في سبيل الله. لقد ابتلع العرب رسمياً وشعبياً، وهم لا يشعرون طعم النعرة الدينية والمذهبية حتى تكاد الطائفية تصبح حريقاً هائلاً يأكل الأخضر واليابس في هذه الأمة. وأزعم أن إيران وتركيا وتيار «الإخوان» ومن والاهم هم الصيادون الذين ألقوا طعم الدين والمذهب والطائفة في بحر العرب ونهوهم فابتلعه الناس في المنطقة العربية، وتمكن منهم الصيادون وراحوا يقودون المشهد كله في المنطقة، وحققوا مآرب أخرى خطيرة، أهمها وأد النظام العربي والمشروع العربي لمصلحة المذهبية والطائفية. وبالتالي تمزيق النسيج العربي كله، لتعاد صياغة خيوطه وخطوطه ضمن الثوب الفارسي والعثماني بمباركة أميركية أضعف الفعل فيها الصمت على ما يجري إن لم يكن دعمه أو التحالف مع المشروعين الفارسي والعثماني أو الفارسي والبيزنطي بمعنى أدق. ابتلع العرب الطعم المذهبي والطائفي حتى توارت في عملية عاصفة الحزم باليمن القيم الوطنية والأمن القومي والدفاع عن الشرعية لمصلحة الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن الدين، وحشد «الإخوان» وكل أنصارهم الإرهابيين، أسلحتهم الإعلامية المقيتة والخبيثة لمصلحة الجهاد في سبيل الله، ضد الروافض الشيعة في اليمن وفي العراق وفي لبنان. وهذه الأسلحة هي التي تحشد السوقة والغوغاء والدهماء، وما أكثرهم في عالمنا العربي لذلك استسلم لها كثير من الرسميين العرب، وتركوا أبواق الإرهاب تنفخ في نار الطائفية والمذهبية. رغم أن «الإخوان» ومن لف لفهم. ورغم أن تركيا الأردوغانية «الإخوانية» من أقوى حلفاء إيران. والنسق «الإخواني» إذا أخضعته لشيء من التأمل هو نفسه النسق الإيراني. المرشد ومكتب الإرشاد والسمع والطاعة وولاية الفقيه والتقية والحديث في الغرف المغلقة الذي يناقض تماماً الحديث في العلن. فهم أي «الإخوان» ومن والاهم ودولتهم في تركيا يفترض أنهم في الظاهر سُنة. لكنهم يتحالفون مع الفرس وأهل بيزنطة ويصدرون للدهماء والسوقة في عالمنا العربي، بل يصدرون لبعض الرسميين العرب للأسف النعرة الطائفية والمذهبية، حتى كأني أرى دعوة خبيثة يتم الترويج لها الآن، وهي ضرورة التحالف مع «القاعدة» و«داعش» و«أنصار بيت المقدس» و«أنصار الشريعة» و«فجر ليبيا» من أجل الحرب بين السُنة والشيعة، وأخشى أن الترويج للتحالف مع الإرهاب باسم الحرب على الشيعة الذي يتم على استحياء الآن سيخرج تدريجياً إلى العلن بعد قليل نتيجة استسلامنا للنعرة الدينية والمذهبية في حشد الناس. والنتيجة الكارثية لهذا كله أن العرب سينقسمون إلى سُنة وشيعة إنْ لم يكونوا قد بدأوا الانقسام فعلاً بفعل الدعوات الخبيثة التي تغذيها إيران وتركيا وجماعة «الإخوان»، ولو لم يكف العرب عن ثقافة القطيع واتباع كل ناعق بالدين وهو يريد الدنيا، فإن النظام العربي كله مهدد بالتلاشي والتشظي، وقد بدأت علامات هذا التشظي بخروج العراق ولبنان وسوريا ومحاولة إخراج اليمن من هذا النظام العربي بشكل تام للانضمام إلى المعسكر أو الإمبراطورية الفارسية تحت عنوان الحرب السنية الشيعية. لا بد أن يفهم العرب أو يموتوا، لا بد أن يعوا أن الحرب الحالية ليست سوى حرب فارسية عثمانية مدعومة من راعي السلام أو راعي البقر الأميركي ضد النسق العربي. هي حرب إقامة الخلافة العثمانية وحرب إقامة الإمبراطورية الفارسية، هي حرب وجودنا أو عدمنا، وكلنا في نارها معاً لا فرق بين سني وشيعي وبين مسلم ومسيحي. لكن العرب بكل أسى وألم لا يريدون أن يعوا وهم مصممون على ابتلاع الطعم القاتل. والأصابع التي تعبث في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا ومصر وكل الدول العربية ليست أصابع طائفية، ولكنها أصابع فارسية عثمانية ترتدي عباءة الدين والمذهب والطائفة. ومن الأمور العجيبة أن المشعوذين باسم الدين هم الذين يقودون السياسة، بل والحروب وما يسمى الثورات في العالم العربي منذ زمن طويل، وأصبح من المألوف أن يكون حشد الناس من خلال منابر المساجد والكنائس.. وهؤلاء المشعوذون مصممون على النفخ في نار الطائفية والمذهبية، والعرب رسمياً وشعبياً لدغوا من جحر المشعوذين والدجالين باسم الدين مرات كثيرة قبل الآن ومنذ حكاية الجهاد في البوسنة وأفغانستان والشيشان وفلسطين. وكل هذه الأماكن كانت معامل لتفريخ الإرهابيين، الذين انقلب سحرهم على الساحر العربي. فاكتوت المنطقة كلها بنار الفتن، التي سموها ثورات وما زال الحريق مشتعلاً ، ولا أحد بمقدوره أن يخمده. وما زلنا نصرخ ونحذر من الطائفية والمذهبية والفتن، التي تشبه قطع الليل المظلم، ولكن لا حياة لمن تنادي. ولا نجد من يعيد من ضلوا الطريق، ومن يخمد الحريق وينقذ الغريق! محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©