السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة التسامح

18 يناير 2017 23:50
من رحم الشرائع السماوية يُولد التسامح ليشكّل نسيجاً مجتمعياً متماسكاً ومنظومة إيجابية. لم تفلح القدرات الاقتصادية ونظمها التعليمية والصحية وغيرها من مقومات أساسية في ابتكار صناعة التسامح، ولكنها فضيلة إنسانية تأخذ بيد الدول وتمضي بها قدماً نحو مسارات التطوير ومدارج التنافسية، وتجعل العالم يلتفت إلى دولة كالإمارات بلغت نسبة التلاحم والتكافل والشراكة المجتمعية فيها نحو 93% وفق نتائج مؤشرات المجتمع لعام 2016م، إنها حرفة التسامح المجتمعي وتوطين مكوناته وتعزيز خطوط إنتاجه لتكون صناعة لها منهجيتها ومنتجاتها التي تسهم في الناتج الإجمالي الوطني. لك أن تجري حسابات بسيطة لتعلم كم التكلفة الباهظة واستنزاف ثروات الأمم بسبب خطاب الكراهية والتعصب والتطرف والتناحر والطائفية والعنف، التي انزلقت بعدة مجتمعات نحو الانحدار الثقافي، والتدهور الاقتصادي والانهيار المجتمعي، فالصراع في العراق قضى على نحو 400 ألف مواطن، 60% منهم ضحايا النزاع الطائفي البغيض، ناهيك بدمار الإرث التاريخي والتراثي والمعماري لوطن تعاقبت على أرضه أعظم الحضارات. وبالأمس تجترّ ذاكرتك مأساة البوسنة التي فقدت أكثر من 200 ألف إنسان قبل الاحتكام إلى قيم التسامح، لتعلم آنذاك أنّ العجز في الموازنات والإيرادات، لا يحتاج فحسب إلى استحداث وتنويع مصادر للدخل وجذب مستثمرين وتشجيع رواد الأعمال، ولكنه في الأساس يتطلّب وقف الهدر الاقتصادي والمجتمعي من عواقب الخصومة والتناحر واتساع مساحات الجدال التصادمي، والعودة إلى نهج التعايش والتكافل، وتفعيل مقومات الفكر الإنساني القيمي المجتمعي في أرقى صوره. تلك كانت غايات الإمارات الإنسانية وهي تخطط لتعظيم الاستفادة من منصة فريدة تحمل على أرضها أكثر من 200 جنسية. فأضحى التسامح صناعة إماراتية بامتياز، نقلته من خلق إنساني راقٍ إلى نظام مؤسسي خصّصت له حقيبة وزارية، وأسّست له «جائزة محمد بن راشد للتسامح»، كما أنشأت «المعهد الدولي للتسامح» كأول معهد من نوعه، وأطلقت مبادرات عالمية للتسامح تضمّ أكثر من 30 مؤسسة إنسانية وخيرية ومعرفية وصحية تسعى لتغيير حياة 130 مليون إنسان خلال الـ10سنوات المقبلة، وما تبع ذلك من استراتيجية وطنية، تعكس استباقية في إدراك التحديات الماثلة بالمنطقة، وإبداعاً في الرقي بهذا الخليط من الشعوب نحو منظومة يمثل «التعايش والتسامح» بينهم أسمى ممكّنات النجاح والريادة التي تشهدها مجالات الدولة. تجربة أخرى واعدة ورائدة يشكل معالمها أحد قادة المشاريع الإنسانية المجتمعية التي تثري الوطن وتقوّي عوده لتؤتي فروعه التنموية ثمارها، إنه المنتدى الفضائي المعرفي التفاعلي «المبشرات: تسامح وتفهم»، والذي وضع لبناته وأقر ميثاقه وتوجهاته الحضارية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن محمد بن سعود، ويضمّ نُخباً ثقافية وسياسية واقتصادية وفكرية تتشارك رؤية عصرية مستنيرة، منتدى يراهن على الإرث الإنساني في مجالات التسامح والتفاهم والتقارب، وحوار الحضارات وإعلاء القيم المشتركة. عقلاء الأمة وقادتها الاستشرافيون أدركوا أنّ «التسامح» حياة وبناء وإعمار وتكامل وسعادة وشراكة واستدامة، وأيقنوا أنّ ملامح الغد المشرق لن ترى النور دون تفعيل نهج جديد من التقارب يتجاوز التمنيات والتصريحات، لأنّ جدارية الاستقرار لا تتطلب فحسب روح الاستنفار، وإنما تحتاج إلى الفعل الاستباقي الواقعي المقترن بتحقيق الأمن المجتمعي وترسيخ المسؤولية التسامحية أو بعبارة أخرى: قل لي كم مساحة التسامح والتفاهم والتقبّل في مجتمعك، أَقُلْ لك أين موقعك على خريطة الريادة التنموية الحضارية الإنسانية. الدكتور/ عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©