الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أخطاء ماركس

12 مايو 2018 23:04
في الخامس من مايو احتفل المعجبون بكارل ماركس بمرور 200 عام على ميلاده. والأفكار الاشتراكية لماركس، الفيلسوف والمفكر الاقتصادي الألماني، عاشت طويلا بعد موته. فقد اتسعت شعبية الفكر الاشتراكي في الولايات المتحدة، وتجدد الاحترام الذي يحظى به ماركس مع تلاشي ذكريات الحرب الباردة. وكتب جيسون باركر، أستاذ الفلسفة، في صحيفة «نيويورك تايمز»، يقول إن حركتَي «حياة السود مهمة» و«أنا أيضاً» تمتد إلى أفكار ماركس في النقد الاجتماعي. لكن من يقرؤون التاريخ أو عاصروا جانباً من أحداث القرن العشرين، سيكون من الصعب عليهم نسيان عشرات ملايين الأشخاص الذين ماتوا جوعاً في ظل حكم «ماو تسي تونج»، وعشرات الملايين الذين تم تطهيرهم وتجويعهم أو إرسالهم إلى معسكرات الأشغال على يد جوزيف ستالين، أو ملايين الأشخاص الآخرين الذين لقوا حتفهم في كمبوديا في ظل النظام الشيوعي هناك. وحالياً هناك انهيار اقتصادي كامل يمسك بتلابيب فنزويلا التي تعيش أكثر التجارب الاشتراكية درامية في القرن الـ21 في بلاد بها أحد أكبر مخزونات النفط في العالم. ورغم أن ماركس نفسه لم يدافع عن الإبادة العرقية، فإن هذه الأعمال الفظيعة والكوارث الاقتصادية.. كلها حدثت باسم الماركسية. وهذا السجل الحافل بالفشل ينبغي أن يجعلنا نطرح أسئلة عما إذا كان هناك خطأ مروع في نسيج الأفكار الأساسية للمفكر الألماني. سيقول المدافعون عن ماركس إن ستالين وماو والزعيم الكمبودي بول بوت.. لا يمثلون إلا صورة مبتسرة ومنحرفة للماركسية، وإن الماركسية الحقة لم يجر تطبيقها بعد. وسيشير البعض إلى التدخل الغربي أو إلى تقلبات أسعار النفط باعتبارها من أسباب فشل الاشتراكية. بل قد يشير آخرون إلى نمو الصين في الآونة الأخيرة باعتبارها قصة نجاح شيوعية، متجاهلين أن البلاد لم تتعاف من آثار سياسات ماو إلا بعد إصلاحات اقتصادية جوهرية وتطور كبير للقطاع الخاص. وكل هذه المسوغات فارغة. فلابد أن يكون هناك مثالب في لب الأفكار التي مازالت تقود دولا، مثل فنزويلا، إلى حافة الوقوع في هاوية اقتصادية. والقراءة المحايدة لماركس، أفضل طريقة للتعرف على هذه المثالب. ومثالي المفضل على هذا هو ما كتبه «براد ديلونج»، المؤرخ الاقتصادي من جامعة كاليفورنيا-بيركلي، عام 2013، حين حاول تفكيك أفكار ماركس الكبيرة إلى عناصرها الأساسية وتقييم كل عنصر فيها. فقد أشار ديلونج إلى بعض الملاحظات النافذة والمستبصرة التي قدمها المفكر الألماني عن الرأسمالية، لكن ديلونج رصد أيضاً أخطاء ماركس، وكتب يقول: إن ماركس لم يدرك مدى قدرة الاستثمار الرأسمالي على تعزيز إنتاجية العامل ومستويات المعيشة، ولم يدرك مدى قوة ونفع الإشارات والحوافز التي يخلقها نظام الأسعار في الاقتصاد الرأسمالي. وهذه الأخطاء وحدها كافية لشل حركة اقتصاد ما وجعله ركاماً. لكن كل هذا لا يوضح سبب سير الشيوعية يداً بيد مع الأعمال الوحشية، أو سبب إصرار زعماء مثل ماو وستالين على السياسات الفاشلة لفترة طويلة فيما كان من الممكن تغيير المسار. صحيح أن وحشية وحماقة الزعماء الشيوعيين ربما كانت قدراً تاريخياً، لكن ربما لها جذور، وفقاً لديلونج، في خطأ آخر لماركس، ألا وهو تفضيل الثورة على التطور. فقد كتب ديلونج يقول: إن ماركس رغم اعتقاده بأن «الطبقة الحاكمة يمكنها استرضاء الطبقة العاملة عن طريق إعادة توزيع ومقاسمة ثمار النمو الاقتصادي، فإنها لن تفعل هذا أبداً.. ومن ثم لا محيص عن انهيار الديمقراطية الرأسمالية.. فنظامها سينهار أو تجري الإطاحة به». لكن الإطاحة بالنظام الحاكم كارثي عادةً؛ فالثورات الناجحة تشبه عادةً الثورة الأميركية التي أطاحت بالحكم الأجنبي، بينما حافظت على المؤسسات المحلية كما هي إلى حد كبير. أما الاضطرابات الاجتماعية العنيفة، مثل الثورة الروسية أو الحرب الأهلية الصينية، فتؤدي في غالب الأحوال إلى انقسامات اجتماعية مستمرة وشعور بالمرارة وصعود زعماء انتهازيين مصابين بجنون العظمة مثل ستالين وماو. وأكثر الأمثلة نجاحاً للاشتراكية، وهي الاقتصاديات المختلطة للدول الاسكندنافية وفرنسا وألمانيا وكندا، لم تظهر نتيجة إطاحة عنيفة بالنظام القديم، بل ظهرت من خلال تغيير تدريجي عبر نظام ديمقراطي رأسمالي جزئياً. وهذه الدول بها الكثير من الأنشطة الاقتصادية الخاصة، لكنها تفرض معدلات عالية من الضرائب، وبها نظام شامل للرعاية الصحية، وشبكات أمان اجتماعي قوية، وطائفة من أدوات الحكم الأخرى تمنع الرأسمالية من أن تؤدي إلى عدم مساواة بلا كابح. وحتى في الولايات المتحدة، حصن الرأسمالية المفترض، فإن شبكة الأمان الاجتماعي أقوى بكثير مما يعتقده الناس. وكل الدول الغنية تقريباً تعمل حالياً بنظام الضرائب التصاعدية على الدخل، وبنظام تعليم عام شامل وقوانين ضد عمل الأطفال، وهي كل الأمور التي طالب بها ماركس في بيانه الشيوعي عام 1848. وبعبارة أخرى، فإن النجاحات الاشتراكية القليلة إنما حدثت من خلال التدريج والتراكم وليس من خلال نبوءات ماركس الثورية العنيفة. فمن خلال التجارب، وجدت مجتمعات مثل الدنمارك وفرنسا وكندا، سبلا تحقق بها الحكومة درجة أكبر من المساواة في المجتمع دون قتل دجاجة المشروعات الاقتصادية الخاصة التي تبيض ذهباً. ورغم أن ماركس كان عميق البصيرة في التعرف على بعض مشكلات الرأسمالية، فإن الحلول التي قدمها كانت خاطئة للغاية. وتذكر هذا يمثل أفضل وسيلة لإحياء ذكرى ميلاده. *أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©