الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الصين «قاطرة» القرن الآسيوي (2 - 3)

الصين «قاطرة» القرن الآسيوي (2 - 3)
13 نوفمبر 2009 02:03
لفت انتباهي وأنا بصدد إعداد هذا الملف عن الصين وتجربتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمناسبة الذكرى الـ 60 لميلاد الجمهورية الشعبية، موقف شخصي رواه مايكل ويستر وهو أميركي قضى سنوات طويلة في هذه البلاد المذهلة، ما أتاح له إلماماً واسعاً بخلجاتها وعنفوانها، وإعداد وإصدار واحد من أفضل الكتيبات التعريفية بها. كان بطلا هذا الموقف الطريف، ويستر نفسه ووالدته السبعينية التي قدمت للمرة الأولى إلى الصين مأخوذة بأشواق أمومة لا تحدها حدود إلا من محاذير ترسخت في ذهنها متصلة بالندرة بل الافتقار لأبسط ضرورات الحياة اليومية في بلاد مكبلة بقيود شيوعية يحرسها حرس قديم. روى ويستر كيف صعقته الدهشة وهو يرى أمه وهي تفرغ حقيبتها من متعلقات شخصية جلبتها من بلادها. كانت الحقيبة معبأة بورق المراحيض ومواد صحية أخرى من مطهرات وصابون. عثرت المرأة على “قاع المدينة” ففوجئت بواقع مغاير تماماً، حيث لاقت مشقة في الاختيار بين كم هائل من كافة ضرورات الحياة يفوق ما هو متوافر في بلادها، استمتعت المرأة بمطاعم الصين بمذاقها الفريد وامتطت القطارات السريعة التي تطوي ناطحات السحاب في شنغهاي وبكين، بل إنها ذهلت بالشوارع الفسيحة التي تغص بدور الموضة وعروض الأزياء الحديثة مقارنة بالسترة التقليدية التي اشتهرت بها الصين. موقف في غاية البساطة لكنه شديد الدلالة والتكثيف مختصر لماضي وحاضر ومستقبل الصين. إنها تجربة إنسانية غنية بالدروس والعبر بكل نجاحاتها وإخفاقاتها، ولا يمكن اختزالها في سطور، لكننا سنحاول في الحلقات التالية، الاقتراب من خطوطها العريضة بقدر الإمكان.. جناح الإمارات في معرض «إكسبو» تحفة معمارية في قلب المدينة الأكثر حيوية شنغهاي هبة البحر وسليلة الأنهار، مدينة لا يغمض لها جفن يسميها أهلها بـ “هو” أو “شن” اختصاراً، وتعود اللفظة الأولى إلى آلة تقليدية ابتكرها السكان المحليون القدامى، لصيد الأسماك، أما الثانية فهي اشتقاق من اسم أحد الحكام إبان عهد الدويلات المتحاربة خلال الفترة (770-220 قبل الميلاد). ترعرعت شنغهاي خلال القرون السبعة الأخيرة من مقاطعة صغيرة إلى مدينة كوزموبوليتية وترامت أطرافها خلال القرن الأخير من كيلومترين مربعين إلى 6340 كيلو متراً مربعاً اليوم ويناهز سكانها 20 مليون نسمة. فتحت شنغهاي أبوابها منذ القدم وبصفة خاصة، خلال الـ 160 سنة المنصرمة فتدفقت عليها موجات بشرية من الداخل والخارج مفرخة مجتمعاً فيه من كل قوم في العالم بصمة من دون أن تفقد سماتها الصينية الأصيلة. شكلت المدينة بوتقة انصهار لتفاعل العناصر المحلية والوافدة فأنتجت مجتمعاً تعددياً فردياً، ما أهداها الحيوية والموهبة والأيدي الماهرة ورؤوس الأموال الضخمة. شهدت شنغهاي منذ تحريرها في مايو 1949، تحولات تاريخية ضخمة لجهة النجاحات الاقتصادية والهيكلية والتنمية الاجتماعية. ومنذ تدشين الصين لسياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، حققت إنجازات عملاقة في بناء نفسها لتصبح العاصمة الاقتصادية والتجارية والفنية للصين وهي تخطو بثبات لتتبوأ مرتبة المركز المالي الأضخم في العالم، هذه التحولات والنجاحات الكبيرة، ألقت على عاتق المدينة مسؤولية الاضطلاع بدور ريادي في قيادة عملية تطوير وتحديث أنماط الاقتصاد الصيني من خلال حفز وترقية القدرات الإبداعية الخلاقة وإضفاء زخم لا ينقطع على سياسات الإصلاح والانفتاح، وصولاً إلى بناء مجتمع اشتراكي متجانس يقتدي بأنموذج شنغهاي الناجح في صناعة المال والشحن والنقل. لم يتوقف دور شنغهاي عند حدود المال والأعمال التجارية، بل كان انفتاحها المبكر سبباً لصياغة حياة أدبية وفنية وفكرية وثقافية غنية بالإبداع، فالمدينة بمثابة قلب الصين النابض بالإنتاج الفكري والثقافي والفني منذ زمن طويل، والمدينة كانت ولا تزال مركزاً لاستقطاب المفكرين والمثقفين والمبدعين في كافة مجالات الخلق والإبداع والعلوم من كل أنحاء المعمورة، ولا غرو أن كانت شنغهاي محطة مهمة في حياة الفيزيائي الأميركي الألماني المولد الشهير ألبرت اينشتاين صاحب نظرية النسبية، والفيلسوف الرياضي الإنجليزي اللورد برتراند راسل الذي عُني بتحليل المادة، والكوميدي الهزلي تشارلز تشابلن الذي فجر إبداعه وبراعاته في الولايات المتحدة إضافة إلى شاعر الهند الأول رايندرانات طاغور الحائز نوبل في الآداب عام 1913. تقع شنغهاي بين خطي عرض 31:14 شمالاً وطول 121.29 شرقاً، على الساحل الغربي للباسفيك على الحدود الشرقية للقارة الآسيوية وتحتل موقعاً وسطاً في السواحل الصينية، حيث يصب نهر يانجيستي أضخم أنهار الصين، مياهه العذبة في بحر الصين الشرقي، ما وهبها أفضل المزايا في حركة الشحن الداخلية والخارجية. اختارت المدينة لنفسها شعاراً ثلاثي الأبعاد يتألف من الزهرة المنغولية وسفينة شراعية عتيقة وداسر محرك - يرمز الداسر لاستمرارية التطور والنمو فيما تجسد السفينة تاريخ الميناء العريق في التواصل مع العالم من خلال الأنشطة التجارية، وترتكز السفينة على قاعدة من الزهرة المنغولية ببتلاتها البيضاء الكبيرة المتفتحة على السماء ما يوحي بالمستقبل الباهر للمدينة. المدينة والمعرض الدولي المرتقب في ديسمبر 2002، فازت شنغهاي بشرف تنظيم معرض “إكسبو” العالمي للعام 2010، بعد أن تفوقت على منافساتها من المدن الأخرى حاصدة 88 في المئة من أصوات الأعضاء الـ 132 للجمعية العامة للمكتب الدولي للمعارض - ويكتسي فوز عرض شنغهاي بتنظيم المعرض أهمية تاريخية، كونه المرة الأولى التي ينتقل فيها “إكسبو” العالمي إلى دولة محسوبة على العالم النامي منذ دورته الأولى في لندن قبل 158 عاماً، وللصين تاريخ طويل مع هذا المعرض حيث شهدت دورة انعقاده الأولى عام 1851، مشاركة رجل أعمال صيني قام بعرض منتجاته من الحرير الطبيعي، تلى ذلك ابتعاث أول وفد رسمي صيني للمشاركة في فعاليات معرض القديس لويس الدولي عام 1904 في حين شهد العام 1982 أول مشاركة لجمهورية الصين الشعبية في معرض Knoxville للطاقة، وكما شهدت بدايته عام 1853، ها هي الصين تستضيف المعرض ليشهد على نموها وتطورها الذي يرى فيه كثير من الخبراء، مقدمة منطقة وموضوعية لما أصبح يعرف بـ “القرن الآسيوي” بحلول الثلاثينات من القرن الحالي. إذاً، فاختيار شنغهاي لتنظيم المعرض الدولي العام المقبل، ليس مصادفة - فإلى جانب سياساتها المنفتحة واقتصادها الموجه للسوق، تفخر المدينة ببنيتها التحتية المتطورة ومؤسساتها الخدمية الفعّالة، حيث توجد استثمارات ضخمة لأفضل 500 شركة عالمية وعشرات الفنادق الفخمة، فضلاً عن استضافتها لفعاليات ومهرجانات ثقافية وموسيقية ورياضية وفنية عالمية. أولمبياد الاقتصاد والعلوم والثقافة “أكسبو” معرض عالمي فوق العادة تسند مهمة تنظيمه في كل دورة لأحد البلدان شريطة استيفائها لشروط ومواصفات من نوع خاص، ويكفل المشاركة لكافة دول العالم وعدد كبير من المنظمات العالمية، ويكتسب المعرض صفة “فوق العادة” كونه الأكبر من جنسه مقارنة بالفعاليات الأخرى المماثلة في المعمورة، لجهة المشاركة والحجم والنوع - ومنذ دورته الأولى محدودة الحجم في لندن سنة 1853، ظل المعرض يوفر فضاء فسيحاً وملائماً لكافة البلدان، لعرض منجزاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية، فيما يشبه استعراضاً لمقدرات وإمكانات ونجاحات الدول المشاركة، ولا غرو أن أصبح يعرف بـ “أولمبياد الاقتصاد والعلوم والثقافة” على غرار الألعاب الأولمبية، كونه يتيح فرصاً ذهبية للتلاقح والتبادل بين مختلف التجارب الإنسانية. ينعقد أكسبو - شنغهاي على خلفية الأزمة المالية الاقتصادية العالمية الحالية ما وفر أرضية منطقية لمقارنته بتجربة دورة المعرض التي نظمتها شيكاجو عام 1933، إبان الأزمة المالية في الثلاثينات من القرن المنصرم، بهذا المعنى، يعلق منظمو التظاهرة والدول المشاركة فيها، أهمية بالغة على إكسبو - شنغهاي 2010، في استعادة الثقة بالأسواق وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية عبر العالم ما يحفز ويدعم الجهود المشتركة لمعالجة الأزمة المالية الخانقة ويفتح آفاقاً رحبة لاستكشاف أنماط تنموية جديدة مستدامة. وفي مؤشر قوي على فرص نجاحه المأمولة، كشفت بلدية شنغهاي أن ما مجموعه 238 بلداً ومنظمة عالمية، أكدت مشاركتها في المعرض بنهاية مايو 2009، متخطية الرقم القياسي الذي حققته دورة هانوفر عام 2000 حيث شاركت 170 دولة ومنظمة. الموضوع الرئيسي لإكسبو - شنغهاي وشعاره يهتم إكسبو - شنغهاي بموضوع رئيسي عنوانه “مدينة أفضل.. حياة أفضل” إضافة إلى عناوين فرعية ممثلة بـ “إدماج الثقافات المختلفة لتأكيد التعددية في المدينة وإعادة صياغة البنية الديموغرافية فيها لتحقيق التفاعل الإيجابي بين الحضر والأرياف إضافة إلى ترسيخ الممارسات الصديقة للبيئة وحفز النمو الاقتصادي والابتكارات العلمية والتكنولوجية - وتندرج هذه الموضوعات في إطار مفاهيمي يستبطن تساؤلات حول علاقات البشر بالمدينة والبيئة والأهداف التنموية - وتلامس متطلبات الإنسان في مراحل تشكل المدينة وكيفية توخي التخطيط على نحو علمي منطقي بما يؤدي لصياغة حياة أفضل وأكثر استدامة في ضوء طبيعة وبنية المجتمعات الحضرية التي شهدتها التجارب البشرية. أما شعار المعرض، فقد تم استلهامه من شكل حرف في الأبجدية الصينية وهو يشكل لفظة مفيدة تعني “العالم” - ويتألف الشعار من ثلاثة أشخاص- هم “أنت وأنا والآخر”- متشابكي الأكف، في تجسيد لفكرة الأسرة في الصين التي تتألف من الوالدين وطفل واحد، بحسب السياسة الرسمية المنظمة للتوسع الديموغرافي في البلاد. المغزى الأساسي لموضوعات إكسبو - شنغهاي وشعاره، يتمثل في أن يكون التفاعل الإيجابي المكثف بين الإنسان والمدينة والفضاء البيئي والموارد المتاحة، سبباً لإنتاج واقع جديد بين كافة الأطراف في إطار علاقة متوازنة تكفل الحماية والنمو والحق في حياة مستدامة. مساحة المعرض وموازنته يشغل المعرض مساحة كلية تبلغ 5.35 كيلومتر مربع وتقع على واجهتي نهر هوانجيو أما الموازنة المالية للمعرض، فتتألف من شقين: استثمار 18 مليار يوان صيني (الدولار يساوي 6.75) لأعمال البناء والبنية الأساسية والأجنحة الدائمة، إضافة إلى رأسمال تشغيلي بقيمة 10.6 مليار يوان علماً أن الكلفة المقدرة لكل جناح تقدر بعشرات الملايين من الدولارات مع تباين بين كل بلد وآخر بحسب حجم ومكونات الجناح - وحرصاً من الصين التي تصنف نفسها في مصاف البلدان النامية، فقد بادرت حكومتها برصد 100 مليون دولار لصندوق خاص بالبلدان الأقل يسراً لضمان مشاركاتها في المعرض. جناح الإمارات في إكسبو - شنغهاي يعد جناح دولة الإمارات العربية المتحدة في المعرض من أكبر الأجنحة المشاركة وأكثرها إثارة للاهتمام وهو مصمم على شكل كثبان رملية مستوحاة من البيئة المحلية، ويشكل الجناح الذي يبلغ ارتفاعه 20 متراً ويغطي مساحة قدرها 6 آلاف متر مربع، تحفة معمارية، بتأكيد الجهات المنظمة للمعرض، ويستخدم في تشييده مواد قابلة لإعادة التدوير استجابة لموقف الدولة الذي يلتزم أفضل المعايير والممارسات في حماية وصيانة البيئة. تصميم الجناح يعتمد مبادئ التخطيط العمراني العربي القديم ويمزج مشاهد البحر والصحراء ويشتمل على أحدث المنتجات التكنولوجية، بما يعكس رسالة للعالم مؤداها أن الإمارات تتصدر الركب والمسيرة باتجاه مستقبل أكثر استدامة مع تمسكها الشديد بهويتها وإرثها الثقافي والحضاري. يحتوي الجناح على كافة العناصر والمنتجات التي تنسجم مع موضوع المعرض الرئيسي “مدينة أفضل حياة أفضل” ويحكي مسيرة الإمارات وجهودها المتعاظمة في استنباط وصياغة أفضل السبل للاستخدام الايجابي للطاقة. يزخر التصميم الداخلي للجناح بمشاهد بانورامية بغرض ترسيخ مفهوم ومبادئ المدينة “الإنسانية” التي تعكس صورة وروح الإمارات والتزامها الصارم بأفضل الممارسات البيئية ورؤيتها للحياة الحضرية المستدامة في المستقبل. ويتضمن تصميم الجناح لاقطات للطاقة الشمسية توفر الطاقة التشغيلية للأجهزة بما في ذلك التهوية والتدفئة. حدائق التكنولوجيا المتطورة بجانب إنجازات وإمكانات البلدان المشاركة في الحقول الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية، يوفر إكسبو شنغهاي فضاءات للدول والمدن لعرض مقدراتها ونجاحاتها العلمية والتكنولوجية - ولا تقتصر رسالة المعرض على الترويج للمنتجات فحسب، بل تعنى بكيفية الإفادة القصوى منها وترسيخ القيم الايجابية في الممارسة اليومية للبشر، ولتكريس فكرة “حياة حضرية مستدامة معززة بالتكنولوجيا الحديثة”، وسيشهد المعرض حضوراً غير مسبوق لأكثر التقنيات تطوراً وبصفة خاصة، في حقول الطاقة الشمسية ووسائل نقل صديقة للبيئة ومعدات مصممة لترشيد استهلاك الطاقة وأخرى خاصة بصناعات إعادة التدوير، فضلاً عن تصميمات مبتكرة في فنون العمارة الصديقة للبيئة ومعدات لمعالجة التلوث ونماذج للتخطيط الحضري الخلاق. 70 مليون زائر أعدت بلدية شنغهاي العدة لاستقبال 70 مليون زائر على مدى أيام المعرض الـ 184 التي ستشهد 20 ألف فعالية ثقافية وفنية وفكرية، وكشفت البلدية أنها تلقت أسماء أكثر من مليوني متطوع للمشاركة في المهام التنظيمية واللوجستية للمعرض، وسيتم انتقاء 170 ألفاً منهم بحيث يتم تركيز 70 ألف متطوع داخل مقر المعرض لتقديم التسهيلات الاستشارية والإعلامية وخدمات الاستقبال ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة من مشاركين وزوار، إضافة إلى أعمال التنسيق والترجمة - وسيتم توزيع 100 ألف متطوع للقيام بكافة الأعباء الخدمية في المراكز المنتشرة عبر المدينة وضواحيها - وتعتقد السلطات الصينية المنظمة أن هذا الحشد الضخم يوفر فرصة ذهبية لعقد منتديات تتناول عدداً كبيراً من القضايا الإقليمية والدولية خاصة موضوع حوار الأديان والحضارات. الأبجدية الصينية شهدت الأبجدية الهيروغليفية والبابلية اللتان تم ابتكارهما قبل نحو 5 آلاف عام، عصوراً ذهبية من الازدهار والتطور، لكنهما انقرضتا، بعكس نظيرتهما الصينية التي تحدت الحقب التاريخية وما زالت قيد الاستخدام، وكان الصينيون القدامى يستخدمون أشكالاً رمزية لتسجيل الأحداث وتدوين المخطوطات إلى أن جاء استحداث الأبجدية الحالية، وبمرور الزمن، تطورت تلك الأشكال والرموز إلى خطوط أكثر تبسيطاً وتصميماً لنقل المعاني التي ترمز إليها. وقد قاد هذا التطور إلى بداية استحداث الأبجدية التصويرية “البكتوغراف”، بحلول القرن الرابع عشر قبل الميلاد ظهرت منظومة أبجدية صينية أكثر نضجاً عرفت باسم JIAGUWEN”جياغوين “، وكشفت الحفريات الأثرية عن نحو 6 آلاف شكل ورمز من هذه الأبجدية المتطورة، منقوشة على عظام وأصداف سلاحف مدونة الأنشطة الخاصة بمراسم القرابين وطقوس الكهانة، كان معظم تلك الأشكال مرسوماً في شكل بكتوغرافي غير أنها كانت تحمل سمات جنينية لنظام الرموز الكتابية التي تدل على ألفاظ أو أصوات للتعبير عن فكرة ما، وتعد هذه الرموز أكثر تطوراً من سابقاتها كونها تمثل فكرة مجردة أو ألفاظاً. كان للإمبراطور كوينج شيهانج “QIN ShIHUANG” الذي تمكن من توحيد الصين للمرة الأولى (حوالي 221 قبل الميلاد) الفضل في توحيد أساليب الكتابة المختلفة حيث ظهرت أبجدية منقوشة مستخدمة على نطاق الإمبراطورية. وتميزت الأبجدية الجديدة حينئذ بالبساطة لجهة تقليل عدد الخطوط فيها مع تحويل الخطوط المقوسة إلى مستقيمة، وأدى هذا التطور إلى تغيير كامل في شكل الأبجدية الصينية وأصبحت تعرف بأبجدية لشيو “LISHU”. بحلول الفترة ما بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، تبلورت صيغة معيارية موحدة للأبجدية الصينية قائمة على نظام لشيو، وبنهاية القرن السادس تطور نظام لشيو إلى أبجدية عرفت بـ “كياشو” KAISHU”، وأصبحت مستخدمة في عموم الأراضي الصينية، وعلى الرغم من تغييرات طفيفة شهدها نظام كياشو الكتابي، ظلت هذه الأبجدية مستخدمة في الصين حتى يومنا هذا مع بعض التغييرات الطفيفة. ويمكن القول إجمالاً إن الأبجدية الصينية، عبارة عن علامات تصويرية “جرافية” تعبر كل واحدة منها عن فكرة بعينها وليس بالضرورة أن تتألف الكلمة أو اللفظة من عدة حروف. وعلى نحو عام، شهد الخط الصيني تطورات جمالية كبيرة لجهة إثراء الحروف بلمسات فنية عالية تتجاوز معناها المجرد، كما تستبطن الحروف الصينية معاني أعمق خاصة عندما تستخدم في كتابة الشعر ما يجعل منها أعمالاً فنية قائمة بذاتها. العام الصيني الجديد يعرف العام الصيني الجديد بـ “مهرجان الربيع” وهو أهم عطلة في البلاد على مدار السنة، يحل هذا المهرجان بحلول العام القمري الصيني، وهو بمثابة عيدي ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية الجديدة عند الغربيين، ويشكل مهرجان الربيع نقطة تحول سنوية فاصلة في حياة الصينيين، حيث تتوقف الماكينات ويخلد العباد إلى الراحة والأكل ولا يتحركون إلا للاحتفالات. يكتنف الغموض البداية الأولى وأصل هذا المهرجان، وتروي الأساطير أن وحشاً كاسراً في قديم الزمان يعرف بـ “نيان” كان يهاجم القرى كل ربيع ويلتهم كل ما يصادفه في الطريق من إنسان وحيوان ونبات ومبانٍ غريبة، في ذات مرة قرر القرويون وضع أوراق حمراء على أبواب منازلهم وإشعال النيران في سيقان الخيزران، لدى سماعهم بنبأ بدء غزوات الوحش الشره. ولدى وصول “نيان” إلى القرية، أصابه الرعب من الألوان الحمراء الباهرة وفرقعة سيقان الخيزران المحترقة، فأجفل وولى هارباً قبل أن يعثر على فريسة، وما زالت أسطورة هذا الوحش حاضرة في أذهان الصينيين كون مفردة “نيان” تعني في اللغة الصينية “سنة”. وتقف عادة تعليق الأوراق الحمراء عند الصينيين والمصابيح السحرية خارج المنازل، شاهداً على تلك الأسطورة، ناهيك عن إحداث الصخب والأصوات المرتفعة في الاحتفالات. أما الألعاب النارية فقد حلت محل فرقعة سيقان الخيزران المحترقة. ويحرص الصينيون على تنظيف منازلهم وإعادة تنظيمها تماماً، خلال الأيام القليلة، التي تسبق بداية مهرجان الربيع تجنباً للقيام بهذه المهمة يوم العيد، لاعتقادهم أن كنس المنزل في هذا اليوم كفيل بجلب سوء الطالع والحظ العاثر، كما أنهم يعتقدون أن كسر أي إناء أو استخدام آلة حادة، من شأنها جلب النتيجة نفسها. وتشكل إجازة مهرجان الربيع فرصة للم شمل الأسرة والاحتفال مع بعضهم بعضاً لتجديد أواصر القربى، ولا غرو أن كافة الصينيين يعودون إلى مسقط رؤوسهم خلال هذه الأيام في حركة أشبه برحيل شعب بأسره داخل البلاد، ولدى التئام شمل الأسرة، يصبح الطعام مادة أساسية خاصة مع الأطباق الشهية المتنوعة والتي يتصدرها طبق السمك والمأكولات البحرية الأخرى علماً أن مفردة سمك تماثل لفظ “فائض” في اللغة الصينية. الاقتصاد الصيني.. تطلعات النمو ومخاوف من فرص الاستدامة يحتدم جدل واسع بشأن حقيقة الاقتصاد الصيني المتعاظم لجهة الرسوخ والضعف وإمكانية استدامة الإنجازات الضخمة التي حققها خلال العقدين الأخيرين وماهية فرصه في انتشال الاقتصاد العالمي من وهدته المالية الحالية في ضوء لجوء واشنطن إلى بكين بحثاً عن قروض سيادية لتمويل الدين الأميركي الهائل، فمن الناس من يرى فيما يجري من جيشان اقتصادي في الصين، لا يعدو كونه “فقاعة” لن تصمد كثيراً أمام العواصف، في حين يتخيل آخرون عملاقاً يسارع الخطى ليبتلع أكبر الاقتصادات في العالم، مستدلين بإزاحته للاقتصاد الألماني عن المرتبة العالمية الثالثة (من حيث الحجم)، وهو يلامس المرتبة الثانية ليحل محل الاقتصاد الياباني الذي يعاني من تباطؤ في النمو والانحسار. وثمة متفائلون يرون في التغييرات الدرامية التي تشهدها الصين منذ إطلاق سياسات الإصلاح والانفتاح والتحديث عام 1978، مؤشراً على أن البلاد ماضية بخطى حثيثة لاستعادة مكانتها الاقتصادية التي فقدتها قبيل سنوات من نهاية القرن التاسع عشر بفعل الحروب الاستعمارية، كونها كانت حينذاك تشكل أكبر اقتصادات العالم. الأمر يختلف كثيراً في بكين، فصناع القرار ودوائر قطاعات الاقتصاد والمال، لا ينشغلون كثيراً بالتصنيفات والمواقع الترابية في سلم اقتصادات العالم، بقدر ما أنهم يؤثرون العمل في صمت إدراكاً منهم تماماً، أن اقتصاد البلاد ونموه واستدامته لا يمكن أن يتجزأ عما يجري في بقية أنحاء المعمورة وذلك بعد اندماجه في الاقتصاد العالمي منذ مطلع القرن الحالي. على المستوى الرسمي، يفيد تقرير حديث أن الاقتصاد الصيني سيستمر في مؤشرات تعافيه من تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية خلال الفترة المتبقية من 2009، وسيحقق نسبة نمو تعادل 8.5 في المئة خلال الربع الأخير من العام الحالي، وخلص التقرير الذي أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة مقتطفات منه، إلى أن الاقتصاد الصيني سيحقق الهدف المنشود بإحراز معدل نمو يبلغ 8 في المئة في مجمل الأداء الاقتصادي بالبلاد منوهاً بالدور الذي لعبته الاستثمارات الداخلية ومؤشر الاستهلاك المتصاعد بفضل جرعة تحفيزية أقرتها الحكومة الصينية. وفي تقرير آخر أوردته الوكالة نفسها تفيد الإحصائيات أن الصادرات الصينية تراجعت بنسبة 21.3 في المئة لتصل إلى 836.6 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، فيما بلغ إجمالي الفائض التجاري 48.14 مليار دولار بتراجع يبلغ 26 في المئة عن الفترة نفسها من 2008، وتشير توقعات لـ “جي. بي. مورجان” وكريديت سويسرا، أن الوضع التصديري للمنتجات الصينية، سيتحسن بشكل أفضل في ظل بوارد الانتعاش التي يسجلها الاقتصاد العالمي خلال الأشهر القليلة الماضية. كما أشارت إحصائيات حكومية أخرى، إلى أن الاقتصاد الصيني سجل نمواً بمعدل 7.9 في المئة خلال الربع الثاني من 2009 مقارنة بالفترة نفسها عام 2008، معززاً بإجراءات ضخ واقتراض ضخمين، ونقلت “وكالة الأنباء الصينية” عن مصلحة الدولة للإحصاء ما يفيد أن الناتج المحلي الإجمالي سجل نمواً قدره 7.1 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي بلغ 2.06 تريليون دولار مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما سجل الاحتياطي الصيني 2131.6 مليار دولار مقارنة بـ 1946 مليار دولار في ديسمبر 2008 - وتشير توقعات البنك الدولي للنمو الاقتصادي في الصين للعام 2009، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سينمو بمعدل 7 في المئة. وبصرف النظر عن الرقم الذي سيحققه النمو الاقتصادي الصيني، هناك إجماع محلي وأجنبي على أن بكين تمكنت من تخطي أسوأ مراحل الأزمة المالية العالمية وستحافظ على المكاسب التنموية المسجلة منذ مطلع القرن الحالي. وكانت القيادة الصينية سارعت منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى اتخاذ تدابير للحد من التداعيات السلبية على أدائها الاقتصادي العام، وتندرج تلك التدابير في شقين: حقن الاقتصاد الوطني بحزمة مشاريع وبرامج ضخمة تفوق 600 مليار دولار، لدعم القوة الشرائية لعشرات الملايين من العمال والفلاحين وشرائح الطبقة الوسطى، ما يؤدي إلى توسيع السوق الاستهلاكية الداخلية لتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع الطلب العالمي للصادرات الصينية. على الشق الآخر، كانت بكين مدركة تماماً لاستحالة شطب دور الاقتصاد الأجنبي الذي شكل دعامة أساسية للنجاحات الاقتصادية المذهلة على مدى العقد الماضي. من هنا، جاء تدخل الصين بحقن الاقتصاد الأميركي بما يقارب تريليوني دولار ما جعل منها حالياً أكبر مستحوذ على سندات الخزانة الأميركية والاستثمارات في الولايات المتحدة، كما أن الصين أصبحت منذ عام 2006، أكبر شريك تجاري لليابان التي تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم. إذا، فالاقتصاد الصيني في مرحلة انتقالية باتجاه حل ذي مسارين يهدف إلى صياغة مسار أوسط يتمثل بحزمة سياسات اقتصادية داخلية مدروسة بعناية للمحافظة على نمو لا يقل عن 8 في المئة كحد أدنى، لتوفير فرص عمل جديدة تمنع تصاعد معدل البطالة وتعزز الوئام الاجتماعي. إضافة إلى اتخاذ مبادرات خارجية ضخمة لحفز النمو الاقتصادي العالمي وإنعاش الطلب على المنتجات الصينية في الأسواق الخارجية. هناك من يرى في الإجراءات الصينية الداخلية، عودة إلى سياسة التخطيط المركزي والتدخل في آليات السوق وحرية المبادرة. غير أن دور الدولة في التخطيط ظل قوياً في تنفيذ السياسات التنموية في ظل نظام اقتصاد “السوق الاشتراكي” الذي تنتهجه بكين والتي ستتمسك بهذا المسار في ظل ما حققته من مكاسب اقتصادية وتنموية على مدى العقدين الماضيين. كما يرى محللون أن المؤشرات الإيجابية التي بدأت على بعض القطاعات الاقتصادية الصينية بفعل جرعة المشاريع الضخمة الأخيرة، ما هي إلا نتيجة للحوافز الضريبية لتعزيز الطلب الداخلي ويخلصون إلى أنها سياسة قصيرة الأمد لا تكفل استدامة النمو. ومع المزايا الضخمة التي يتمتع بها الاقتصاد الصيني خاصة العمالة الرخيصة الشابة، لكن ثمة تحديات ضخمة لابد من تداركها لضمان النمو المستدام وتوفير فرص العمل لمئات الملايين من البشر، فالاقتصاد الصيني يعتمد على استيراد الجزء الأكبر من حاجة قطاعاته الصناعية للطاقة والمواد الخام ورأس المال الأجنبي، وهي أمور غير مضمونة على المدى البعيد. كما تعتمد القدرة التنافسية للصادرات الصينية، على انخفاض كلفة الإنتاج والتحكم في سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وذلك للتعويض عن الخلل في تكنولوجيا التصنيع، وهناك أيضاً معوقات تتصل بقصور في شبكات النقل والاتصالات، لجهة قدرتها الاستيعابية لحجم الإنتاج، إضافة إلى ضعف النظام المصرفي ومؤسسات التأمين. ويؤكد خبراء اقتصاديون صينيون، أن انتعاش الاقتصاد الوطني له تأثير إيجابي على عملية التنمية الاقتصادية في العالم، لكنه محدود مبينين أن الصين دولة نامية وأن حفز ودعم النمو في الاقتصاد العالمي، مرتبط بانتعاش الاقتصادات الأخرى في العالم، ومع المخاطر الجمة التي تستشعرها القيادة الصينية، هناك ثقة في المستقبل طالما تمسكت بكين بشعار “التنمية السلمية المستدامة” وليس أبلغ من قول الرئيس هو جينتاو “مازال الأفضل مقبل في الطريق”. بنى أساسية واستثمارات تضمد جراح القارة الممزقة الصين تنقب عن النفط والمعادن في أدغال أفريقيا العلاقات الصينية - الأفريقية ضاربة في القدم وتستند إلى التطورات التاريخية التي شهدتها المنطقتان خاصة خلال الفترة الاستعمارية وتجربتي التحرر الوطني مروراً بالتعاون المشترك المزدهر في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية في الوقت الراهن. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وخروجها من العزلة، وجدت بكين ضالتها في بلدان العالم النامي باعتبار البلاد جزءاً من هذه المنظومة، ووثقت عرى التواصل ملقية بنفوذها السياسي لدعم قضايا تلك الدول في المنابر الدولية مركزة بصفة أساسية على تنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال الاستثمارات والمساعدات. وبما لأفريقيا من ثروات طبيعية هائلة غير مستغلة وموارد بشرية مقدرة، توخت الصين منهجية مغايرة لتلك التي قامت عليها علاقات الغرب مع بلدان القارة السمراء متمسكة بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية ومبادئ التعايش السلمي عارضة التنمية المشتركة، واستفادت بكين من تلك المعطيات، في صياغة سياسات وآليات ملائمة لتأطير التعاون مع البلدان الأفريقية، وذلك بغرض تأمين مصادر مستدامة لإشباع حاجتها من الطاقة والمعادن والمواد الخام الأخرى. توجت تلك الجهود بالإعلان عن تأسيس منتدى التعاون الصيني، الأفريقي في أكتوبر 2000 الذي يؤطر لشراكة استراتيجية متكافئة مستقرة ويشكل قاعدة لتنمية وتوسيع أوجه التعاون الرسمي في المجالات الاقتصادية والسياسية والعلمية والعسكرية معززاً بآليات أخرى لترسيخ التعاون بين المؤسسات غير الحكومية والقطاعات الخاصة بين الجانبين، عقد المنتدى دورات وزارية ثلاث، فيما أعدت القاهرة عدتها لاستضافة اجتماعه الرابع في 8 نوفمبر 2009 الذي يتوقع أن يشهد حضور قيادات صينية وأفريقية من نحو 29 بلداً. ويُعنى الاجتماع الذي سيعقد في مدينة شرم الشيخ، بمراجعة تنفيذ خطة عمل بكين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بين الصين وبلدان القارة السمراء والتي تم إقرارها عام 2006، إضافة إلى تقييم مسيرة وحصيلة التعاون المشترك ووضع أطر خطة عمل للمرحلة المقبلة، وكان العام 2004، قد شهد إنشاء مجلس الأعمال الأفريقي الصيني الذي يهدف لدعم التجارة والاستثمارات مع عدد من البلدان الأفريقية. يعود تنامي العلاقات الصينية - الأفريقية بشكل ملحوظ خلال العقدين الآخرين، إلى عوامل عدة يمكن إجمالها بالقول، إن بكين غيرت بشكل جذري، علاقات التنمية الاقتصادية وقواعدها السائدة في العالم خلال الفترة التي أعقبت مرحلة التحرر الوطني في أفريقيا والبلدان النامية الأخرى. ذلك أن مؤسسات التمويل الغربية، خاصة البنك وصندوق النقد الدوليين، ظلت تفرض شروطاً ومعايير تبث الرعب في قلوب قادة العالم النامي، خاصة الحكام الأفارقة. فعلى سبيل المثال، ظل البنك الدولي وصندوق النقد يتفاوضان لسنوات، على مشروع قرض مع حكومة أنجولا، تركزت جولات التفاوض على التوصل إلى اتفاقية خاصة بالشفافية والانضباط في استخدام القرض. وقبيل أيام من توقيع اتفاقية القرض في 2004، فوجئ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بإلغاء الحكومة لمشروع الاتفاقية وعلم مسؤولو المؤسستين، أن لواندا لم تعد ترغب في القرض بعد أن حصلت على قرض، قدره مليارا دولار من الحكومة الصينية وبشروط ميسرة. هذا الموقف يتكرر من زامبيا إلى الجزائر ومن أثيوبيا إلى السودان وأوغندا وزيمبابوي وتشاد. ويلاحظ أن علاقات تشاد مع تايوان لم تمنع الحكومة الصينية من تعزيز تعاونها الاقتصادي مع هذه الدولة الواقعة وسط غرب أفريقيا حيث تنشط شركات صينية في مجال صناعات النفط. في فبراير 2002، أعلن الرئيس الصيني هو جينتاو عن تأسيس منطقة اقتصادية للصادرات والاستثمارات في حزام النحاس متخذة مقراً لها في زامبيا، وتشكل هذه المنطقة المعززة باستثمارات ضخمة في البنيات الأساسية من طرق برية وسكك حديدية ونقل بحري، رأس الرمح لفرس أنموذج التنمية الاقتصادية الصينية في قلب أفريقيا الغنية باليورانيوم والألماس والكوبالث والنحاس والنفط. كما وقع اختيار بكين على موريشيوس لإنشاء منطقة استثمارية صناعية أخرى مرتبطة بالسوق المشتركة لدول جنوب وشرق أفريقيا والتي تمتد من ليبيا إلى زيمبابوي ومحاذية لمنافذ المحيط الهندي وأسواق جنوب آسيا، وثمة منطقة ثالثة في العاصمة التنزانية دار السلام، وهي متخصصة بخدمات الشحن البحري، مضافاً إليها منطقتين أخريين في منطقة خليج غينيا المملوءة بالنفط في غرب أفريقيا، ومن المقرر ربط هذه المناطق بالطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ البحرية وشبكات الاتصالات الحديثة. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الصين تمتلك حالياً أكثر من 3 آلاف مشروع استثماري في كافة أنحاء العالم، ولا غرو أن تجد في بكين في وقت واحد وفوداً من فنزويلا والبرازيل وفيتنام وروسيا والهند وكازاخستان وأنجولا وزامبيا وإيران، تتطلع لتجربة التنمية الاقتصادية في الصين.
المصدر: بكين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©