الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمر بن عبد العزيز يحرر المسلمين من خوف السلطة

3 سبتمبر 2008 00:48
يعد عمر بن عبد العزيز من أبرز المجددين في الإسلام بعد انتهاء الخلافة الراشدة التي كان شخوصها بحق من المجددين، وتحديداً في المائة الأولى من التاريخ الإسلامي، فقد حظي، بإتفاق المؤرخين على كونه الأكثر جدارة واستحقاقاً لهذه المكانة العظيمة بين ثلة المجددين· هو لم يحز على شرف مرتبة السعي للتغيير والتجديد وإحياء الشريعة فحسب، بل وُسم بامتلاك القدرة على تحقيق نهجه على أرض الواقع، لما كان له من سلطان وولاية سياسية، فقد أزال ما في السلطة من قدسية وتكبر، وحررالمسلمين من الخوف منها الذي تفشى في عهد بعض حكام بني امية، وأعطى نموذجاً لما بات يسمى حالياً بالخدمة المدنية لتلك السلطة· هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية· سابع الخلفاء الأمويين، خامس الخلفاء الراشدين وتذكر موسوعة ويكيبيديا، أنّ نسبه من أمه يرجع إلى عمر بن الخطاب، حيث كانت أمّه هي أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وبذلك يصبح الخليفة عمر بن الخطاب جد الخليفة عمر بن عبد العزيز· يختلف على مكان ولادته فيقال في المدينة ويقال بمصر، وقد تلقى علومه وأصول الدين على يد صالح بن كيسان في المدينة المنورة، واستفاد كثيرا من علمائها، ثم استدعاه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان إلى دمشق، عاصمة الدولة الأموية وزوّجه ابنته فاطمه، وعينه أميرا على إمارة صغيرة بالقرب من حلب تسمى دير سمعان، وظل واليا عليها حتى سنة 86 هـ· وقد رفعته أعماله حينما تولى الحكم لمكانة أكبر من تبوؤ الثلة الأولى من المجددين بالإسلام، وهي أن يكون خامس وآخر الخلفاء الراشدين من بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إذ ورد عن الإمام الشافعي قوله: ''الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز''· أخرجه بن عسكر في التبيين· ويذكر عبد الحميد جودة السحار في كتابه ''عمر بن عبد العزيز'' أنّه بشهادة الأعلام الحنفاء، الأمير الأمين، والحاكم العادل، والعالم الكامل العلي المنزلة، جمع زهداً وعفافاً وورعاً وكفافاً، وكان للرعية ركناً أمنياً· وأدرجه عبد المعتال الصعيدي في كتابه ''المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر''، ضمن قائمته في المائة الأولى· إذ كان قبل الخلافة عاملاً على المدينة المنورة، فسلك فيها سلوك المصلحين، وأحيا في حكمه ما أماته من قبله في الإمارة فكثر حساده، ولم يدم حكمه إلا قليلاً· ولما بويع بعهد الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنة 99 للهجرة، ملأ الأرض عدلاً ورد المظالم وأحيا السنن التي ماتت في قلوب المسلمين، وكان بحق أشج بني أمية الذي ملأ الدنيا عدلاً، وفقاً لرؤية جده عمر بن الخطاب· ويقول السحار إنّ عهد التغيير بدأ منذ لحظة بدء خلافته، إذ قدم إليه مركب الخليفة المعتاد بكل ما فيه من فخامة وعظمة الملك، فأبى عمر بن عبد العزيز، وقال آتوني ببغلتي· ولما رجع من جنازة سلفه سليمان، قال له خادمه: ''ما لي أراك مغتماً··؟ فكان ردّه: ''الحكيم لمثل ما أنا فيه فليغتم''· إنه الصدق مع النفس وبصيرة الرؤية لعبء الأمانة، وهول الإحياء الديني، وجسامة التحديات التي سوف يقابلها في التجديد· ويروى أنه التمس لنفسه يوماً الراحة من عبء الشغل المتواصل لقضاء حوائج الناس، فدخل عليه ابنه عبد الملك فقال له: أمير المؤمنين، أنت تستريح وأصحاب الحاجات على الباب، من أراد الراحة فلا يلي أمور المسلمين· فبكي عمر بن عبد العزيز، وقال: ''الحمد لله الذي أخرج من ظهري من ينبهني ويدعوني إلى الحق ويعينني عليه، فترك الراحة وخرج إلى الناس يقضي لهم حاجاتهم· ولما ولي الأمر كتب إلى الفقيه العابد الحسن البصري قائلاً: ''إني ابتليت بهذا الأمر، فانظر ليّ أعوانا يعينوني عليه، فأجابه البصري قائلاً: ''فأمّا أبناء الدنيا فأنت لا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فهم لا يريدونك·· فاستعن بالله على ما ابتليت فيه يا أمير المؤمنين· ومع ذلك سعى لتقريب أهل الصالح إليه وجعلهم أهل مشورته، وأحيا الشورى التي ماتت قبله، ونشر العدل بين شرائط وأطياف الأمة في عهده القصير الذي لم يدم سوى ثلاث سنوات فقط· ويتفق الصعيدي والسحار على أنّ عمر بن عبد العزيز قد ألزم نفسه طريقاً واحداً هو إحياء ما مات من السنن الحميدة التي غفل عنها الناس حكاماً ومحكومين· إذ رأى أن المسلمين قد حادوا عن صحيح الدين وتحديداً في سلوكياتهم ومعاملاتهم، والتي مست العقيدة بشكل غير مباشر· فوضع نصب عينيه أن تستهدف عملية الإحياء الديني تقويم تلك السلوكيات وإعادتها إلى صحيح الدين، لكي تكون انعكاساً لجوهر الإسلام، كما كان الحال في السلف الصالح من قبل· ولذا كانت أولى مهامه الرئيسة، كما يقول السحار، إعادة تمكين العقيدة من النفوس، وتهيئة الأذهان لتقبل الإحياء الديني بما فيه من مشاق، بعدما هيمنت متاع الدنيا وحبها على المسلمين، فطغت على نفسهم والآخرين، وتحديداً تلك الشريحة من الولاة والمرتبطين بهم· وبعكس التجديد وما فيه من مراعاة للأولويات والتدرج في عمليات التغيير بقصد المواءمة مع مقتضيات الواقع، فإن النهج العمري في الإحياء لم يكن بحاجة لتلك التدرجية· وأتى نهجه قاسياً وحاداً على أولئك الذين إعتادوا الإسراف والتمتع بما لم يأت الإسلام به من سلطان، ومحبباً للذين نشدوا العدل والحرية والمساواة من قبله فلم يجدوها، فمثل أولئك ناصروه بقلوبهم ودعواتهم، وأما الأولون فهم الذين ناصبوه العداء والتربص به· ولذا يروي أن بني قومه من آل مروان وأمية اجتمعوا يوماً للتدارس في أحوالهم بعدما سلبهم عمر كل ما لديهم من أسباب التفاخر والتكبر على عباد الله المسلمين وسواهم بهم، فبعثوا بأحدهم يكلمه في مطلب وحيد وهو استعادة ما كان لديهم من عز وجاه وسلطان، مؤكدين له أن من كان قبله من الخلفاء يعرف لهم قدرهم، وأنه قد حرمهم وأخذ ما كان بين أيديهم من ثروة ومتاع·· فكان رده عليهم أن حمّل رسولهم رسالة قال فيها: ''إرجع إليهم وقل لهم: إني أخاف الله إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم''· ويذكر العديد من المؤرخين أن المنهاج العمري في الإحياء والتجديد اتسم بعدة سمات، من أبرزها: إشاعة المساواة بين المسلمين، وما تلا ذلك من إلغاء لما ورث بالنفوس منذ بدء الخلافة الأموية من خنوع تام للولاة والحكام لحد التقديس مقلدين في ذلك ما حولهم من إمبراطوريات· ومن سمات نهجه أيضا الإنصاف والقضاء على ما هو موروث من عداء لآل البيت النبوي، وتحديداً الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه· فقد كان خلفاء من بني أمية يسبّون علياً منذ عام 40 للهجرة، وهو العام الذي خلع فيه الحسن نفسه من الخلافة· فقد كتب عمر إلى نوابه بإبطال ذلك، وتحديداً في خطب الجمعة، وأبدل السب في آخر صلاة الجمعة بقوله تعالى من سورة النحل·· إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربة، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون · فلم يسب الإمام علي بعدها· وحرص على إشاعة التكافل الاجتماعي وإعادة توزيع الثروة بين المسلمين، بحيث لا تستأثر بها شريحة مسلمة دون البقية وتسخرها في الطغيان والتحكم في الآخرين· وقد بدأ عمر بنفسه أولاً ثم آل بيته ثم بني أمية، حتى أنه يروى أنه لم يكن في عهده فقير أو معثر· ويذكر السحار أنّ عمر بن عبد العزيز عمل على تحرير المسلمين من خوف السلطة وجاه السلطان، إذ كان نبراسه في ذلك قوله تعالى في سورة المنافقين·· ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين · وتحقيقاً لهذه المبدأ كان يطلب من المسلمين ألا تكون الحاجة سبيلاً للتنازل عن شيء من كرامتهم، إذ كان يردد دوماً قوله صلى الله عليه وسلم: ''اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير ''· وفي مرضه الذي قبض فيه قال: ''يا رب أنا الذي أمرتني فقصرت، ودعيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا أنت''· وقيل له عند مرضه: ''لو تداويت''، فقال: ''لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها، نعم المذهوب إليه ربي''· ثم قبض رضي الله عنه· عن يوسف بن مالك قال: ''بينما نحن نسوي عليه التراب إذ سقط علينا رق من السماء فيه·· ''بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن العزيز من النار''· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©