الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
3 سبتمبر 2008 00:51
حدث شيخ من أهل اليمن بصنعاء عام الردة، وكان معمراً عالماً بملوك بني حمير وأمورها قال: كان باليمن رجل من عاد بن قحطان، وهو عاد الأصغر- وأما عاد الأكبر فلم يبق منهم أحد· قال الله تعالى: (فهل ترى لهم من باقية) (الحاقة: 8)، وأن هذا الرجل العادي كان يقال له الهميسع بن بكر، وكان جسوراً لا يهاب أمراً، وكانت الصعاليك تقصده من آفاق الأرض، وكان أكثر طلبه المغاور والكهورف يطلبها في جبال اليمن وعمان والبحرين· فأتاه رجل من عبس وآخر من خزاعة وكانا صعلوكين جسورين فقالا له: يا هميسع خذنا معك أين ما أردت فإنا نبلغ مرادك· فمضى معهما حتى أتى بهما جبلاً وعليه غابة فيها الثعابين لا ترام، والهميسع أمامهم وكان قد أتى الجبل مراراً وحده، وكان إذا عاين الثعابين يجزع ويرجع· فلما أتى ومعه الصعلوكان جسر بهما وتشجع، فلم يزل يتزايا للثعابين وتهرب منه حتى بلغ باب كهف عظيم كأنه جبل، فسمعوا من داخل الكهف دوياً عظيماً وهينمة، وعلى باب الكهف نقش بالحميري فقالا له: اقرأ يا هميسع· فقرأه فإذا مكتوب عليه هذان البيتان: لا يدخل البيت إلا ذو مخاطرة أو جاهل بدخول الكهف مغرور إن الذي عنده الآجال حاضرة موكل بالذي يغشاه مأمور فغلب الخوف والجزع على الخزاعي في أول أمره· ثم إن الجزع غلب أيضاً على العبسي فاستدرك نفسه وثبت· فقال الخزاعي: يا هميسع قد عاش في الدنيا كثير ممن لم تبلغ نفسه هذا المبلغ· ثم قال له: يا هميسع لقد بعت نفسك من دهرك بأبخس ثمن· فقال الهميسع: نمضي بالكهف أم لا؟ قالا له: نمضي· فسارا قليلاً فوجدا باباً مكتوب عليه بالخط الحميري: انظر لرحلك لا يساق فإنه حتم الحمام إلى العرين يساق يا ساكني جبلي شمام لعلها يدني بما أجنبتما الميثاق قوموا إلى الإنسي إن محلّه يدعو إلى يوم الفراق فراق قال: فولّى العبسي هارباً عنه، وناداه الهميسع فلم يلتفت له· ومضى وهو يقول: قاتل الله أخا عاد ما أجسره! قال: فهمّ الهميسع أن يفر، ولكنه حمل نفسه على الأصعب، ومضى حتى بلغ الى باب هو أعظم هؤلاء وأشد وحشة وعليه نقش بالقلم الحميري فقرأه الهميسع فإذا فيه: قد كان فيما قد مضى واعظ لنفسك البينة المسمعة إن جهل الجاهل ما قد أتى وكان حينا قلبه في دعه فدخل الباب الثالث فسمع دوياً عظيماً كالرعد وهدة عظيمة، فبينما هو كذلك إذ برز إليه تنين أحمر العينين فاتحا فاه، فلما رآه الهميسع رجع هارباً إلى خلفه فسكن التنين· فوقف العادي وقال في نفسه: قد رآني، ولو كان حيواناً لم يدعني وما هو إلا طلسم، فأخذ حذره من صدمته- وأقبل يمشي قليلاً قليلاً ويخفف وطأ قدميه، حتى وضع قدمه في موضع فتحرك التنين ودوى· فأخذ قدوماً كان معه فحفر على الموضع حتى ظهرت له سلاسل على بكرات، فأجنه الليل فأسرع الخروج من الكهف وجمع حطباً من الغيضة وأضرمها ناراً وبات عند باب الكهف· فلما غشيه الليل سمع بكاء عظاة خارجة إليه من داخل الكهف· فلما رآها لم يبرح من موضعه حتى غشيته، فصبر لها فلم تؤلم فيه مقياس النيران التي أضرمها وأقبل يضرب بها حيطان الكهف يميناً وشمالاً حتى سمع نداء من داخل الكهف يهتف: يا هميسع لا حاجة لنا في دخولك· فأقام حتى أصبح، فدخل الكهف إلى أن وصل الى الباب الذي رأى فيه التنين، ثم حفر على بقية حد التنين حتى قلعه· وسقط التنين، فسار إليه الهميسع وقلع عينيه، فإذا هما ياقوتتان حمراوان لا قيمة لهما، وسار حتى انتهى الى باب هو أعظم هولاً وأشد وحشة· فلما همّ أن يفتحه سمع دوياً عظيماً، وبدا له أسد عظيم، فرجع أيضاً إلى خلفه، فرجع عنه الأسد بدوي عظيم· فحفر على موضع حركته كما صنع بالتنين حتى أبطل حركته، وقلع عينيه فإذا هما ياقوتتان· ثم دخل بابا فإذا هو بدار عظيمة، وفيها بيت في وسطه سرير من ذهب وعليه شيخ على رأسه لوح من ذهب فيه مكتوب: أنا شداد بن عاد، عشت خمسمائة عام، وقتلت ألف مبارز، وتزوجت ألف امرأة، وركبت ألف جواد من عتاق الخيل· وتحته مكتوب: من ذاك يا شداد عاد أصبحت آماله مهزومة الأقدام يا من رآني إنني لك عبرة من بعد مالك الدهر والأعوام فكأنني ضيف ترحل مسرعاً وكأنني حلم من الأحلام احذر تصاريف الزمان وريبه لا تأمنن حوادث الأيام قال: ثم ملت الى الركن الذي عن يمينه فإذا هو سرير من ذهب وعليه جاريتان فوق رأسيهما في الحائط لوح من ذهب- أو قال من عاج - فيه مكتوب: ''أنا حبة، وهذه لبة بنت شداد بن عاد· أتت علينا أزمان أنفقنا فيها الطارف والتليد، ثم طلبنا صاعاً من بر بصاع من در فلم نجده· فمن رآنا فلا يثق بالزمان وليكن على بيان، فإنه يحدث العز والهوان''· قال: فأخذ الهميسع الألواح - وما بالبيت من در وجوهر وياقوت وخرج· لما مات شداد بن عاد صار الأمر إلى أخيه لقمان بن عاد- وكان الله أعطى لقمان ما لم يعط غيره من الناس في زمانه· أعطاه حاسة مائة رجل، وكان طويلاً لا يقاربه أهل زمانه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©