الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ذبذبة

ذبذبة
18 يونيو 2017 22:22
مريم الزرعوني حنين جارف يتحنن في قلبي الآن بُعيْد كل اجتراحٍ لوداع تدججه أحاديث غرفة تضيق بها حواسي، فلا أتسمع سوى «علّمني عليك»، ألِفتْ روحي ذبذباتك، وأنا بالكاد أرى أظفار الطفولة القاسية تنمو في ذاكرة ترشح منها علاقة ما ورائية يثقلها النسيان.. يد جدي البيضاء وحدها من كانت تعيدني إلى برج المراقبة في جزيرة صمت كل ليلة.. أنا أرقبه خلفَ حُجُب مبهمة، وهو يدلك أزرار مذياعه «الناشيونال» ذي الجلدة البنية الداكنة.. أحببتُ صوته الآخذ في النأي. يعاودني الحنين الآن، فهل يُرجِعُ الصوت خرس قلبٍ صغير ينسلّ من ذاكرة تُقرّع الألم في عُرض الحائط غير عابئة بفرضيات الفيزيائيين.. ومنذ اغتراب الروح في الآفاق، ألهو بحاسة واحدة في حديقة سرية لا لون لها سوى سنواتي الطازجة، أعود وأتكوّم في كتلة الصوت الوحيد هناك بعيداً منفردة بـ«أنايَ». كُنتَ لي الأنيس حين عزّ الجليس، وكنتَ عقل طفلة لا تعي شيئاً سوى جرّة حزن أنكرته الحواس المحيطة بها، نَضجَ الصوت، ولم تنضج الحكاية بداخلها كلّما أثمرت براعمها الغضّة، وهي تختلج ما لا يراه الآخرون فيها.. لأن الأطفال حينذاك دمىً جميلة لا تحوي في جوفها إلاّ اللهو والفراغ.. وهي لا تعرف إلّا التعثر بذاك الفراغ.. عبثَتْ بك حبالي الصوتية، تقلد المقامات العليا بصخب داخلي محدود الخبرة، لا أجد سوى صوتك آخر الليل، أطمئن به نفسي، وأتفحص بعيني حديقتي السرية المحروسة بإحكام حتى تشرق ساعات الصباح الأولى.. أعود في الظهيرة من المدرسة مهدودة، وأنا أحمل في فمي بقايا حلم لم يكتمل بعد، وكان صوتك من بعيد يرجعني، لكن سرعان ما يشتد الصوت أمامي من كثرة ما يطلبه المستمعون، شتاءاتي الأولى قليلة لكنها مكتنزة بالذكرى المؤرَّخة بِبَثك، إذ أفتح عينيَّ مع نداء الفجر، يدي تتحسس زرّ التوليف، نعم أدمنتك.. أدمنت ضجيجك المنبعث من أصابعي التي تعرف كيف تضبط محطاتك، تعرف كيف تدوزنني في كل مرة، وتعيد تناغمي مع احتمالٍ مختلف.. أرتدي جواربي البيضاء، وصوتك الأبيض إلى متاهات «من غير ليه».. وأعود هذه المرة بعد الظهيرة، أخلع جواربي علني أخلع معها حروفاً تائهة تتلعثم تأتأتها، يلبسها صوتُه، وأحلُّ جدائلي تضامناً مع سليمان زيمان لعلّ المعذب في الهوى يجد للوصل الوسائل.. وشببت عن الجديل والجورب الأبيض، ولم يشبّ قلبي عن ذكرى تؤججها كلّما التقت الأنامل بالأزرار. من أنت! أنت صوتي.. بعد الخرس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©