الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الجنوبية.. علاقة المدنيين بالعسكريين

18 يونيو 2017 22:41
أثار نشر الولايات المتحدة لنظام«ثاد»(الدفاع الجوي للارتفاعات العالية في منطقة العمليات) في كوريا الجنوبية، سجالاً هائلاً. فالصين، على سبيل المثال، أبدت مشاعر سخط إزاء منظومة الرادار في نظام «ثاد»، بسبب قدرتها على اكتشاف أي عملية إطلاق للصواريخ من أراضيها، أو أراضي كوريا الشمالية. أما داخل كوريا الجنوبية، فإن موضوع«ثاد»، بات من الموضوعات المسببة لاستقطاب حاد، حيث يؤيده معظم المحافظين، ويعارضه الليبراليون، الذين يتشككون في فائدته العسكرية، ويتخوفون من الأخطار التي يمكن أن يلحقها بالبيئة. وفي الآونة الأخيرة، حدث تطور لافت، أضاف المزيد من الإثارة لملحمة«ثاد» في البلاد. فقد تجاهل تقرير قُدّم للرئيس«مون جاي- إن» في وزارة الدفاع الوطني، حقيقة أن هناك أربع منصات إطلاق صواريخ تابعة لنظام«ثاد» قد أدخلت للبلاد في شهر أبريل الماضي، لتضاف للمنصتين المنشورتين بالفعل. وإذا ما ثبتت صحة اتهامات مكتب الرئيس، بأن وزارة الدفاع، قد حجبت هذه المعلومة عن عمد، فإن ذلك سيشكل«صدمة هائلة»- حسب نص تعبير مون نفسه- ويلقي بأضواء كاشفة على العلاقة الإشكالية المدنية- العسكرية، في كوريا الجنوبية. يشار إلى أن موضوع العلاقات المدنية- العسكرية، قد خضع لدراسات مكثفة في كوريا الجنوبية، نظراً للخطر المتمثل في احتمال قيام العسكريين بانتزاع زمام السيطرة من السلطات المدنية. وكما قال سقراط ذات مرة، فإن الجنود يحمون الدولة من التهديدات الخارجية، ولكنهم هم ذاتهم، يمثلون مصدراً محتملاً لتهديد المجتمع. ولهذا السبب تحديداً، يجب وضع قيود على دور العسكريين في المجتمع، علما بأن سيطرة المدنيين على العسكريين، باتت عرفاً مقبولاً في الأنظمة الديمقراطية. ولكن كوريا الجنوبية تفتقر إلى مثل هذه القيود على العسكريين. فوفقاً ل«كاي – جو كيم» الباحث الكوري الجنوبي، فإن من بين 44 وزير دفاع تولوا منصبهم منذ عام 1961 لم يكن هناك سوى ستة فقط(ما يعادل 14 في المئة) من المدنيين، أي من الأشخاص الذين لم يخدموا كضباط محترفين. ومما يشار إليه في هذا السياق أن وزير الدفاع الحالي «هان مين- كو»، هو جنرال جيش سابق خدم كرئيس لهيئة الأركان المشتركة منذ أقل من ثلاث سنوات، قبل أن يتولى منصبه الحالي. يذهب البعض للقول إن ظروف كوريا الجنوبية الأمنية الفريدة، والتي تتمثل في أن البلاد مازالت حتى الآن- من الناحية الفنية- في حالة حرب مع عدو نووي، هي التي جعلت من مسألة تمدين قيادة الأمن القومي، أمراً محفوفاً بالمخاطر. مع ذلك، يتعين القول إن الحجة القائلة، بأن الزعماء يجب أن يكونوا مزودين بخبرة عسكرية، هي حجة دالة على الجهل بدور القيادة المدنية في مجال الأمن القومي. فنظراً لأن المناصب العليا في مجال الأمن القومي منوط بها، ظاهرياً، مهمة تحقيق سيطرة المدنيين على العسكريين، إلا أنها في واقع الأمر محتكرة من قبل الضباط العسكريين، مما يعني أن هناك خطراً أكبر يتمثل في تدخل هؤلاء العسكريين في شؤون السياسة، وتهديد القيادة المدنية في المستقبل. والتطورات الأخيرة المرتبطة بنظام«ثاد»، تكشف بجلاء عن هذا الخطر. فالخطة الأولية لهذا النظام، كانت تقوم على الانتهاء من نشره بحلول نهاية عام2017. لكن ما حدث، هو أن الإدارة السابقة، عجلت باستكمال نشر النظام، خوفاً من احتمال صعود«مون» وهو من المنتقدين للنظام، وكان يتصدر قائمة المرشحين للمنصب الرئاسي في الانتخابات الماضية، لسدة الحكم. وليس سراً أن الجنرالين السابقين، كيم كوان- جن(رئيس مكتب الأمن القومي)، وهان مين- كو(وزير الدفاع الوطني) قد أشرفاً على عملية نشر النظام، لأن القيادة المدنية كانت عاجزة عن القيام بذلك بسبب التحقيق مع الرئيسة السابقة بارك جون- هاي، سلف مون في المنصب، وإقالتها بعد ذلك. وقد قدم كيم، وهان موضوع نشر ثاد، كأمر واقع، للرئيس الجديد، على الرغم من حقيقة أن ثاد له آثار بعيدة المدى على المجال السياسي لكوريا الجنوبية، ودبلوماسيتها، واقتصادها، وهو ما يظهر فشلاً جلياً لمسألة سيطرة المدنيين على العسكريين يؤكد هذا كله أن كوريا الجنوبية، وبعد مرور ثلاثة عقود على انتهاء الحكم العسكري فيها، لم تنجح في تأسيس علاقة ديمقراطية بين الزعماء المدنيين والعسكريين. لذلك، تعهد الرئيس مون بتنفيذ إصلاحات في مجال الدفاع، يتضمن جزءاً منها تعزيز سيطرة المدنيين على العسكريين. ولكن ونظراً للنفوذ الذي يتمتع به العسكريون، فإن المعركة التي ستدور حول إصلاح المؤسسة العسكرية، يتوقع لها أن تكون طويلة، ومحفوفة بالصعاب. مع ذلك، فإن مسالة تأسيس علاقة مدنية- عسكرية صحية، تعد أمراً في غاية الأهمية لتعزيز الديمقراطية في كوريا الجنوبية. *زميل باحث في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، التابع لجامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون ميديا سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©