الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فلوتيللا» المعلومات... وقافلة الحرية

20 يونيو 2010 23:26
تصدرت السفن التي اعتدى عليها الجيش الإسرائيلي وهي في طريقها إلى غزة عناوين الأخبار خلال الأسابيع الماضية. وقد ركّزت معظم التغطيات على قوارب أسطول الحرية "الفلوتيللا" التي لم تتمكن على رغم محاولاتها الجادة وتضحياتها الكبيرة من إيصال مواد الإغاثة إلى قطاع غزة. إلا أن المفارقة الغريبة، هي أن "فلوتيللا" الإنترنت على موقع "التويتر" -وهي تهتم بآخر المستجدات التي ينشرها أناس يتابعون أخبار أسطول، قد نجحت بالفعل في فك الحصار وإيصال "الإغاثة" إلى غزة، على شكل معلومات. وقد عمل تدفق المعلومات على "التويتر" على تحويل التغطيات حول هذا الحدث إلى مصدر إخبار حقيقي وبشكل ثوري، متجاوزاً بذلك تقاليد الإعلام الحكومي وإعلام التيار الرئيس، إلى نشر روايات إخبارية ترد من أناس حول العالم لهم وجهات نظر وأفكار متنوعة بشأن الوضع المعقد ومساعي فك الحصار. والآن يتم من خلال نشاط "فلوتيللا" وموقع "اليوتيوب" بث روايات شهود عيان ومقابلات مع ناشطي أسطول الحرية الذين جرى ترحيلهم، ليرى كل ذلك المشاهدون حول العالم. وقد أبرز هذا الرد على العنف الأخير في أعالي البحار حاجة قوية لانسيابٍ حرٍّ للمعلومات من أناس شاهدوا الوقائع على الأرض، ولهم وجهات نظر متنوعة بل أحياناً متنافسة حول النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي. وبالفعل، عندما تنساب المعلومات بحرّية إلى الجمهور العالمي، فإنها تملك القدرة على إيجاد تغييرات حقيقية في عالم السياسة والرأي العام نحو الأفضل، ليس فقط فيما يتعلق بموضوع غزة وإسرائيل كما شهدنا من خلال أحاديث إسرائيلية داخلية حول ضرورة رفع الحصار، وإنما أيضاً بالنسبة لأية نزاعات أو أزمات أخرى مما يواجهه العالم دون انقطاع، وبشكل يومي تقريباً. لقد أصبح مجال الاتصال نتيجة للتكنولوجيا الحديثة واقعاً "عالميّاً". إلا أن المتلقين يميلون عادة إلى التوجه نحو مصادر معلومات ينتمون إليها ويفهمونها، أي يُنتجها أفراد من مجتمعاتهم أو أحزابهم السياسية أو مجموعاتهم الدينية. ويؤدي ذلك أحياناً إلى الحصول على وجهة نظر متشظّية أحادية الجانب عن الحقائق، تترك الناس عرضة لخدمة قوى الصراع والنزاع والرؤى الأحادية بدلاً من تشكيل رأس حربة لحلول قائمة على التسويات والتفاهم. ويمكن القول إن التقارير الإخبارية المتدفقة من بحر غزة تشكّل مثالاً على جدوى وفرص التفاعل و"الاتصال" العالمي في أفضل أشكالهما. ولا يقتصر الأمر على مصادر معلومات ساخنة ومتنوعة تنقل أخبار المواجهة بين سفن الإغاثة والجيش الإسرائيلي فحسب، وإنما كذلك مصادر ذات وجهات نظر متنوعة حول النزاع بدأت تظهر بشكل موازٍ على "التويتر"، وتوفّر روايات متماسكة قدر الإمكان. وهناك لحظات عديدة سجلت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة أبرزت الأثر الذي يحدثه التبادل الفاعل للمعلومات على سياسات الحكومات. وعلى سبيل المثال، قررت حكومة دولة عربية في عام 2004، نتيجة مساعٍ اجتماعية، وبسبب منتديات الإنترنت والإعلام الدولي، إطلاق سراح المفكرين الموقوفين بسبب توقيعهم عريضة تناشد الحكومة القيام بإصلاحات سياسية. ولو لم يكن الأمر يتعلق بتنوع الأشخاص الذين قاموا بالتوقيع على العريضة، الذين يأتون من العديد من التيارات المجتمعية العقائدية والطائفية والسياسية، لكان من السهل بالنسبة لمجموعات اهتمام معينة أن تشكّل الرأي العام، مدعية أن نداء الإصلاح كان محاولة من جانب مجموعة أقلية لزعزعة أمن الوطن أو تحويله إلى دولة شبه غربية. وبدلاً من ذلك تمت تغطية عمليات التوقيف على نطاق واسع في وسائل الإعلام ذات التوجهات السياسية والعقائدية المختلفة، مما يعكس تنوع مجموعات الذين وقعوا العريضة، ووصولهم إلى جماهير كان يمكن ألا تكترث لنداءات مماثلة للإصلاح. ويمكن من ناحية أخرى وفي حالات يكون فيها الإعلام مسيطَراً عليه، أو لا يأتي من أناس منخرطين في سياق قضية معينة، أن يطرح صورة تشوه الحقيقة، بكل بساطة. وفي غياب منابر رأي للناس ذوي وجهات النظر المختلفة عن وجهة النظر الرسمية، بما يتيح لهم مخاطبة الجماهير التي تميل بشكل عام إلى قبول تلك التصريحات بثقة، بدلاً من السعي للحصول على وجهات نظر بديلة، في غياب ذلك يبقى العديد من الحقائق غير مكشوف وتستمر الأوضاع الراهنة، دون تغيير. وما توضحه تلك الأمثلة هو أن هذه المنابر لانسياب وجهات النظر المتنوعة حول كافة قضايا الساعة وملفاتها الشائكة، مثل واقعة أسطول الحرية التي غطتها "فلوتيللا"، تبقى ضرورية لتمكين الجمهور من معرفة الحقيقة والمعلومة الصحيحة. ويستطيع الناس بعد ذلك اتخاذ قرارات متنوّرة، والعمل للتأثير على صانعي القرار للحفاظ بشكل فعال على الحقوق الإنسانية في عالمنا المشترك. عائشة القصير كاتبة سيناريو ومدوِّنة سعودية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©