الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفكار ماكس فيبر السياسية المتقدمة تثير خلافات عميقة بين أتباعه

أفكار ماكس فيبر السياسية المتقدمة تثير خلافات عميقة بين أتباعه
14 نوفمبر 2009 23:15
يسعى فيليب راينو من خلال كتابه «ماكس فيبر ومفارقات العقل الحديث» إلى تقديم تشريح واف لسوسيولوجيا ماكس فيبر، متناولاً الفكر الفيبري بالنقد والتحليل، لافتاً إلى أن فيبر هو أول من ربط بين الحداثة والعقلانية، ولولا هذا الارتباط المتين ما كانت الحداثة الأوروبية المشهودة في كافة المجالات التقنية، والسياسية، وحتى البيروقراطية. يقول الكاتب إن عملية تحليل العقل الحديث التي قام بها فيبر كانت نابعة من اهتماماته العلمية الاجتماعية، والفلسفية المتمثلة في الإرث الفلسفي الألماني الحديث، والذي كان فيبر أحد أقطابه واُعتبر حلقة من حلقات هذا التراث الألماني الزاخر بأفكاره ومفاهيمه واستدلالاته، والذي دفع بالألمان إلى مصاف الأمم المتطورة بفضله، وغيره من جهابذة وفلاسفة من طراز هيجل وهابرماس. فيلسوف متفرد في القسم الأول من الكتاب يشير راينو إلى أن نظرة فيبر الكلية، جعلت فكره يتموقع في بوتقة تجتمع فيها السوسيولوجيا بفلسفة التاريخ، والنظرية النقدية بالاقتصاد السياسي ويتقاطع فيها المجتمع والأخلاق وتتشابك عندها البروتستانتية بالرأسمالية، وهذه التقاطعات والاهتمامات جعلت من فيبر شخصية متميزة تجعلنا نعتبره عالم اجتماع من طراز عال فضلاً عن كونه فيلسوفا متفردا في أفكاره، وناقدا ومنّظرا مُحللا لوضع إنساني معقد، خاصة أن ظهور أفكاره تزامنت مع فترة مهمة وحاسمة في تاريخ البشرية بين نهاية القرن التاسع عشر بمخاوفه ومخلفاته، وبداية القرن الجديد (العشرين) بطموحاته وأفكاره فأوجبت على مفكري تلك المرحلة، النظر بعمق، والتنظير لما سيكون عليه وضع الإنسان الأوروبي في هذا القرن وفي اتصاله بعالمه وعالم الآخرين من البشر الذين غزاهم فكرياً عسكرياً وتقنياً، وبقدر ما قدموا إلى الآخر أفكارا وثقافة سامية، بقدر ما أعطوهم سفن الحرب والاستعمار، والعبودية، والاستشراق. الوهم النظري يعود راينو ليؤكد أن فيبر تميز عن معاصريه بأنه عمل على تحقيق استقلال علم الاجتماع، وذلك من خلال تحليل أشكال النشاط التي لا تقبل الارتداد إلى العقلانية الأداتية، أي محاولاً جعل السوسيولوجيا علما وضعياً، عبر إثبات تناقضات العقل التاريخي وعزل العلم الاجتماعي عن الميتافيزيقا. ثم يحلل الكاتب التداخلات الفكرية بين فيبر وبعض معاصريه، من خلال ما يعرف بـ (الوهم النظري) عند ماكس فيبر، والذي يراه متمثلاً في إذعان معاصريه إلى وهم يميز المؤسسة الهيجلية، قائم على علم اجتماعي استنباطي يسعى لأجل التغلب على الفجوة اللامعقولة بين العقل والتاريخ إلى استنباط الواقع من المفهوم. ويرى فيبر أن هؤلاء يتشبثون في الغالب بالرأي القائل أن الهدف النهائي من كل علم، يكمن في ترتيب المادة داخل نسق من المفاهيم وبهذا المعنى فإن محتواه سيتم إعداده تدريجياً بواسطة ملاحظات اطرادات امبريقية، بواسطة تشكيل فرضيات والتحقق منها، إلى غاية حيث يخرج نهائياً علماً تاماً وبالتالي استنباطياً. ويؤكد فيبر ومن خلال عمله المنهجي على استحالة وجود علم اجتماعي استنباطي، وأن المذهب الهيجلي للمفهوم هو عبارة عن «نزعة انبثاقية تهدف إلى إظهار كيف ينبثق الواقع من المفهوم، وهنا تؤدي تلك الهيجلية إلى كثير من الصعوبات المتعلقة برصد ودراسة الظواهر الاجتماعية. فيبر وماركس بتحليل رؤية فيبر ومقارنتها بالمشروع الاستنتاجي الهيجلي، نجد أنه يضع الصرح البنائي الهيجلي موضع خطر، ولكنه يخلص إلى حقيقة مؤداها أن «مضامين المفاهيم.. تقوم باعتبارها حقائق ميتافيزيقية وراء الواقع» لأنه وتبعاً لهذه الرؤية من العقلي ألا يكون كل شيء عقليا. من هنا يوضح الكاتب أن بعضاً من جدالات ماكس فيبر ضد معاصريه، لا يمكن أن تفهم إلا بوصفها تغييرات، في ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية للحدس الذي يلهم نقده للهيجلية. ويعرج الكاتب على تناول العلاقة المعقدة بين فيبر وماركس، موضحاً أن معارضة فيبر للمادية التاريخية التي دعا إليها ماركس. تعود إلى التشيّؤ الذي خضعت له البناءات الماركسية، حالما نزعم باستنباط التاريخ الحقيقي، هنا لا يعارض فيبر التأويل الاقتصادي للواقع، ولكن ما يعارضه هو أن الماركسية جعلت من التغيير الاقتصادي العامل السببي الوحيد الحاسم، الذي تغدو معه جميع الظواهر الاجتماعية الأخرى نتائج أو تجليات. ويرى فيبر، بحسب قول راينو، أن الذرائع التي وضعت لأجل الحفاظ على الصلاحية العامة لتفسير اقتصادي محض، واعتباره سبيلا حاسماً تؤدي إلى سبيل مماثل، وذلك بالنسبة للأشكال السياسية، الدينية، أو الأيديولوجية التي يمكن أن تكون لها هي الأخرى أهمية حقيقية في الصيرورة التاريخية. ولذلك يكشف فيبر، عن صعوبتين مركزيتين في الماركسية، وهما: التناقض بين مصادر القيمة الكونية للتفسير الاقتصادي، والتباين الجليّ للظواهر الاجتماعية، وعدم تطابق البحث الأمبريقي وفكرة قوانين التاريخ. تحليل السببية يستعرض فيليب راينو بعض المقولات المنهجية الفيبرية، والدالة على نظرياته في العلوم الاجتماعية، ومن تلك المقولات: 1- الدلالة المنهجية السببية، «السببية التاريخية»، فيقول إن تحليل السببية ذو أهمية كبيرة بالنسبة للميثودولوجيا الفيبرية، لأنه في نظرياته استند إلى وضع تفسير سببي للعلوم التاريخية، وهذا التفسير قائم على أن العمل العلمي يهدف إلى إقامة علاقات منتظمة وضرورية، بمقتضاها يتم استيفاء قوانين تطور العلوم الإنسانية. ويرى الكاتب أن أصول التفكير الفيبري تعمد إلى طرح إشكالية العلوم الاجتماعية بأنها تؤسس في الحق الفيزياء التجريبية، باستبدال المدلول الميتافيزيقي للعلة والضرورة بالمدلول النقدي، لتحديد تجريبي لقواعد تعاقب الظواهر، أي أن اختلافات الإشكالية تتوقف هنا على خصوصية المشكلة المنهجية للعلوم الإنسانية أكثر منها إلى طبيعة الموضوع. 2- الأنماط المثالية: يقول فيليب رانو إن تعريف مقولة النمط المثالي تعد المساهمة الأهم لفيبر في ابستمولوجيا العلوم الاجتماعية، وهذه المساهمة أدت لتوضيح منهج كان معمولاً به في العلوم الإنسانية. أكثر من كونها اختراعاً لإجراء بحث جديد، وهنا يرى فيبر أن أغلب كبار الوسيولوجيون استخدموا منهجا مشابها مع طريقة الانماط المثالية حتى وإن كانت الاتجاهات الدوغماطيقية قد قادتهم في أغلب الأحوال إلى تشيّء بناءاتهم الخاصة. 3- وحدة الميثودولوجيا الفيبرية: ويقصد بها أن نظرية السببية التاريخية وطريقة الانماط المثالية كلتاهما تنحدران من نقد الوهم النظري في العلوم الإنسانية، وهما إذا متجذرتان في نفس المشروع التوفيقي بين مقتضيات الاتساق المنطقي والثراء العيني اللذين يزعمان إرضاء الدوجماطيقية مع التأكيد، من أثر نقدي وضد دوجماطيقي على اختزالية الواقع إلى المفهوم. أي أن الابستمولوجيا الفيبرية بحسب ما يرى الكاتب توجب احتواء التنوع السوسيو-تاريخي ضمن إطار مقدس لقوانين تطور، فيصبح التحليل العلمي الوسيلة المفضلة لإظهار الجزء اللامختزل في عدم التحديد الذي يتضمنه التاريخ الواقعي. النزعة الفردية القسم الثاني من الكتاب يتناول ما يعرف بـ»سوسيولوجيا الفهم» لدى ماكس فيبر. في البداية يستعرض رانيو أصول تلك السوسيولوجيا فيقول: فلسفياً لا تتضمن سوسيولوجيا فيبر نقل النظرية النقدية للمعرفة إلى حقل العلوم الاجتماعية فحسب، بل إن فيبر يدافع عن فكرة وجود تباين أساسي بين «علوم الذهن» و»العلوم الطبيعية»، وهذا التصور يمثل خلاصة تراث طويل يعود إلى أصول الفكر الحديث. وحتى يكون هناك فصل جذري بين «الطبيعة» و»الذهن» يتحتم انهيار التصور الأرسطوطاليسي عن الطبيعة بوصفها نظاماً تراتبياً وذا معنى دال. ثم يعرج الكاتب إلى مهام سوسيولوجيا الفهم الفيبرية محدداً إياها من خلال عدة محاور تتمثل في النزعة الفردية المنهجية، وهنا يستشهد راينو برسالة وجهها إلى روبير ليفمان يلخص فيها عمله السوسيولوجي كالآتي:»إذا كنت قد أصبحت نهائياً سوسيولوجيا فذلك بالأساس لوضع نقطة نهائية لهذه الاستعمالات المبنية على قاعدة من المفاهيم الجمعية التي ما يزال شبحها يخيم دائماً، أو بعبارة أخرى السوسيولوجيا هي أيضاً، لا يمكن أن تقوم إلا من خلال أحد من بين مجموعة أو عدة أفراد منفصلين ولذا يتوجب عليها تبني مناهج فردانية بدقة». ويرى المؤلف أن هذا النص يعبر عن انتماء فيبر إلى النزعة الفردية المنهجية، وهو في ذلك شأن سوسيولوجيين عديدين أولوا أهمية منهجية للفعل الفردي في بداية القرن العشرين. حدود الفهم ينتقل راينو إلى حدود الفهم عند ماكس فيبر، فيشير إلى أن التمييز بين الفهم والتفسير لدى فيبر لا يغطي التعارض التقليدي بين علوم الطبيعة والعلوم الإنسانية، وتعقيد النظرية الفيبرية للفهم يعود إلى كونها تقع في مفترق الطرق الابستمولوجيا ونظرية النشاط الاجتماعي، غير أن الابستمولوجيا الفيبرية تبتعد عن التصور المهيمن لمنهج الفهم في العلوم الإنسانية، وتفترض تمييزاً تصورياً صارماً بين السلوكات «القابلة للفهم» وتلك التي تبقى نهائياً مستغلقه على الفهم، انطلاقاً من أن التمييز بين الفهم والتفسير يخص في الوقت نفسه مناهج ومواضيع العلوم الاجتماعية. وينهي راينو استعراضه لسوسيولوجيا الفهم لدى فيبر، بتناول العلاقة بين فيبر وتراث علوم العقل، موضحاً أن العلاقات المتينة التي يقيمها لدى ماكس فيبر التفسير والفهم، تمنحه من دون شك مكانة أصيلة ضمن تيار الفلسفة النقدية للتاريخ، ولكن هذا لا يمنع من أن يظل تصور فيبر لسوسيولوجيا الفهم وفياً إلى الحدوس المركزية لعديد من منظري علم الاجتماع والفلاسفة المناظرين له من أمثال دلتاي وأتباعه. الموضة والتقليد في القسم الثالث والأخير من الكتاب يعرج المؤلف إلى العقل والعقلنة في السوسيولوجيا الفيبرية، محللاً إياها من خلال مفهوما حدود العقلنة - عقلنة الهيمنة. بالنسبة للمفهوم الأول يحاول راينو تفسير حدود العقلنة لدى فيبر من عدة منطلقات وهي: - أولاً أشكال النشاط الاجتماعي: التي يحددها فيبر بأنها الأنشطة القائمة على تحويل الأفراد أنفسهم إلى دلالات معينة في علاقتهم بالغير وهو ما يتضمن أن جميع العلاقات بين الناس ليست نشاطات اجتماعية، وإنما تتحول الأنشطة البشرية إلى اجتماعية عندما يرتبط الأفراد دلالياً بهذه الوضعيات على سبيل المثال بالإحالة إلى شعور أو إلى معتقد مشترك، إلى «موضة» أو إلى «تقليد» إلخ. - ثانياً: منطق وديناميكية العقلنة ويوضحها راينو بتناول السوسيولوجية الفيبرية للدين، وقوله «رغم خضوع الديانات الكونية الكبرى للعقلنة إلا أنه يستحيل توقع توحد نهائي للممارسات أو المعتقدات الدينية، لأن كل ديانة كبرى تحتفظ ببعض الطبائع الخاصة، كما أن تحولات الوعي الديني لا تنبثق فقط من المنطق الداخلي للعقلنة، فهي تتعلق أيضاً وبشكل غير مباشر للمصالح وللاستراتيجيات الدينية، وخاصة أنها مشروطة بأكثر مما يجب بعوامل وجدانية قوية قد تكون لا معقولة في أغلب الأحيان. كاريزما القادة المفهوم الثاني في السوسيولوجية الفيبرية يتمثل في «عقلنة الهيمنة» والتي يمكن فهمها من خلال عدة محددت ومنها «ماكس فيبرو السياسة» ويلفت راينو هنا إلى أن الفكر السياسي لدى فيبر أثار عديدة من الخلافات التي كانت قاسية أحياناً، وبينت إلى أي مدى كان الانقسام الكبير بين ورثة منهجة واتباعه، ويرجع ذلك إلى أن له مواقفه سياسية متقدمة، فبدا كمفكر ديمقراطي، ولكنه من ناحية أخرى مدح كاريزما القادة السياسيين والتي تتناقض بطبيعتها مع التقليد الليبرالي والديمقراطي. وبمتابعة باقي محددات وعقلنة الهيمنة لدى ماكس فيبر يسعى فيليب راينو إلى سبر الأغوار العقلية لآراء ونظريات ماكس فيبر الذي عدّه واحداً من المفكرين الأفذاذ، وصاحب رؤية متمايزة لعلم الاجتماع، بالإضافة لتقديمه عديد من البحوث حول التاريخ الاقتصادي والسوسيولوجيا الاقتصادية والدينية، السياسية، القانونية وهو ما مكنه من إبراز جانب أمبريقي لعلم الاجتماع، ساهم من خلاله بفتح مجال وآفاق عديدة أمام هذا العلم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©