14 ابريل 2012
عندما يؤدي فلاديمير بوتين اليمين الرئاسية للمرة الثالثة في السابع من مايو المقبل، سيجد نفسه أمام تحديين جديدين غير متوقعين سيهزان ويزعزعان قاعدة قوته التي كانت هائلة ذات يوم. فربما يكون بوتين قد فاز في انتخابات مارس الماضي التي حصل فيها على 64 في المئة من الأصوات، ولكنه خسر المعركة الانتخابية في موسكو، التي حصل فيها على أقل من نصف الأصوات هناك، وفي بلد ممركز مثل روسيا، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن تحذو الأقاليم حذو العاصمة.
أما التحدي الثاني، فيكمن في حقيقة أن الاحتجاجات المعارضة للحكومة في موسكو ومدن أخرى هذا الشتاء عرفت النضج المفاجئ لجيل له ذكريات قليلة جداً، أو منعدمة، عن الاتحاد السوفييتي. وهؤلاء الروس الشباب يسكنون المدن يتواصلون في ما بينهم عبر الشبكات الاجتماعية، ويسافرون عبر العالم، ويطالبون بنهاية نظام سياسي قديم يقوم على الولاء والمحسوبية. هذا لا يعني أن ماكينة بوتين ليست على وشك الانهيار، غير أن المظاهرات التي فجرتها اتهامات بالتلاعب بالنتائج في انتخابات ديسمبر البرلمانية كشفت مشكلات نظام يعتمد على رجل واحد.
خلال ولايتيه السابقتين كرئيس، من 2000 إلى 2008، كان بوتين يتمتع بشعبية حقيقية في وقت ساعد فيه ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط على دعم تحسن دراماتيكي في مستوى المعيشة. غير أن استمرار نجاح بوتين يعتمد على ما إن كانت أسعار النفط ستبقى مرتفعة بما يكفي لتحقيق ما قطعه على نفسه من وعود خلال حملته الانتخابية – والتوقعات المتزايدة لطبقة وسطى قلقة ومتوترة.
لقد حاول بوتين صياغة حملته كصراع بين الوطنيين والخونة المستعدين لبيع روسيا وإخضاعها للأميركيين. ولكن الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع ليسوا عملاء أجانب، بل يمثلون أحدث جيل من المتأثرين بالغرب في صراع يبلغ عمره 400 سنة بين المجددين والتقليديين بدأ مع بيتر العظيم. غير أنه إذا كان الزعماء الروس قادرين على إغلاق البلاد في عزلة ذاتية في الماضي، فإن بوتين نفسه يعترف اليوم بالحاجة إلى حدود مفتوحة.
والواقع أنه كان يُنظر إلى بوتين في البداية كإصلاحي عندما سلمه الرئيس بوريس يلتسن السلطة قبل 12 عاماً، ولكنه سرعان ما كشف عن معدنه كسياسي يرغب في منح الحكومة المركزية دوراً أكبر، ومصمم على الدفاع عن قوة الدولة وتضخيمها بأي ثمن. وكعميل لجهاز الاستخبارات السوفييتي الـ"كي. جي. بي" يعمل في ألمانيا الشرقية عندما سقط جدار برلين في 1989، شاهد بوتين قوة الشعب وهي تجتاح ما كان ذات يوم امبراطورية سوفييتية قوية، تجربة تفسر إلى حد كبير كرهه لمظاهرات الشارع واعتقاده بأنه هو فقط القادر على إنقاذ روسيا.
ديمتري ميدفيديف، الذي اختاره بوتين ليخلفه في انتخابات 2008، كان يُتوقع أن يكون الإصلاحي العظيم التالي، إلا أن مبادراته لاستئصال الفساد وإصلاح النظام القضائي الجنائي لم تحقق أي تقدم في وقت أصبح فيه من الواضح أنه يسعى للحفاظ على الكرسي الرئاسي دافئاً لبوتين، بسبب بند في الدستور يحظر ثلاث ولايات متتالية. وهذه الفرصة الضائعة لنقل السلطة إلى الجيل التالي تضع علامة استفهام على مصير عملية نقل السلطة، وما إن كان ستتم في الانتخابات أو على الشارع، علماً بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تجرى قبل خمس سنوات أخرى، والانتخابات الرئاسية المقبلة قبل ست سنوات.
غير أن الجيل الجديد في موسكو لن ينتظر. ففي انتخابات مجالس البلديات التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية، ترشح عشرات الشباب الذين لا يمتلكون تجربة سياسية سابقة كمستقلين وفازوا. وفي الثاني من أبريل الجاري، حصد مرشح مستقل 70 في المئة من الأصوات في جولة إعادة في انتخابات منصب العمدة في مدينة ياروسلافل. هذا في وقت يعتزم فيه النشطاء مراقبة الانتخابات المحلية لزيادة الوعي والإبقاء على السلطات في موقف دفاعي.
المعركة الانتخابية الرئيسية المقبلة ستجرى في 2014، وهي خاصة بمجلس مدينة موسكو، حيث يملك حزب بوتين- "حزب روسيا متحدة"- 32 من أصل 35 مقعداً. وفي انتظار ذلك، وحدت الحركة الاحتجاجية لوقت قصير طيفاً واسعاً من القوى السياسية التي كانت محرومة من التمثيل في البرلمان الخاضع لمراقبة كبيرة. غير أن الرئيس المنتخَب سيحاول على الأرجح تقسيم وتفتيت خصومه حيث يمكن أن يؤدي قانون جديد يقضي بتخفيف وتيسير عملية تسجيل الأحزاب إلى عدد كبير من المجموعات السياسية الصغيرة غير المؤذية.
غير أن خطاب بوتين خلال الحملة الانتخابية يكشف قلقاً داخل حكومته. كما أن نشر الآلاف من شرطة مكافحة الشغب وقوات وزارة الداخلية في وسط موسكو عشية الانتخاب مثل مؤشر ضعف، لا مؤشر قوة. والحال أن الشرعية السياسية هي أكثر من نتيجة انتخاب رسمية؛ ذلك إنها تحتاج إلى الثقة. وإذا كان بوتين قد رفض في 2008 تعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة على التوالي خوفاً على شرعيته الدولية، فإنه اليوم باتت عرضة لضغوط الخارج وحصار الداخل.
لوشن كيم
كاتب متخصص في الشؤون الروسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»