الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشافعي مؤسس ثالث المذاهب السنية وواضع أصول الفقه

الشافعي مؤسس ثالث المذاهب السنية وواضع أصول الفقه
4 سبتمبر 2008 01:07
حفلت المائة الثانية من التاريخ الهجري بالعديد من المجددين الذين يصعب تفضيل واحد منهم على الآخرين· إذ شهدت بزوغ نجم الأئمة الأربعة في الإسلام: مالك بن أنس، أبوحنيفة النعمان، أحمد بن حنبل والشافعي· وباستثناء الأول، فإن الثلاثة الآخرين ينطبق عليهم مصطلح المجددين في الإسلام، ولكن مع الاختلاف في درجة التماس مع السمات الحاكمة لهذا المصطلح· ويكاد يكون الشافعي تجسيداً ملموساً للمجدد في عصره، يليه في ذلك أبوحنيفة، ثم ابن حنبل· ومع ثلاثتهم تلك سوف نحاول عدم التقّيد بالإطار الزمني للمجددين، نستعرض أعمالهم التي أهلتهم لتلك المكانة الرفيعة بين علماء الإسلام ومجدديه، مبتدئين بأولهم وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه· يُدرج العديد من المؤرخين، منهم عبد المتعال الصعيدي في كتابه ''المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر''، وأمين الخولي في كتابه ''المجددون في الإسلام''، العالم القرشي محمد بن إدريس الشافعي، على رأس المجددين في المائة الثانية من التاريخ الإسلامي، وقد كان بحق قبسا من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، التي قال فيها: ''اللهم أهد قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً''· ويُعد الشافعي مؤسس ثالث المذاهب السنية الأربعة في الإسلام، وواضع أصول علم الفقه، وأول من بلور نظرية الإجماع الذي هو أحد مصادر الشريعة، وأول من بّين أصول علم الحديث وأحكامه· فقد قال عنه ابن حنبل: ''ظل الفقه علماً مغلقاً حتى جاء الشافعي بمفتاح له''· وهو القائل أيضاً: ''ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي''· أخرجه البيهقي في المدخل· كما أخرج بن عسكر في التبيان قول ابن حنبل: ''إن الله يقبض للناس في رأس كل مئة سنة من يعلم الناس السنن، وينفي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبدالعزيز، وفي رأس المائتين الشافعي''· وقد اجتمع له من العلوم ما لم يجتمع لغيره مثله، من معرفة تفسير كتاب الله وحديث رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة والتابعين، معرفة اللغة العربية، فقد كان رضي الله عنه يفتي وله من العمر خمسة عشر عاماً، وكان يحيي الليل كله إلى أن مات· ولذا لم يكن من الغريب أن يطلق عليه أهل مصر ''قاضي الشريعة''· إذ كان الناس، كما أكد الصعيدي في كتابه، قبل الشافعي، أما أصحاب حديث، يحفظونه ويعجزون عن النظر والجدل، وأما أصحاب رأي يجيدون النظر والجدل ويعجزون عن الآثار والسنن، فجمع الشافعي بين الأمرين، ونصر أهل الحديث· وعلم الفقه هو علم عربي أصيل لم يكن للفرس أو البيزنطيين أو غيرهم أثر فيه، ولذا لم يتأثر الشافعي في تأسيسه بالفلسفة اليونانية القديمة ولا المنطق الأرسطي· إنما أوجد علماً قائماً بذاته· فقد خالف الشافعي المالكية في قولها بالأخذ بالرأي لملء الفراغ في التشريع حيث لا نص قرآني· وعنده أن السنة النبوية إذا صحت، وجب وضعها مع القرآن في مرتبة واحدة، باعتبارها مبّينة له، ومفصلة لمجمله· فهو وفق العديد من الآراء واضع اللبنة الأولى لعلم البحث في أصول الأحاديث النبوية، ودقة نسبها للرسول، صلى الله عليه وسلم· كما تعرض الشافعي للقياس والذي أخذ به من قبله أبوحنيفة، ورفضه ابن حنبل من بعده، كمصدر من مصادر الشريعة· فوضع له شروطاً أخرى غير تلك الشروط التي تعني بالمشابهة والمماثلة التي كانت سائدة من قبله، ومنها النظر في العلة التي تكمن وراء النص القرآني أو السنة· غير أنه جعل القياس تاليا في الأهمية بعد الإجماع الذي يعد المصدر الثالث في التشريع الإسلامي· وهو مبدأ كان معروفا لدى المسلمين قبل الشافعي، غير أنه لم يكن بين الفقهاء أنفسهم اتفاق على تحديد شروطه: هل الإجماع، إجماع جماعة معنية من المسلمين مثل علماء الدين من أهل العلم فقط· أما إجماع المسلمين كلهم كافة، ثم تاليا هل هذا الإجماع رأي تلك الجماعة من الفقهاء والعلماء كافة، أم أنه رأي الأغلبية فيهم؟ وقد رفض الشافعي في كتابه ''الأم'' نظرية الإمام مالك عن الإجماع المحلي أو الإقليمي، وعرفه بأنه إجماع أهل الرأي في كل عصر، ويتجدد تلقائياً عند علماء كل جيل من الأجيال الإسلامية وفق منهاج المقاصد والحاجات المستجدة، لكي يظل المجتمع الإسلامي مجتمعاً متطوراً وفق احتياجات الزمن المتغيرة· وقد استند في تبرير ذلك إلى الحديث النبوي: ''لا تجتمع أمتي على ضلالة''· وقد كان الشافعي، إلى جانب كل هذا، شاعراً وصاحب أسلوب نثري فصيح وأنيق وبسيط واضح غني بالفكر· وكان لكتابه المهم ''الرسالة''، الذي صاغ فيه أصول الفقه، فضل إرساء أسس نثر جدلي وتعليلي أعان الأجيال التالية على ترجمة النصوص الفلسفية اليونانية إلى لغة عربية سليمة فصيحة، بأن أوجد المفردات والمصطلحات العربية القادرة على التعبير عن أفكار، وهي لم تكن بعد مألوفة لدى العرب· فقد جاوزت ثقافته، كما يقول أمين الخولي، المناطق الدينية من حديث وفقه إلى المناطق الأدبية من شعر ولغة وتاريخ، لمناطق أخرى دنيوية في الطب والجغرافيا والفلسفة والأنساب· ما جعله موسوعيا تكاملا في شخصه العلماء المجددون حيث جمع بين عملي الدنيا والدين· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©