الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام في عيون المستشرقين

الإسلام في عيون المستشرقين
4 سبتمبر 2008 01:08
لا يوجد إجماع بين الباحثين والمتخصصين على مفهوم متفق عليه للاستشراق، إلا أن هناك اتفاقاً على أنه حقل معرفي ضخم نشأ في الغرب لدراسة الثقافات الشرقية، وتعتبر الجوانب العلمية والسياسية والدينية للاستشراق هي الأبرز بين جوانبه المختلفة، حيث مثلت تلك الجوانب الهاجس الرئيسي وراء نشوئه وإن كانت الجوانب الأخرى كالفنون والآداب الغربية ذات أهمية نسبية في هذا المجال· ويعرفه إدوارد سعيد في مؤلفه ''الاستشراق'' بأنه ظاهرة مهمة تستخدم للتعبير عن دراسة مجتمعات وأدب الشرق القريب والبعيد من وجهة نظر غربية، كما تستخدم فيما يتعلق بتقليد أو تصوير جانب من الحضارات الشرقية لدى الرواة والفنانين في الغرب، ولكن استخدامها الأغلب يعبر عن دراسة الشرق في العصر الاستعماري؛ مما جعل كلمة الاستشراق مرادفة لمفهوم سلبي ينطوي على التفاسير المتحيزة ضد الحضارات الشرقية وأهل الشرق· واتفقت معظم الدراسات على أن الاستشراق بدأ دينياً في الأندلس ''أسبانيا'' في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) حين اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين حينما دعا ''ألفونس'' ملك ''قشتالة وليون'' إلى البحث في علوم المسلمين وحضارتهم· ومع مرور الزمن توسع الأوروبيون في النقل والترجمة بمختلف الدراسات الإسلامية· وأنشئت في أوروبا مطابع عربية لطبع عدد من الكتب التي كانت تدرس في المدارس والجامعات الأوروبية· ويتفق هذا الطرح مع قول إدوارد سعيد بأن الاهتمام الأوروبي بالإسلام لم ينشأ من حب الاستطلاع بل من الخوف من منافس للمسيحية يتميز بوحدته وصلابته وبقوته الجبارة ثقافياً وعسكرياً، مؤكداً أن رواسب من القرون الوسطى لاتزال تمثل مزيجاً من الخوف والعداء في الاهتمام العلمي أو غير العلمي بالإسلام· وأنشئت كليات لتدريس اللغات الشرقية في عواصم أوروبا في مطلع القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر الميلادي) كان الغرض الأول منها تزويد السلطات الاستعمارية بخبراء في الشؤون الإسلامية، كما أنشأت الدول الاستعمارية عدة مؤسسات في البلاد الإسلامية التي خضعت لنفوذها لخدمة الاستشراق ظاهريًا وخدمة الاستعمار والتنصير حقيقة· وتنوعت دوافع الاستشراق وأهدافه مع التطور التاريخي والزمني لعملية الاستشراق، حيث كانت البداية دينية على يد الرهبان بهدف دراسة الإسلام والمسلمين لأهداف تنصيرية، وهو ما يؤكده المستشرق البريطاني برنارد لويس بقوله ''إن آثار التعصب الديني الغربي لا تزال ظاهرة في مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين وبعضها لا يزال مستترًا وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية''· وشكل الدافع الاستعماري والسياسي ثاني أبرز الدوافع التي ارتبطت بظاهرة الاستشراق ارتباطاً عضوياً، فعندما فشلت الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها الدينية والسياسية في العصور الوسطى، عاد الأوروبيون مرة أخرى إلى الشرق في ثوب الاستعمار، واتجهوا إلى دراسة كل شؤون البلاد الشرقية ليتعرفوا على مواطن القوة فيها فيقضوا عليها ومواطن الضعف فيغتنموها· وتأتي بعد ذلك الدوافع التجارية والعلمية والأدبية والفنية وهي الدوافع التي قام عليها الاستشراق في مراحله المتقدمة والتي لم تخل أيضاً دراساتها وأبحاثها من قصور ومظاهر سلبية مشوهة حول الإسلام والحضارة العربية· وفي هذا السياق يقول ''زكاري لوكمان'' أستاذ التاريخ الحديث للشرق الأوسط بجامعة نيويورك في كتابه ''تاريخ الاستشراق وسياساته'' إنه برغم تأثر الأوروبيين إيجابياً بالإسلام والمسلمين مع انتشار عملية الهيمنة في القرنين الـ19 والـ20 على البلاد الإسلامية، من قبل أوروبا المسيحية، فإن بحوث الاستشراق في معظم القرن الـ19 تبنت مقولة أن هناك بالفعل ''إنساناً إسلامياً'' مميزاً له بدرجة أو بأخرى تركيب ذهني ثابت مختلف جوهرياً بل ويشكل النقيض المطلق لتركيب ذهن ''الإنسان الغربي''· وتماشياً مع هذه المقولة يخلص إدوارد سعيد إلى أن تاريخ الاستشراق أدى إلى التعصب الشائع في الغرب ضد العرب والإسلام ونتج عنه عدم إقدام أي مستشرق قط في الولايات المتحدة على التعاطف الكامل والصادق ثقافياً وسياسياً مع العرب· وبالرغم من خروج الكثير من دراسات المستشرقين وأعمالهم بنتائج وآراء مشوهة وغير منصفة عن الإسلام والمسلمين وسواء كانت تلك التحريفات متعمدة ومستهدفة أو كانت نابعة من نقص المعرفة وعدم الدقة والجهل بطبيعة الإسلام وخصوصية الحضارة الإسلامية· فقد اتفقت غالبية الدراسات على أن الاستشراق لا يخلو من إيجابيات تمثلت في الإسهام في تحقيق ونشر الكثير من كتب التراث الإسلامي خصوصاً مع تميز بعض المستشرقين بالمنهجية العلمية، وكذلك تعرف بعض الغربيين على حقيقة الإسلام من كتابات المنصفين من المستشرقين· ومع أن الاستشراق في معظمه لم يرق إلى درجة تقديم الصورة الحقيقية المنصفة للإسلام وللرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- إلا أن دراسات الباحثين العرب في مجال الاستشراق أجمعت على تصنيف بعض المستشرقين كمعتدلين حاولوا قدر جهدهم التعامل مع الإسلام بموضوعية ومنهم الإنجليزي توماس أرنولد والألمانية زيجريد هونكه والألماني يوهان رايسكه والهولندي هادريان ريلاند وتوماس كارلايل· فيما تباينت تصنيفات هذه الدراسات لعدد آخر من المستشرقين، فمنها من تعامل معهم بوصفهم معتدلين، ومنها من رآهم متعصبين ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©