الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا أحب شعر محمود درويش؟

لماذا أحب شعر محمود درويش؟
4 سبتمبر 2008 01:34
أسأل نفسي باستمرار لماذا أحب شعر محمود درويش؟ ولماذا حينما أقرأ في مكان ما أو أسمع بصدور مجموعة جديدة له أبحث عنها لأقتنيها فورا، ولا أذكر طيلة العشر سنوات الماضية بأنني اشتريت مجموعة جديدة صدرت له، وشعرت بعد قراءتها بأنني قد أضعت وقتي· وأعتقد أنني محتاج الآن أن أعبر عن الأسباب التي قادتني إلى حب شعره· كان محمود درويش يقدم لي الهوية بوصفها تشييدا، وهذه الفكرة تلاقي عندي اهتماما خاصا، فالهوية ليست جامدة وثابتة· وهذا الفهم جعل درويش يسعى جاهدا إلى أن يقاوم جمود صورة الذات شعريا، ولذلك حينما تقرأ عن درويش تشعر باستمرار بأنه يضيف إلى هويته تفاصيل مختلفة كل مرة، وأعتقد أن مثل هذا الفهم جعل شعره لا يقع في تمثيل فكرة سياسية ضيقة، وإنما نجح في أن يقدم هويته المتغيرة للآخر بوصفها كونية، ويبدو لي أن هذا الأمر أسهم إسهاما كبيرا في تشكيل حكاية لإبداعه جعلتني أحب شعره· لقد اعتمدت بنية الحكاية الإبداعية في شعر محمود درويش ـ كما ذكرت ـ على الهوية المتغيرة التي ليست جامدة ومورثّة من الأسلاف، وإنما صناعة وتشييد، وهذا الأمر قاده بالضرورة إلى الالتفات للآخر في شعره، فالهوية مشتقة من ضمير الغائب، ولا يمكن بناؤها بالاعتماد على الذات فحسب، وإنما لابد من استدعاء الآخر ليسهم في تشكيل الذات· وإذا كانت الهوية معتمدة على الآخر، فإن الآخر لا يمكن اختزاله في صورة جامدة، وإنما الآخر متغير هو الآخر· ويظهر لي بشكل خاص بأن فهمه للهوية المعتمدة على الآخر جعله يقدم الآخر بوصفه إنسانا يشعر ويتألم مثله، وكم ساعدت هذه الفكرة في جعل شعره متوجها للإنسانية جمعاء· إن فكرة الآخر في شعر محمود درويش غير منحصرة في الإنسان فحسب، وإنما في الحيوان والمكان أيضا، وطالما يحثّنا شعره على أن نرأف بالحيوان، وأن نحمي البيئة من نرجسيتنا، لأنها بشكل أو بآخر مسؤولة عن وجودنا· ولأن الآخر هو القارئ أيضا، فإن درويش كثيرا ما يحمي قارئه من التشاؤم وفقدان الأمل· فالقارئ حينما يقرأ شعر درويش يشعر بإنسانيته الرحيمة وبذاته المحبة للحياة· هل هذا الأمر جعله يختار لازمة يكررها في الجدارية، وهي: ''سأصير يوما ما أريد'' وهو يتحدث عن الموت· ولنتأمل هذا المقطع الشعري، وهو من الجدارية، يقول: ''وجدت نفسي حاضرا ملء الغياب/ وكلما فتشت عن نفسي وجدت الآخرين/ وكلما فتشت عنهم لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة''· يتحقق حضوره هنا في الآخر، هذا ما يشعر به درويش عندما يحاول قراءة ذاته، أما إذا ما حاول قراءة الآخرين وجد ذاته فيهم· وأخيرا فإنني أحب شعره لأنه ليس ترفا، ولا مضيعة للوقت، إن شعره مفيد بالنسبة لي، ويعلمني أشياء كثيرة، أقلها يبعث في داخلي الأمل لأحب الحياة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©