الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«شكراً» سينما هندية تغوص في أعماق العاطفة والثأر

«شكراً» سينما هندية تغوص في أعماق العاطفة والثأر
18 ابريل 2011 20:13
شكراً.. إنها الكلمة السحرية التي يقولها الناس بمجاملة حيناً وبشغف أحياناً، وعندما تكون صادرة من القلب هي تعكس سوية عالية من الرضا عن خدمة جرى تقديمها، خدمة يكون لها طابع مصيري في بعض الحالات. وإذ تكون الكلمة عنواناً لفيلم سينمائي، فهي تحفز على المشاهدة سعيا وراء إدراك السبب الذي جعلها تقبل اختزال كل المشاعر والمواقف المتخللة لأنساق متعددة من السير الذاتية والجماعية المشكلة للعمل الدرامي، بالتأكيد ثمة العديد من التفاصيل الحياتية تتراوح بين المعقد والأقل أو الأكثر تعقيداً تقاطعت خواتيمها عند الكلمة العنوان تلك، أي أنها آلت إلى ما يمكن إدراجه في خانة الرخاء البشري. خارج النمط يدور الفيلم الهندي الذي يحمل عنوان “شكراً” عند العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة، الفكرة ليست جديدة، فقد جرى تناولها عدداً لا نهائياً من المرات، حصل ذلك منذ حادثة التفاحة الشهيرة التي تمثل الحبكة الدرامية الأولى في حياة الكائن البشري على سطح الكرة الأرضية المليئة بالمصاعب والهموم، منحدراً نحوها، مطرودا من جنة غناء.. منذ ذلك الحين كانت كلمة شكرا مطروحة في هذا الإطار تستدعي تفكراً ما: ثمة ما استوجب قولها في سياق صلات إنسانية تنحو نحو التأزم غالباً، أي أنها تستبطن قدراً من الخروج على نمط سلبي سائد. النقد الفكاهي بالعودة إلى الفيلم الذي اكتفى بالكلمة اللغز كعنوان له، نقع على ثلاثي من الكوبلات الزوجية: فيكرم وشيفاني، يوغي ومايا، وراج وسنجانا، أما العقدة التي تنتظم مسار الأحداث، فهي تلك الأزمة التقليدية عن الرجل الضالع في الغواية، المطمئن إلى تسامح زوجته وقدرتها العالية على الغفران، هذه المعادلة السائدة بالرغم من افتقادها إلى المنطق تبقى مهيمنة في موضوع البحث، وإن يكن قد جرى إخراجها من حيز المسكوت عنه، ليصار إلى وضعها على طاولة التشريح الفكاهي، يمكن القول باختصار أننا أمام مقاربة واعية ورصينة لظاهرة متفشية، بالرغم من كونها (أي المقاربة) تتسم بقدر مميز من العبث والسخرية. استعراض باذخ أي تناول للفيلم لا يسعه أن يغفل الثراء الاستعراضي الباذخ الذي يميزه، هناك حرص واضح من قبل الجهات المعنية على تقديم لوحات سينمائية مفرطة في بهاء ألوانها وفي أبعادها الحركية، ناهيك عن وفرة الشخوص القائمين بها، فإذا أضفنا إلى ذلك الحركة البانورامية للكاميرا التي تنقض على عناصرها المستهدفة من الأعلى كنسر يلتقط فريسة، أمكننا القول أننا إزاء عمل بصري من طبيعة استثنائية، عمل ينتمي إلى تلك الندرة المرئية التي تعطي الشكل حقه، ولا تكتفي بالاتكاء على وجاهة المضمون. لكل حكايته ثلاثة من الأزواج الذين تتباين مستويات الهيمنة في علاقاتهم اليومية: فيكرم يمارس على زوجته شيفاني قدراً هائلاً من التسلط، ما يمنحه مكانة متقدمة في علاقاته مع صديقيه يوجي الذي أوقعه حظه العاثر في فخ الفضيحة، حيث ضبطته زوجته مايا بجرم الخيانة المشهود، وراج الذي تجذبه الغواية، فيما هو يكتفي بالكذب على شريكته سنجانا، موهما إياه بإخلاص مزعوم لم يكن يوماً بين أهدافه، أو محطاً لاهتمامه. ذكورية مدانة يبدو الانفتاح على العلاقات المشبوهة جزءاً أساسياً من مهام الثلاثي الذكوري، ليس هناك من داع للنقاش في مشروعية هذا السلوك المطلوب حصراً لذاته، فقط ثمة معالجة للوسائل التي تجعل تحققه متاحاً بأقل الخسائر الممكنة، استناداً إلى هذا الوعي يصير مشروعاً ليوجي أن يندب حظه متذكراً كيف انكشف سره الخياني منذ التجربة الأولى، في حين أمكن لصديقيه أن يتوغلا عميقاً في علاقاتهما المشبوهة دون أن تطالهما شبهة، واعتماداً عليه أيضاً يكون متاحاً لفيكرم أن يمارس على صديقيه نوعاً من النيافة الصارخة، بوصفه الأقدر على التعامل مع الجنس اللطيف، والعبور في حقول الغام بالغ الخطورة يفصل رجلاً متزوجاً عن مغامرات أنثوية لا تتاح إلا للعزاب، وقد لا يحصل عليها بعضهم، أيضاً يمكن في هذا الإطار استيعاب سلوكيات راج التي تقع على الحدود الفاصلة بين يوجي وفيكرم، فهو وإن كان لا يملك سطوة الأخير، إلا أنه لا يعاني من وهن الأول، يسعه الاعتماد على براءة ملامح فطرية تمنح قوله مصداقية غير مستحقة، لينجو من الإدانة في التهمة الدائمة. خائن جنسه كان القوم يتابعون مساراتهم، ويرسمون مصائرهم عندما خطر لهم أكشاي فجأة، ليعيق المسير ويعرقل الخطط، لا يعلم أحد كيف انشقت الأرض عن هذا القادم من المجهول: رجل وسيم، متمرس في القول والأداء، خبير في التعامل مع هواجس الأنثى، لكنه، وهنا الأخطر، غير متعاطف مع بني جنسه. بدأت اللعبة من يوجي، فقد كانت زوجته مايا سباقة للتعاون مع أكشاي الذي لم يجد صعوبة في وضعه على منصة الفضيحة، بسهولة تم اكتشاف العلاقة المشبوهة التي تربطه بإحدى النساء، وبسهولة مماثلة تحول الرجل إلى متهم دائم يتوجب عليه إثبات حسن نواياه، بلحظة واحدة صار يوجي يجسد كل ما يرفضه فيكرم، وكل ما يخشى راج أن يكونه، وكان عليه أن يتملق الاثنين محاولاً السير في طريقهما وإن بخطى متعثرة، كونه، كما سبقت الإشارة، مثيراً للشبهات، وموضوعاً تحت مجهر المراقبة. صراع لا ينتهي عانى أكشاي صعوبة في بداية الأمر لتجريم راج وفيكرم، لم يتمكن من كظم غيظه وهو يرى الثلاثة يتكتلون ضده، كاد أن يفقد أمل الإيقاع بأحدهم، عندما تفتق ذهنه عن الصيغة التقليدية: فرق تسد، هو استطاع بكثير من البراعة أن يثير الشقاق بين يوجي من جهة، وبين فيكرم وراج من جهة أخرى، فإن تواجه اثنين أسهل من أن تصارع ثلاثة، كان راج هو هدفه الثاني، لكنه لم يكن هدفاً سهلاً، فحين ظن أنه قد أوقع به تمكن الرجل، بتخطيط من فيكرم، من النجاة، أفهم زوجته أنه يعمل في الأمن السري، وأن تواجده مع امرأة غيرها كان مهمة أمنية تعادلاً واجباً قومياً، طبعاً شعرت المرأة بالفخر لكون زوجة أحد الرجال المهمين الذين تقع على عاتقهم مهمة حماية الوطن، كما أحست بتأنيب الضمير لكونها قد اتهمت زوجها بما ليس فيه، لاحقاً كان على أكشاي أن يكون أكثر حذراً، وأن يراكم فوق كاهل راج الكثير من الأدلة التي لا يسعه الهروب منها، هذه المرأة لم يعد لدى سنجانا ما تخشاه في اتهامها لراج، ثبتت التهمة وكان عليها أن تغادر المنزل الزوجي، مع كثير من الحنق والحزن أيضاً. رأس الأفعى بقي فيكرم، الذي كان أكشاي يدرك جيداً أنه العقل المدبر للعصابة الثلاثية، وأن توجيه الضربة له يعني نهاية اللعبة، أيضاً هو نظم عملية اختراق لمنظومته السلطوية من حيث لا يحتسب، من زوجته التي كانت تطيعه بشكل مثير للدهشة، وعندما وقع فيكرم بعض الأوراق بناء على طلب زوجته التي قالت له أنها تنوي فتح حساب مصرفي، وتحتاج موافقته، لم يخطر بباله أنه يوقع عن التنازل عن أملاكه لصالحها، ذلك أن شيافني التي خبرها جيداً، كانت أبسط من أن يمر ببالها خاطر مماثل. ثأر من الذات إذن الثلاثة صاروا في عنق الزجاجة، ولم يبق أمامهم سوى الاستعانة بمخبر سري ليكتشفوا ذلك الرجل الذي عكر صفو حياتهم، للمفارقة هم استعانوا بأكشاي نفسه، الأمر الذي سمح له بمتابعة اللعبة حتى حدودها القصوى، فأعاد المياه الزوجية إلى مجاريها، بعد أن أدرك الرجال الثلاثة أن انجرافهم في الغواية ليس حقاً مشروعاً تتيحه الذكورية الصماء، وأن حق الزوجة في الآمان المعيشي لا يقل عن مثيله للزوج، بقي أن لأكشاي الذي تخلى عن ذكوريته أن يجبر خواطر الإناث حكايته، فهو سبق له الزواج من امرأة يحبها حتى العشق، وعندما اكتشفت خيانته لها أقدمت على الانتحار، مما دفعه لتكريس حياته للدفاع عن مصالح الأنثى ثأراً لها من ذاته، ومن أبناء جنسه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©