الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القلب أو العين

القلب أو العين
4 سبتمبر 2008 01:39
من الطرائف التي تداولها الشعراء منذ القدم، وتسربت إلى شعراء الأغاني في العصر الحديث، هذه الخصومة المرحة بين القلب والعين، وأيهما هو الذي يتسبب في إشعال حرائق الوجد والصبابة· فابن وهيب الشاعر يوزع بينهما المسؤولية والمتعة قائلاً: لَلْقلبُ يحسد عيني لذة النظر والعين تحسد قلبي لذة الفِكَرِ تشاغلا فأضرّاني وما نفعا وعلقا بلساني عُقلة الحصرِ فهو مع اعترافه بمتعة كل من معاينة الجمال والتفكير فيه يزعم أن ذلك يضرّه ولا يجديه، خاصة إن أورثه الحصر والعجز عن التعبير، فذلك هو الذي يعنيه كشاعر في المقام الأول· ويضيف بعض النساخ إلى ما سبق أبياتًا أخرى تقول: يقول قلبي لعيني كلما نظرت كم تنظرين رماك الله بالسهرِ العين تورثه همًّا فتشغله والقلب بالدمع ينهاها عن النظرِ هذان خصمان لا أرضى بحكمهما فاحكم فديتك بين القلب والبصر وقد يدخل بعض الشعراء في الخصومة طرفًا ثالثًا تحدث عنه الفلاسفة والمفكرون وهو النفس التي قد تتوافق دلالتها قليلاً أو كثيراً مع الذات أو الروح فيقول: فوالله ما أدري أنفسي ألومها على الحب أم عيني المشومة أم قلبي إذا لمت قلبي قال نفسك أذنبت وإن لُمتُها قالت خذ العين بالذنب فقلبي وطرفي قد تشاركن في دمي فيارب كن عوني على العين والقلب ولعل ما أغرى الشاعر هنا بإدخال النفس طرفًا في هذه الخصومة هو شهرة النفس اللوامة التي تغري بالندم، مما يستدعي بدوره استحضار حكم إلهي للفصل بين الأطراف المتنازعة؛ والتغلب عليها جميعًا للنجاة من مغبة الحب، ومثل هذا الموقف لا يمكن إلا أن يكون ذهنيًّا لا دخل فيه للوجدان أو الشعور الحي بجمال العواطف في تجربة إنسانية مبدعة· أما العباس بن الأحنف فهو على شهرته في الغزل وولعه بالعشق يدخل حلبة الحوار بطريقة طريفة واصفًا النزاع بقوله: اختصم العينان والقلب ·فقلت نفسي ذهبت عنوة بينكما هذا وذا لعبُ فقال قلبي: مقلتي أبصر لا ذنب لي يا أيها الصبُّ فقلت للعين سمعتِ الذي يحكيه عن ناظرك القلبُ فاستعبرت عند مقالي لها وكان من خجلتها السكبُ ومع أن الشاعر الذي ذاق لذة الحب وعبر عنه بأصدق الشعر وأرقّه لا يلوم نفسه التي ذهبت عنوة في لعبة الغرام، بل ينقل مقالة القلب للعين وردها بدموع الاعتراف فإن سياق الجدل والخصومة الطريفة يفضي به إلى اعتبار الحب ذنباً سيقول شاعر محدث بعد ذلك إنه قد سأل الله أن لا يغفره· فتتجاوب في أسماعنا أصداء الشعراء القدامى العذبة بخواطر قرائح المحدثين المبدعة ليصنع كل ذلك أنغامًا متآلفة هي التي تعطي لكل منا غذاءه من الفن الجميل فتثرى روحه وتخصب مشاعره·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©