السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان الرواية بين الإسقاط السياسي والوعظ الديني

رمضان الرواية بين الإسقاط السياسي والوعظ الديني
4 سبتمبر 2008 01:41
يمتلك شهر رمضان حضورا قويا في حياتنا، فهناك طقوس اجتماعية خاصة ترتبط به ولذا فهو الشهر الأكثر تميزا في العام وينتظره الجميع حتى الذين لا يتمكنون من الصيام، ولكن السؤال هل في الاعمال الادبية، عموما والرواية تحديدا، حضور متميز لرمضان يوازي حضوره في الواقع ووجدان الناس؟ على مستوى الشعر، هناك اشعار كثيرة قيلت في الشهر الكريم، من كبار الشعراء بمختلف مدارسهم ونعرف جميعا قصائد ''المسحراتي'' التي كتبها فؤاد حداد وهي اشعار تنطلق من المسحراتي وتعبر عن كافة قضايا الوطن والمجتمع، والمعاني الروحية والدينية التي ترتبط بالشهر الفضيل، واذا كان فؤاد حداد هو اشهر الذين تناولوا رمضان في اعمالهم فلم يكن الوحيد بين الشعراء المعاصرين· في مجال السير الذاتية وأحاديث الذكريات نجد حكايات مستفيضة عن شهر الصيام والجو الاجتماعي والاسري الذي يخلقه، لنتذكر ايام طه حسين وما جاء فيه عن الصيام في القرية بصعيد مصر· ونجد كاتبا مصريا مسيحيا هو يوسف الشاروني، كتب عن رمضان حين كان شابا ودخل المعتقل وجاء رمضان فكان يصومه مع زملائه وهنا يصبح الصيام طقسا اجتماعيا وسلوكا عاما بغض النظر عن الديانة· في الجانب القصصي والروائي، يحرص كتاب الاطفال على تناول رمضان، وتقديم أقاصيص تحبب اليهم الشهر الفضيل وفضائل الصيام الصحية والاخلاقية· وفي هذا الجانب فإن القصص كثيرة وعديدة وربما لا نجد كاتبا من كتاب الأطفال لم يقدم عملا أو أكثر بهدف دفع الأطفال نحو الصيام، وهذه الاعمال تأخذ طابعا تربويا إلى جوار البعد الأدبي· وروائيا يظهر رمضان بصورة قوية في الأعمال التاريخية، خاصة تلك التي تتناول فترة أو جانبا من التاريخ الإسلامي، وهنا يكون الحضور الاكبر لاعمال جورجي زيدان وهو كاتب لبناني مصري، مسيحي الديانة، ولديه 23 رواية تحكي تاريخ الاسلام روائيا، وبينها رواية لها عنوان جانبي ''17 رمضان''· وكتب على غلاف الرواية اسفل العنوان مباشرة انها ''تتضمن تفصيل مقتل الامام علي كرم الله وجهه وبسط حال الخوارج والفتنة التي حدثت بسبب مقتل الخليفة عثمان، واستئثار بني امية بالخلافة''· ويرد الشهر الكريم داخل الرواية حين الاتفاق على ليلة لمقتل الامام علي بن ابي طالب ومعاوية وعمرو بن العاص وكان عبدالرحمن بن ملجم واثنان من الخوارج قد دبروا تلك المؤامرة، وقال احدهم ليكن في شهر جمادى فرد الآخر كما ورد في رواية زيدان ''فليكن موعدنا رمضان المبارك لنشهد عيد الفطر والمسلمون قد اطمأنوا وإذا قتلنا لقينا ربنا وقد فعلنا ما علينا فاختاروا ليلة من ليالي رمضان· وقال الثاني أنا أختار الليلة السابعة عشرة من رمضان فما قولكما؟ قالوا: ''إنها خير ليلة''· على باب زويلة ليس جورجي زيدان وحده، ففي رواية محمد سعيد العريان ''على باب زويلة'' والتي تصور لحظة دخول العثمانيين مصر، يأتي رمضان على القاهرة خلال اجواء الحرب والقتال، فتتغير اوجه الاحتفال به واستقباله وفي اعمال علي أحمد باكثير التاريخية مثل رواية ''وا اسلاماه'' نلمس الشهر الكريم، ويصبح رمضان جزءا اساسيا من الحدث، فضلا عن الخيال الروائي، لان رمضان في الذاكرة التاريخية هو رمز الانتصار والجهاد·· الجهاد الاكبر اي مجاهدة النفس والجهاد الاصغر الذي هو مواجهة العدو· وفي الرواية الاجتماعية او الواقعية يختلف حضور الشهر الكريم من عمل إلى آخر ربما لدى نفس الروائي، ومن روائي إلى آخر·· الحضور الأقوى لرمضان نلمسه في رواية احسان عبدالقدوس ''في بيتنا رجل'' وهي سياسية تتناول دور طلاب الجامعة السياسي واشتراكهم في الاعمال السرية خاصة الاغتيالات وكانت مصر قد شهدت موجة من الاغتيالات السياسية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1949 أي في أعقاب حرب 1948 ''عام النكبة'' وطلاب الجامعة هم الذين نفذوا معظم هذه العمليات، وتدور الرواية حول إحدى هذه العمليات وتختار الخلية التي قامت بالعملية شهر رمضان وتحديدا الدقائق التي ينطلق فيها مدفع الافطار لقيام البطل بالهروب من مستشفى قصر العيني الذي كان يعالج به، وهو نفسه الذي نفذ العملية والمعروف ان الدقائق العشر التي تسبق مدفع الافطار تكون الشوارع شبه خالية ويكون الجميع قد انصرفوا إلى الافطار بمن فيهم رجال الامن واما لحظة الأذان ذاتها فتكون الشوارع قد خلت تماما ففي الشارع اذا لوحظ ان انسانا يمشي بسرعة او حتى يجري فسيكون مفهوما انه يهرول للحاق بالافطار في المنزل، ولن يدقق احد في ملامحه ولا في هيئته، ولذا أمكن للبطل التخفي والهروب بسهولة ورغم ان الرواية من أولها الى آخرها سياسية ولا مجال للحديث عن أي نص ديني فيها فإن رمضان هو الاطار الضروري لوقوع الحدث ولولاه ما قامت الرواية· وبدأت الرواية هكذا ''أحد أيام شهر رمضان والساعة الخامسة مساء قبل الافطار بساعة ونصف· وكان راقدا في فراشه بإحدى غرف مستشفى قصر العيني، غرفة خاصة يقف على بابها جنديان من جنود البوليس يحمل كل منهما بندقيته وترك الجنديان باب الغرفة للافطار فهرب البطل ''ابراهيم'' بسرعة وحين وصل الى الجيزة ليهرب في بيت زميله كان الافطار قد انتهى ويقول الراوي: ''كانت العائلة مجتمعة كعادتها عقب الافطار، في حجرة القعاد والراديو يلقي إليهم أغانيه''· الإطار المحفوظي حضور رمضان مختلف في أعمال نجيب محفوظ فهو ليس محورا ولا حتى إطارا لعمل بذاته بل يأتي في ثنايا بعض الاعمال التي تدور في اجواء القاهرة الاسلامية او ما تسمى الروايات الواقعية، في ''خان الخليلي'' يأتي الشهر على البطل ''احمد عاكف'' فيغير عاداته او طقوسه وكان من عادته كموظف ان يعود إلى بيته فيتناول الغداء ثم يقرأ الصحيفة اليومية ولكن خلال الشهر يؤجل القراءة إلى ما بعد الافطار، حيث يكون تركيزه أعلى فضلا عن أنه اعتاد ان يقرأ الصحيفة ويستمتع بفنجان القهوة· وفي رواية ''بداية ونهاية'' يأتي رمضان على الاسرة التي فقدت عائلها الموظف، فلا يمكنهم شراء احتياجات الشهر الكريم والاحتفاء به كما كانوا يفعلون وكما يفعل جيرانهم الميسورون وفي ''الثلاثية'' يأتي رمضان فيدفع احمد عبدالجواد وشلته إلى تغيير عادتهم في السهر الماجن مع الراقصات والعوالم ويكون افراد الشلة في حيرة حيث يودون احترام رمضان الذي تقيد فيه الشياطين ولا يمكنهم كذلك الاستغناء عن السهر والشراب، لذا يعود السهر مجددا بعد مرور الأيام الأولى من الشهر ويصبح ذلك مادة للتفكه وفي رواية ''قلب الليل'' نجد رمضان حاضرا من خلال السهرات والامسيات الفنية حتى السحور· مسلمون ومسيحيون وفي رواية بهاء طاهر ''خالتي صفية والدير'' نجد شهر رمضان فرصة للتقارب بين سكان القرية من المسلمين والمسيحيين وتبادل الهدايا ففي نهاية شهر رمضان كانت اسرة الراوي تعد علب الكعك، وتهديها للجيران وللاقارب وكانت الخالة صفية تتولى ذلك بنفسها، وكانت هناك علبة يقوم الراوي بتسليمها يوم عيد الفطر ظهرا، وهي العلبة المخصصة للدير ويقول: ''كنت في العادة أنهي كل شيء يوم العيد، بعد صلاة العيد، وأبقي علبة الدير الى قبل الظهر لكي أخذ راحتي بالكامل''· وكان يسعد بتلك الزيارة لعدة اسباب من بينها أن الدير بعيد عن القرية وبذلك كان يأخذ حمارتهم البيضاء يركبها لتوصله إلى الدير وهناك كان الراهب يستقبله بحفاوة، وترحيب خاص بابن الجيران الطيبين، وأشد ما كان يدهشه هو المعاملة الخاصة من الراهب للحمار، وحين استفسر عن ذلك، حدثه الراهب عن أن الحمار هو الذي حمل السيد المسيح ودخل به أورشليم ولذا فهو حيوان يستحق الحنو ومعاملة خاصة· رمضان إدريس ويتميز يوسف ادريس بين القصاصين المحدثين بأنه كتب قصة بعنوان ''رمضان'' ضمن مجموعة ''جمهورية فرحات'' بطلها طفل ريفي اسمه ''فتحي'' كان يحلم ان يصوم وكان والده يمنعه لصغر سنه وبدأت القصة هكذا ''كان فتحي وهو صبي في العاشرة من عمره، ثائرا جدا على الرجال الكبار وعلى أبيه بنوع خاص، فمن حوالي ثلاثة أعوام على ما يذكر طلب من أبيه أن يصوم رمضان فقال له ابوه لا يصح قبل ان تبلغ الثامنة''· كان ''فتحي'' معنيا بالجو العام لرمضان وخاصة تناول السحور ويقول: ''كان يهمه جدا ان يصوم ولم يتحمل كل هذا العناء سدى، كان يهمه ان يصوم ليستطيع ان يتناول السحور، فلا يتناوله الا الصائمون''· وللسحور عنده معنى خاص ''وكان السحور عند ''فتحي'' تعادل لذائذه كل القصص التي قرأها والافلام التي شاهدها ومرأى الاسود والقرود في حديقة الحيوان، وكل لذائذ اخرى موجودة في العالم ولم يكن قد اتيح له ان يحضر السحور او يتناوله''· وأخيرا أقنع ''فتحي'' أسرته بأن يصوم الشهر الكريم، وتقرر ان يتناول السحور في اول ليلة من ليالي رمضان، وكانت مفاجأة لم يتوقعها·· ومهما كان ما حدث في ذلك السحور، وكان اول سحور في رمضان ويزخر كالعادة بأطايب الاطعمة ولم يجد فتحي له ذلك البريق الذي احرق خياله أياما وليالي بل ناله ما يناله· وحين بدأ الصيام بالفعل شعر بالمعاناة ''بل هو في الحقيقة بدأ يتململ من الصيام ويدرك وعورة الطريق الذي اختاره بل الذي تمناه وهفا إليه عدة رمضانات، بدأ يفكر ويقارن بين العذاب الذي هو فيه واللذة التي حظي بها ساعة السحور، والحق أنه لم يقارن، فكل ما كان يشغله هو العذاب وكل ما كان يبحث عنه هو المهرب''· وقرر ''فتحي'' ان يهرب بأن يفطر، ولكن المشكلة في رمضان وما يروى عنه في التراث الشعبي بالريف المصري من أنه سوف يضرب ويعاقب المفطر ويوقع به الأذى الجسدي ويعبر عنه يوسف ادريس بدقة بالغة ''ان رمضان سيعرف لأنه يرى الناس ولا يرونه·· ويعرف إن كانوا يفطرون او لا يفطرون، وارتسم رمضان في عقل فتحي هائلا في حجم الدنيا كلها، يجلس على عرش من ذهب وألماظ بعيدا، بعيدا خلف الشمس ووراء كل النجوم والسحب، يعرف دون ان ينظر من الفاطر ومن الصائم ويبطح الفاطر ويلقي عليه حجرا يصيب منتصف جبينه ويسيل الدم''· وبعد تردد قرر أن يتناول الماء سرا، لكن والدته ضبطته، من حيث لم يتوقع وأنبته بشدة، وتعرض لتوبيخ وسخرية بالغة، ورغم المعاناة فقد صام رمضان كله·· واضطر فتحي ان يصوم بعد هذا ويواظب على الصيام لا خوفا من رمضان وبطحاته ولكن خوفا من أهله الذين لا يفيد معهم شيء، إذ هم يعرفون كل شيء إن آجلا او عاجلا وهم الذين يتولون بأنفسهم العقاب· والقصة يمكن ان تفهم على أنها عمل تربوي حول تعويد الأطفال الصيام، ولكن يمكن ان نراها إسقاطا سياسيا، خاصة في فقرتها الاخيرة التي أنهى بها القصة وهي ان الاسرة سوف تعاقبه، لعله قصد بذلك الاجهزة البوليسية التي كانت قد اشتدت وقت كتابة هذه القصة، لذا اعتبرها عدد من النقاد قصة سياسية رمزية بامتياز·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©