الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حريق لندن وأزمة الديمقراطية

19 يونيو 2017 23:01
إن كنت غير متابع لما يحدث في بريطانيا، فتذكّر أنها نظّمت لتوّها انتخابات أدت بالحزب الحاكم الذي كان يتوقع فوزاً كاسحاً، إلى خسارة فادحة. وكان خبراء السياسة قد توقعوا لزعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين ألا تكون هناك أي فرصة أمامه للفوز. وهو من عارض بشدة السياسة التقشفية التي انتهجها حزب المحافظين. وبعدما حدث، دعونا نتساءل: من يمكنه أن يصوّت لصالح داعية ماركسي؟ أو لهذا الرجل الذي يتغزل بنضال «الجيش الجمهوري الإيرلندي» وبالرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز؟ يبدو من خلال ما حدث أن العديد من الناخبين الذين صوتوا لصالح ما يسميه البعض «حزب العمال المعتوه»، قد شعروا بأن أقصى هدفهم في هذا التصويت هو حرمان رئيسة الوزراء تيريزا ماي من الأغلبية المطلقة التي تتمتع بها في البرلمان. وهذه المرة أيضاً، شعر المعلقون وخبراء استطلاعات الرأي بالفشل والخيبة عندما أجمعت نبوءاتهم على فوز «ماي». ويمكن للحريق الذي شبّ يوم الأربعاء الماضي، 14 يونيو، في برج «غرينفيل» الواقع غرب لندن، أن يساعد على تفسير أسباب انحراف الأمور إلى هذا الاتجاه. وكان هذا المبنى الذي يتألف من 24 طابقاً أشبه بجزيرة تضم مساكن ومتاجر عامة وتعوم فوق بحر من العقارات السكنية الفخمة والأسواق الكبرى. وتميزت مساكن المنطقة كلها بفخامتها الفائقة التي رفعت أسعارها إلى الذرى خلال السنوات القليلة الماضية إلى الدرجة التي دفعت سكانها من منتسبي الطبقة الوسطى لمغادرتها. وكثيراً ما حذّر سكان «غرينفيل» الدوائر الأمنية من الحماية الضعيفة لبرجهم. إلا أنه ما من أحد من السلطات الأمنية المختصة أعار هذه الشكاوى أدنى اهتمام. ولكن تحولت هواجسهم إلى حقائق عند اندلاع الحريق في البرج. واتضح فيما بعد أن النظام المركزي للإنذار من الحرائق، الخاص بالمبنى، كان معطلاً، وأن نظام مضخات مياه الإطفاء لم يكن يعمل على النحو الفعال. وكان من نتيجة ذلك موت عدد من سكان البرج. ويقدّر البعض أن عدد السكان الذين كانوا موجودين في البرج أثناء بداية اندلاع الحريق يفوق 600. وفي مشهد يشبه ما حدث في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك يوم 11 سبتمبر 2001، لم يكن أمام بعض المحاصرين في الطوابق العليا من خيار آخر غير القفز من النوافذ بدلاً من الاحتراق وهم أحياء. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجناة لم يكونوا من الإرهابيين هذه المرة. وعقب انتشار أخبار الحريق، سارع اللندنيون لتوجيه اللوم للإهمال التام للسلطات المختصة. وكان لقسيس يدعى داني فانس رأي آخر حيث قال: «إن التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء في بريطانيا أصبح مثيراً للاشمئزاز. ولم يكن مثل هذا الحريق ليحدث لو لم يبلغ سعر الشقة هنا 2.5 مليون جنيه إسترليني». وتبدو بعض الفرضيات المتعلقة بأسباب اندلاع هذا الحريق مبالغاً فيها إلى حدّ كبير. فقد قال بعض السكان المحليين إن النيران كانت تزداد اشتعالاً بسبب الكسوة الخارجية التي أضيفت للواجهة الخارجية من المبنى مؤخراً حتى يتجانس شكله الخارجي مع أناقة مظهر الأسواق الكبرى المجاورة له. إلا أن مثل هذه الروايات لا تهدف إلا إلى لفت الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع البريطاني. وفي العدد الصادر يوم الأربعاء الماضي من صحيفة «فاينانشيال تايمز»، قال كاتب العمود «إدوارد ليوس» إن «العالَم الأنجلو- أميركي» أصبح ضحية غطرسته. وهو يذكّرنا من خلال مقاله كيف أن بريطانيا والولايات المتحدة تمسكتا بشكل كامل، وعن غير هدى، بحملة الإصلاحات التي تهدف إلى تدعيم فكرة السوق الحرة خلال عهدي ريجان وتاتشر في عقد الثمانينيات. وكانا يستندان في ذلك إلى مبررات جيدة لتبني هذا الخط. ثم يشبير «ليوس» إلى أن الزعيمين بالغا كثيراً في تنفيذ هذه الخطة وذهبا بها إلى أبعد مما يجب، وقال: «لقد تدفق مئات الآلاف من رجال المحاماة وأصحاب رؤوس الأموال الفرنسيين إلى لندن منذ ذلك الوقت. وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة لشريحة عريضة من البريطانيين في عاصمتهم». وهناك بالفعل ارتباط بين الواقع الاقتصادي والمعيشي واندلاع الحوادث الغامضة. ولم يعد بالإمكان التغافل عن العامل الاقتصادي في تفسير مثل هذه الأمور. * محلل أميركي متخصص بالسياسات والعلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©