الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام في عيون المستشرقين

الإسلام في عيون المستشرقين
5 سبتمبر 2008 01:16
يملك المستشرق توماس كارلايل نظرية خاصة في تفسير التاريخ، على أساس الانبعاثات الحضارية الناتجة عن جهود الأبطال، حيث يؤكد أن تقدّم الأمم انعكاس وتطور للهمّة العالية لدى بطل يظهر في أمة ما، ومن هنا اتخذ كارلايل موقفاً إيجابياً ومنصفاً من الدين الإسلامي، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي صنفه كارلايل كواحد من أبرز الأبطال في التاريخ وخصص له ثاني فصول كتابه الشهير الأبطال · ولد توماس كارلايل في قرية أكلفكان أناندال بجنوب اسكتلندا عام 1795م وتوفي عام 1881م عن عمر يناهز ستة وثمانين عاماً قضاها في وضع العديد من الدراسات والكتب في مختلف المجالات بين فلسفة وتاريخ وترجمة ومواعظ· اشتهر كارلايل بمؤلفاته العديدة التي من أبرزها كتاب ''الثورة الفرنسية'' 1837 وكتاب ''الماضي والحاضر'' وكتاب ''سارتور رزارتوس'' أو ''فلسفة الملابس'' و''سيرة كرومويل'' و''تاريخ فريدريك ملك بروسيا'' وكتاب ''الأبطال'' الذي وضعه سنة 1841 وقدم من خلاله واحدة من أهم الشهادات التي أنصفت الإسلام وخلصته من تلك الشوائب والاتهامات التي ألصقها به عدد من مفكري الغرب· قدم كارلايل في كتابه ''الأبطال'' نماذج متعددة للأبطال، وفقاً لتصنيفه الذي قسّم من خلاله الأبطال في المجتمعات والعصور المختلفة إلى عدة نماذج استناداً إلى نظرة كل مجتمع لأبطاله، فمنهم البطل في صورة إله، وعرض له مثالاً هو المسيح، وفقاً لما تقول به الديانة المسيحية والمسيحيون، والبطل في صورة نبي، وعرض نموذجه الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم· وقد وصف توماس كارلايل النبي، صلى الله عليه وسلم، في كتابه بأنه مثال متكامل لعلو الهمة والطبع الإنساني الرؤوف الذي يجسد كل الفضائل الأخلاقية، وانتقد في هذا السياق المفكرين الغربيين الذين انبروا لمهاجمة الإسلام والرسول الكريم ووصمه بما يعاكس الواقع تماماً· وتحت عنوان ''البطل في صورة رسول'' يقول كارلايل في هذا الكتاب: ''من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوّر، وقد آن لنا أن نحارب ما يُشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فالرسالة التي أدّاها ذلك الرسول، ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا''· ويفند كارلايل مزاعم من يتهمون النبي، صلى الله عليه وسلم بالكذب، بل يهاجمهم هجوماً صريحاً بقوله: ''ما أسوأ مثل هذا الزعم وما أضعف أهله، فعلى من أراد أن يبلغ منزلةً ما في علوم الكائنات أن لا يصدق شيئاً البتة من أقوال أولئك السفهاء، فكيف يتمكن رجل كاذبُ من أن يوجد ديناً عجباً، فالرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتاً من الطوب''·ويمضي في دفاعه عن النبي وهجومه عليهم قائلاً في موضع آخر من كتابه: ''فلسنا نعد محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغية، أو يطمح إلى درجة ملك أو سلطان أو غير ذلك من الحقائر والصغائر، وما الرسالة التي أداها إلاّ حق، وما كلمته إلاّ صوت صادر من العالم'' ويدلل على صحة أقواله باستعراض جوانب من حياة الرسول، فيوضح أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، اتّسم منذ صباه واشتهر بين أقرانه ورفقائه بالصدق والأمانة في أقواله وأفعاله، وما من كلمة نطق بها إلا وفيها حكمة بليغة، حيث ظلّ طوال حياته رجلاً راسخ المبدأ، صارم العزم، بعيد الهم، كريماً، براً، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، شديد الجد، مخلصاً، ومع ذلك كان أيضاً سهل الجانب، لين العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق''· وعبر المفكر الإسكتلندي عن تقديره لقيمة المساواة بين الناس والعدل في الإسلام، ووصفها بأنها صفة من أشرف الصفات وقيمة من أعظم القيم، بما يدل على صدق النظر وصواب الرأي الذي جعل نفس المؤمن بجميع دول الأرض والناس في الإسلام سواء''· واستعظم كارلايل شأن النهضة الإسلامية العالمية التي انطلقت من شبه الجزيرة العربية، ونقلت العرب نقلة حضارية هائلة، يعزوها حسب نظريته إلى بطل اسمه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، والذي لو كان، على حد قوله، قد ظهر في أي مجتمع آخر لحقق من النجاح ما حققه في المجتمع العربي· وخلص المستشرق الإسكتلندي إلى نتيجة مؤداها أن الله أخرج العرب بالإسلام من الظُلمات إلى النور، وحولّهم به من أمة هامدة إلى أمة حية متفاعلة · ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©