الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إعلاء شأن المعلم» رؤية شاملة لتدارك عزوف المواطنين عن العمل بمهنة التدريس

«إعلاء شأن المعلم» رؤية شاملة لتدارك عزوف المواطنين عن العمل بمهنة التدريس
15 ابريل 2012
يمكننا أن نجزم أنه ليس بالإمكان تناول ظاهرة عزوف المواطنين عن العمل بمهنة التدريس بعيداً عن الفهم الصحيح للواقع الاجتماعي، وثقافة المجتمع السائدة، وتطور التعليم في إطار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ومكانة المعلم، وسوق العمل الذي يرتبط بالتغير الهائل للعوامل «الديموجرافية» للسكان خلال الثلاثة عقود الأخيرة، وفق المتغيرات التنموية والثقافية ليس في دولة الإمارات فحسب، وإنما في منطقة الخليج بأسرها، دون أن نغفل بأية حال حقيقة استيعاب الكادر التعليمي نفسه، والمجتمع من حوله للمفهوم الصحيح لمهنة المعلم، على اعتبارها «مهنة»، وليست «وظيفة»، فإن تكللت جهود مجلس أبوظبي للتعليم الرامية إلى صياغة «مشروع وطني متكامل» لإعادة هيبة المعلم أكاديمياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً واقتصادياً ومعيشياً، عندها يمكن أن نتفاءل بإمكانية الإمساك بالمفاتيح السحرية لإنهاء هذه الظاهرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمقومات تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية وثقافة المجتمع. من غير الموضوعية أن نختصر أسباب عزوف المواطنين عن العمل بمهنة التدريس في العائد المادي، أو في الركود الوظيفي، أو غير ذلك من تبريرات ضيقة تساق هُنا أو هُناك، ومن التجني القول إن الخريجين «الذكور» يهربون من العمل بالتدريس لعدم تحمل مسؤولية المهنة وأعبائها التربوية والأخلاقية، أو أن الشباب يبحث عن عمل يحقق من خلاله «بريستيج» اجتماعي بطريقة سهلة وميسورة. إنَّ العلاج الناجح لهذا العزوف، لابد أن يعتمد على دراسة علمية متعمقة، ومن ثم صياغة استراتيجية وطنية تستهدف إعلاء شأن المعلم من خلال فهم وتحسين البعد الثقافي والمجتمعي لمهنة المعلم بشكل عام، وإعادة الهيبة لدوره ومكانته. وإعادة النظر في كيفية تحسين المكانة الاجتماعية للمعلم كقيمة اجتماعية فاعلة ومؤثرة في المجتمع، واعتماد رؤية تجعل من المعلم يتبوأ صدارة ومحور الميدان التربوي، كما هو الحال بالنسبة للطبيب في مستشفاه، والمهندس في مصنعه، ورجل القانون في ساحة العدالة. استطلاع «الاتحاد» هل أصبحت مهنة التدريس مهنة طاردة للكوادر المواطنة «الذكور» بالفعل؟، وما الدور الذي ينهض به مجلس أبوظبي للتعليم في هذا الاتجاه؟ «الاتحاد» استطلعت آراء أكثر من 30 معلماً في مدارس أبوظبي، وعدداً من الاختصاصيين الاجتماعيين والكوادر الإدارية وبعض المعلمات، للوقوف على الأسباب الحقيقية لعزوف المواطنين عن العمل بالتدريس، واتجهت جميع الآراء نحو تشخيص الأسباب، ويأتي في مقدمتها: تدني النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم، والنظر إليها على أنها من المهن الأقل شأناً في المجتمع مقارنة بالمهن الأخرى، فضلاً عن الأسباب الاقتصادية، حيث يُعاني المعلم من تدني الراتب مقارنة بنظرائه الخريجين في وظائف أخرى، مع معاناة المعلم من الركود الوظيفي، وغياب التقدير، والحوافز، والتكريم، والمزايا الوظيفية الأخرى كالسكن، والتأمين الصحي المتميز، والبدلات، وافتقاد عناصر الجذب اللازمة التي تجعل المواطن يعشق هذه المهنة ويتشبث بها، إلى جانب ضغوط ومسؤولية العمل في التدريس التي تتطلب قدرات ومواصفات ذاتية خاصة، فيما اعتبرها أغلبهم لا تلبي تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية. كما فسّر كثير منهم هذه الحالة، بأن الأمر أشبه بحلقة مترابطة كالدائرة مجهولة البداية، فتراجع مكانة المعلم تسبب عدم إقبال المواطنين، ولا سيما الذكور عن الالتحاق بكلية التربية، ويهرب خريجو الأقسام العلمية إلى وظائف مهنية في مؤسسات وجهات أخرى تمنح مزايا أفضل، ولا يجد خريجو الأقسام النظرية فرصاً نظيرة لهم للعمل خارج نطاق التدريس، ومن ثم فهم مضطرون للعمل كمدرسين إلى أن تتوفر فرص مواتية لعمل آخر، وبمميزات أفضل، وهذا من شأنه أن ينعكس على أداء المعلم، واستقراره المهني والوظيفي. أسباب وآراء عبد العزيز عمر، مدرس الاجتماعيات بمدرسة الصقور، يعزي السبب في قلة الراتب، حيث يتقاضى المعلم الجامعي في حدود 25 ألف درهم، بينما يتقاضى نظيره الذي يعمل بالحكومة المحلية أكثر من 45 ألف درهم، مع غياب الحوافز التشجيعية، وفرص الترقي، مع المعاناة من الركود الوظيفي، وعدم وجود سلَّم للوظائف، حيث يعين المعلم الجامعي على الدرجة الوظيفية «الرابعة». ويبقى عليها طيلة سنوات خدمته - بحسب قوله - ولا يرقى إلا في حالات استثنائية، فضلا عن تعرضه لكثير من المشاكل، فإذا اشتكى طالب معين من جراء موقف ما، لا أحد يفكر في البعد التربوي أو التعليمي، ولا يجد المعلم من يدافع عن وجهة نظره، أو من يدعم موقفه. ويكمل إبراهيم أبو جاس، رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة المستقبل: «إن المعلم يُعاني من الركود الوظيفي القاتل، فأنا أعمل منذ أكثر من 20 عاماً، ولم أحصل إلا على درجة وظيفية واحدة، ورغم أن تقاريري السنوية «ممتاز»، فإنني «محلك سر»، فليس هُناك تقييم موضوعي ومهني، ولقد عانينا لسنوات طويلة من سلبيات تقييم التوجيه التربوي قبل أن يلغى وتسند المسألة لإدارة المدرسة، وهُناك كثير من الكوادر المواطنة المبدعة والمعطاءة في مجال التدريس، لكنهم يحبطوا من الإهمال وغياب التقييم والتشجيع والحوافز وقلة العائد المادي، وتدني النظرة إلى مهنة المعلم، فهو يعمل في خوف وتردد، فلو تفوه بكلمة بسيطة للغاية، نجد ولي أمر الطالب يقاضيه أمام المحاكم، ولا يجد المعلم من يعضد موقفه وإن كان سليماً، فالمعلم مقيد بين مفهوم «الدور» و»إرضاء» الطالب وبعض أولياء الأمور الذين قد يجهلون متطلبات العمل المهنية». مسؤولية المجتمع كذلك يقول عبد الرحمن العطاس «معلم»: «مسؤولية تغيير الوضع القائم لا يمكن أن نلقيها على كاهل مجلس أبوظبي للتعليم وحده كجهة حكومية معنية بالأمر، إنما هي مسؤولية تضامنية لتصحيح ركام وثقافة مجتمعية ترجع لسنوات طويلة، وتغيير نظرة المجتمع إلى المعلم تحتاج إلى جهد منظم، تقوده الجهة المعنية المتمثلة في المجلس، ويُشارك فيه جميع مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية ووسائل الإعلام». ويضيف أحمد البوسعيدي «معلم»: «إن تصحيح أوضاع المعلم الوظيفية والمادية، وإعادة هيبته ومكانته، سيجعل من مهنة التدريس مهنة جاذبة للشباب الطموح، ومن ثم سنشهد إقبالاً كبيراً على الالتحاق بكليات التربية، كما أؤكد أهمية الاستمرار في سياسة التدريب ورفع المستوى المهني للمعلمين، لما لذلك من أهمية في تعزيز كفاءته المهنية والوظيفية». كما يُشير فهد الحوسني «معلم» إلى أهمية دور المعلم كرسالة إنسانية في المقام الأول، ومن ثم علينا أن نعمل معاً على تكريس هذه الرؤية بين جميع أفراد المجتمع، بإعلاء شأن المعلم وظيفياً ومادياً وقانونياً ومهنياً، ودون أن نغفل دور المعلم المواطن في إرساء مفهوم الهوية الوطنية لدى الأبناء الصغار، باعتباره قدوة تربوية أمامهم». من جانب آخر، تشير وفاء المرزوقي «معلمة» إلى الجهد الكبير الذي ينهض به مجلس أبوظبي للتعليم لتغيير الوضع الراهن، وتؤكد أهمية تعديل وتطوير الوضع القانوني والوظيفي والمهني للمعلم، من خلال استراتيجية وطنية شاملة. وترى مريم الحمادي «معلمة»: أن تحسين الصورة سيجعل من مهنة التدريس مهنة جاذبة للشباب والفتيات المواطنات أيضاً، وإعادة هيبة المعلم وتعزيز دوره ومكانته الاجتماعية سينعكس على الذكور والإناث معاً، ولا يمكن أن نهمل دور المعلم المواطن في إرساء المفهوم والمعنى الحقيقي للهوية الوطنية عند الأبناء منذ الصغر. وتكمل شيماء عبدالله «معلمة»: «لا يجب أن نلوم الشباب إن كانت طموحاتهم المهنية والوظيفية مشروعة، وعلينا أن نبحث ونعالج كل ما يصرفهم ويبعدهم عن الانخراط في هذا الميدان، فإذا كنا نعتبر المعلم قدوة، علينا أن نوفر أمامه كل ما يجعله مستقراً وآمنا على غده ومستقبله، وأن نحاول جميعاً نحو تغيير الصورة السلبية للمعلم في المجتمع، فالهوية الوطنية تحتاج إلى معلم مثل وقدوة، ولن يستطيع أن يكون كذلك إلا إذا وفرنا له كل مستلزمات النجاح والعطاء والاستقرار المهني والوظيفي». المعلم المواطن يُشير البروفيسور جيم مينجا كوسكي، نائب رئيس كلية الإمارات للتطوير التربوي في أبوظبي، إلى أهمية تشجيع العناصر المواطنة من الطلاب للانخراط في مهنة التدريس، لما في ذلك من آثار تربوية مهمة على الناشئة والصغار، ويقول: «إن تغيير نظرة المجتمع إلى المعلم تبدأ من المعلم نفسه كقدوة ومثل أعلى، وتغيير النظرة النمطية نحو المعلم مسؤولية مجتمعية يلعب فيها الإعلام دوراً مهماً وبارزاً، وهو أمر يرتبط بالثقافة العامة السائدة، وما من شك أن إيجاد عوامل مشجعة ومحفزة على المستوى المهني والمادي والتعليمي والاجتماعي، سيساعد كثيراً على تحفيز الطلاب، وعلى تغيير النظرة السائدة في الاتجاه الإيجابي، كما لا نغفل أهمية إدخال مساقات ومجالات دراسية أوسع للدراسة بالكلية، كالعلوم والرياضيات والموسيقى والفنون ستكون عاملا محفزا لكثير من الطلاب للالتحاق بالكلية، فإذا كانت برامج الكلية قاصرة على المرحلة التأسيسية، فإن فتح المجال للعمل مع الأعمار الأخرى سيسهم في زيادة الإقبال على الكلية بشكل أكبر في المستقبل». اتهامات غير دقيقة عمر مبارك، الاختصاصي الاجتماعي، يقول: «علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية لعزوف الخريج المواطن عن العمل كمعلم، علينا أن نراجع النظام الوظيفي، ونظام الترقية، ونظام التقييم، وكيف ندعم عمل المعلم، وكيف يستعيد هيبته ومكانته، فتأنيث المدارس جاء لإيجاد فرص عمل أكثر للخريجات الإناث ربما لكثرة عددهن مقارنة بالذكور، والواقع يُشير إلى كفاءة المعلم، وعلينا أن نتفحص نتائج تلك المدارس، ونستطلع آراء أولياء الأمور، فهُناك نماذج رائعة، لكن الوضع الحالي للمعلم يحتاج إلى كثير من المراجعة، وإعادة النظر وفق استراتيجية شاملة يتبناها مجلس أبوظبي للتعليم، ويدعمها الإعلام، بغرض تغيير ثقافة واتجاهات المجتمع نحو المعلم بعد أن نحسن من دخله ووضعه الوظيفي والمادي والمعنوي». أما عزيز المسعوي «معلم»، يرى أن عزوف الشباب المواطنين عن العمل بالتدريس، يبدأ من معاناتهم من التقدير المادي والاجتماعي، ونظرة المجتمع للمعلم، وهذا يترتب على وضعه الوظيفي والاقتصادي، فإذا توافر له الكيان القانوني والمهني والمادي المناسب، سنجد المهنة قد تحولت إلى عامل جذب، ومن ثم تتحسن نظرة المجتمع نحو المعلم، وبالتالي سيزداد ثقة بنفسه وعمله وينعكس ذلك على أدائه، وهو ما يضيفه سعيد العامري «معلم»، الذي يقول: «لدينا كفاءات عديدة تحتاج مناخا صحيا للعمل وتحمل المسؤولية، فالمعلم الشاب يحتاج ويتطلع إلى تأمين مستقبله، وتحقيق طموحاته المهنية والوظيفية، وإن تسنى له ذلك، فلماذا يبحث عن عمل آخر؟».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©