السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سقوط نص الاستبداد

12 يناير 2012
جاءت إقامة مؤتمر أدباء مصر في دورته السادسة والعشرين متزامنة مع قرب الاحتفال بمرور عام على صحوة الشعب المصري في ثورة 25 يناير، التي شكلت لحظة تاريخية فاصلة من تاريخ مصر، وقد استلهم عنوانه الرئيسي "سقوط نص الاستبداد.. الثقافة والثورة.. مراجعات ورؤى" روح شاعر المقاومة الكبير الراحل "أمل دنقل"، حيث تم إهداء الدورة له. مناقشات المؤتمر التي أقيمت على مدار ثلاثة أيام وشهدها ممثلين لمختلف التيارات والاتجاهات الأدبية من كل أقاليم مصر، أكدت على استمرار الثورة وإصرارها على تحقق مطالبها التي قامت من أجلها كاملة. وقد أكد الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الجهة المنظمة للمؤتمر أن هذه الدورة تشهد على حاضر يتشكل ومستقبل يتخلق، تواكب أخطر تحولات تاريخية في عمر الدولة المصرية وترفع شعار "سقوط نص الاستبداد" وتركز جهدها الفكري وطاقتها العقلية لدرس علاقة الثقافة بالثورة عبر مراجعات ورؤى فكرية وثقافية شتى. وأشار إلى أن من أهم أسباب اختلاف هذه الدورة عن سابقاتها أنها تأتي وقد "تحقق لأبناء مصر بعض ما ناديتم به طيلة أكثر من ربع قرن من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والرغبة في أن تكون للديمقراطية كلمتها العليا"، وأوضح أن الأمانة العامة للمؤتمر سعت لأن تكون هذه الدورة "أشد التصاقًا بما يجري حولها وأكثر تمعنًا وتأملاً في النظر إلى الأحداث". وقال إن مؤتمر أدباء مصر المرصد الأكبر على التغيير في وقت كانت معظم الأفواه فيه مكممه والألسن معقودة والأنفس تغص بآلام الصمت والكتمان، ودعا جميع المثقفين والمبدعين أن يمدوا يد الدعم والمؤازرة "لنعلن عام 2012 عقدًا ثقافيًا للتوعية بمختلف أبعادها نتبناه سويًا هيئة ومثقفين لكي نتواجد بين أبناء الشعب المصري في مختلف أقاليمه ومحافظاته". وأكد الشاعر فارس خضر أمين عام المؤتمر على أن المثقف المصري يقف الآن في المسافة الأبعد عن فكرة التخوين، وعن تناحر المتناحرين حول المكتسبات والغنائم بالرغم من تحمله العبء الأكبر من الإقصاء والتعنت والمطاردة في الأرزاق. وأضاف أننا حمّلنَا هذا المؤتمر عنواناً ساحراً يداعب أخيلة الشعراء ويُرضى أشواق وطموحات المبدعين تحت عنوان "سقوط الاستبداد" بالرغم من أن المتخبطين في إدارة البلاد يجهزون على ما تبقى من الإرادة الوطنية تاركة تيارات الإسلام السياسي، تجني حصاد السنوات العجاف ليتباعد الحلم الذي بدا وشيكاً. وقال الروائي فؤاد حجازي رئيس المؤتمر: "يقع على عاتق المثقفين واجب تاريخي لتغيير طريقة تفكير الجمهور من البسطاء، لكي نرقى بمصر لتحتل المكانة اللائقة بها في عالم اليوم". وأضاف أنه "يجب عدم المغالاة في الاهتمام بالثقافة ونشر الوعي في المدن الكبرى بالدرجة الأولى، بل لابد أن تنتشر الثقافة في القرى والنجوع، حيث أن الهيئة العامة لقصور الثقافة قادرة على الوصول إلى كل قرية في مصر، من خلال إبداع طرائق جديدة تستند إلى الإبداع والخلق". تفكيك الثقافة د. أيمن تعيلب رأى في بحثه "الثورة وتفكيك العقل الثقافي العربي.. تفكيك وتركيب" أن الثورة المصرية أثبتت أن العقل الشعبي أكبر من العقل الوحدوي السلطوي، وقال "الاستبداد يحكم الواقع ولكن لا يملكه، والثورة المصرية قامت ضد أنظمة الفكر والسياسة والثقافة في العقل المصري قبل أن تكون ضد الممارسة السياسية القمعية المستبدة على أرض الواقع". وتناول تعيلب أربع محاور رئيسية هي : ثورة يناير وتفكيك الثقافة الحظائرية، التحول من العقل الثقافي القمعي إلى العقل الجمعي الحركي، الثورة وفتح أفق الممكن، من ثقافة التواطؤ الاستفساري إلى ثقافة السؤال الابتكاري، وأكد على أنه لن يحدث اختلاف في السياسات العربية الحاكمة ما لم تتغير العلاقة بين السلطة الحاكمة وما يراه الناس. و أكد د.محمد حسن عبد الحافظ فى بحثه عن " مدنية الثقافة ومرجعيتها الشعبية" أن سقوط الداعية السياسي للسلطان هو مطلب شعبي أو حتمية شعبية، وتناول في بحثه سبع محاور هي: في البنية المعرفية لمقاربة" الثقافي، حتمية استقلال الثقافي، نقد الفكر الإصلاحي، نقد التلقين النخبوي، فى المجتمع المدني، إضاءتان في مرجعية الثقافة عند"جرامشي، بورديو"، في الثقافة العالمة والثقافة الشعبية. وعن "الثقافة ومقاومة الاستبداد فى جدل حرية الفكر والتعبير في مصر الحديثة" أكد المؤرخ د.عاصم الدسوقي على استمرار الجدل القائم بين المثقف والسلطة والاستبداد والحرية، وصنف المثقفين في مصر إلى ثلاث أصناف تاريخياً، صنف مع السلطة الحاكمة تعطى مشروعية لإجراءاتها وتجمل قبحها وهذا الصنف يُفتح له أبواب المجد، الصنف الثاني يعيش في الهامش ولا أحد يتعامل معها، والصنف الثالث يبحث عن الطريق فى الظلام، وأوضح أن الاستبداد السياسي نما مع فكرة الملك الإله في مصر القديمة والتي كانت أخر طبعاتها هي الحاكم "الأب" الذي لا يمكن سبُه أو التطاول عليه. وقال الدسوقي إن سلطة الاستبداد السياسي قوضت مثقفين كثيرين ومنعتهم عن قول الحقيقة، فتجدهم يقولون أشياء في ندوات يحضرونها ويكتبون شيئا آخر في كتبهم. وأكد في النهاية على أن مشكلة المثقف والسلطة ستظل طالما هناك شريحة تخدم الحاكم. وتناول الباحث محمد دسوقى فى بحثه "الثورة وأسئلة الشعر" عدداً من النصوص لشعراء مبدعين في مصر والبلاد العربية التي انتفضت شعوبها (محمد الشهاوي وسعد عبد الرحمن وتقي المرسي والشيخ نوح وعبد المنعم الأمير، رياض الشرياطي، المنصف الوهابى، آدم فتحى، خالد الصلياعي، فاروق شوشة، ممدوح المتولي، حسن طلب، صبري قنديل، شريفة السيد، علاء عبد الهادي، عبد المنعم رمضان، ماجدة الظاهري، وعائشة المغربي) ليعرض وجهة نظره في اختلاف وظيفة الشعر قبل وبعد الثورة. وخلص الباحث إلى أن التجارب المطروحة لا تعبر عن الثورة بعمق، بل هي نوع من محاولات للاشتباك بفاعلية مع الواقع، مؤكدا أن "الشعر هو روح إنسانية أما الثورة فهي اختراق للواقع". وتناول الشاعر أحمد عنتر مصطفى في بحثه "شعارات الثورة: إبداع متمرد على تقليدية الأطر" خصائص وعناصر "الشعار بشكل عام، هو رمز أو شارة على شئ ما، وقد يمتد خيط رفيع يربطه بفن "الإعلان" فكثيراً ما يعلن عن سلعة ما بشعار لها أو علامة، وفى الحالة الثورية يكون الشعار "إعلاناً مع الفارق عن الرؤية والرغبة في التغيير والتمرد على ما هو قائم وزلزلة الأرض تحت الثوابت، كما أنه يعد نداء ستظل به الجماعة معبرة بها عن اتحادها وقوتها، وأضاف أنه سواء جاء هذا الشعار مقروء أو مسموعاً مردداً أو مرئياً في أن يكون مكثفاً مقتضاً، وفى الآن نفسه مستوعباً لأهداف الثورة معبراً عنها مكملاً للفعل الثوري دافعاً له ممزقاً عليه، كما لابد أن يكون مموسقاً بحيث يسهل ترديده وحفظه، وبخاصة إذا كان هتافاً وأن تكون كلماته وألفاظه ذات وقع خاص، مفعمة بالرنين والقوة، وأن يعتمد على القافية الصوتية والناقدة والحادة، والحرص على ان تخلو كلماته من الحروف صعبة النطق وأن تكون بعيدة عن صيغ الاشتياقات كالظاء والتاء. الإعلام والفيسبوك وأشارت د. عبير سلامة في بحثها الذي حمل عنوانا "ثورة معلقة ــ الثورة المضادة من موقعة الجمل الى مواقع التواصل الاجتماعي" إلى مصطلح "الميمة" والتي عرّفتها بأنها عبارة عن فكرة بنية فكرية يمكن أن تتجسد على هيئة صورة أو شعار، وهى كائنات فكرية شبيهة بالكائنات الحية. ثم أوضحت أن سمات الشخصية المصرية هي أحد أسباب تعليق الثورة المصرية إضافة إلى الثورة المضادة التي هي جزء من الميمامات والتي بدأت بعد نزول الجيش يوم 28 يناير. وعرض الباحث أحمد سراج في بحثه "المراقبة ـ المنع ـ الاستخدام" كيف سقطت السلطة المصرية وهى في أوج قوتها ونضجها ظاهرياً أمام مجموعة من شباب مهمشين، وكيف تعاملت السلطة المصرية مع قنوات الإعلام الاجتماعي "الفيسبوك، يوتيوب، تويتر"، موضحاً كيف زاد عدد مستخدمي الفيس بوك في مصر منذ بداية 2011 وحتى أغسطس من نفس العام. وفي قراءته للأداء الإعلامي للتليفزيون الرسمي أثناء ثورة 25 يناير، أكد الإعلامي محمود الشريف على أن كل العالم رأى فشل التليفزيون المصري في الوقوف بجانب الحاكم أثناء الثورة، مشيراً إلى أن المتلقي دائماً يسعى إلى الرسالة الأكثر تميزاً التي تستطيع إقناعه، وأثناء الثورة المصرية كانت قناتا "الجزيرة والجزيرة مباشر" تنقلان الحدث من قلب ميدان التحرير في حين انسحب التليفزيون المصري وعرض على قنواته صورة ثابتة لكوبري قصر النيل فارغاً وكأن مصر فى فسحة، ويأسف إلى أن ما كان يزرعه النظام السابق في الإعلاميين من خوف يدفعهم إلى الآن إلى الوقوف إلى جوار السلطة. أما الأديب قاسم مسعد عليوة في بحثه "الناسل والمنسول.. مراجعة نقدية إدارية لواقع الفساد والاستبداد بالمؤسسات الثقافية العامة فى مصر عقب ثورة 25 يناير 2011" أشار إلى مظاهر الفساد الإداري وممارساته في المؤسسات الثقافية المصرية العامة المتمثلة في الرشوة، المحسوبية، المحاباة الوساطة، الابتزاز، التزوير، اختلاس المال العام أو إهداره، عدم العدالة في توزيع مخصصات التحفيز عدم الانتظام في العمل، التزويغ، الأفعال المخلة بالحياء، عدم الاهتمام بالجمهور، سرقة المقتنيات واندلاع الحرائق. وأكد عليوه إلى أن جميع هذه المظاهر وغيرها يجمع بين كل من الفساد التنظيمي، الفساد السلوكي والفساد المالي في علاقة مصاهرة، وسرد البراهين الدالة على استشراء مظاهر الفساد الإداري في المؤسسات الثقافية المصرية العامة وهي وزارة الثقافة، المجلس الأعلى للثقافة، قطاع الفنون التشكيلية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، مكتبة الإسكندرية، كما عرض الباحث إلى مظاهر الاستبداد وممارساته في المؤسسات الثقافية العامة المتمثل في مسارعة رؤساء مجالس إدارتها إلى تأييد القيادة السياسية، كما دلل الباحث على مظاهر الاستبداد فى كل المؤسسات الثقافية السابق ذكرها. وتساءل د. أشرف حسن عبد الرحمن في بحثه "مراجعة نقدية لواقع المؤسسات غير الرسمية" لماذا كان كل هذا الفساد ممكنا؟ وما هي ضمانات عدم تكراره؟ وما هي الضمانات بعدم وصول شخص مثل مبارك للسلطة؟ ويسأل الباحث ألم يكن هتلر زعيماً منتخباً؟ كيف نضمن ألا يكون الرئيس الجديد تكراراً لنموذج محمد علي الذي جاء به ثوار مثل الشيخ عمر مكرم والشرقاوي للحكم، ومع أول معارضة تم نفي عمر مكرم خارج القاهرة إلى دمياط وسجن زعماء الأزهر، ثم ورًّث بعدها محمد على السلطة لأولاده. وسرد عبد الرحمن موقف المؤسسات الرسمية الثقافية من الثورة بداية من اتحاد الكتاب مروراً بنادي القصة والنقابات نهاية بالأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين والإعلام، مؤكداً أننا "افتقدنا في الفترة السابقة إلى المثقف البرجوازي إلى جانب المثقف المغامر".
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©